د. ميشال الشماعي

كما في قضية المرفأ كذلك في قضية الطيونة وعين الرمانة طلبات ردّ وعرقلة التحقيق ومنع تحقيق العدالة

15 كانون الثاني 2022

02 : 00

أحداث الطيونة

منذ 14 تشرين الأوّل 2021 ثلاثة أشهر مضت على حادثة الطيونة الأليمة التي افتعلها متظاهرون ينتمون إلى منظومة الثنائي الشيعي وسقط نتيجتها عدد من الضحايا والجرحى، ليتم بعدها توقيف عدد من شباب عين الرّمانة الذين أصيبوا أوّلا بالاعتداء وقد أصدرت النيابة العامّة أكثر من ثلاثين مذكرة توقيف تقريباً بحقّ شباب من المنطقة المذكورة. لكن المعضلة تكمن في استمرار توقيف أربعة منهم.

الاعتصامات التضامنيّة مستمرّة

وتستمرّ الاعتصامات التضامنيّة من قبل أهالي الموقوفين الأربعة وهم: جورج توما وابنه نسيم، الياس نخلة ونبيل داود. وعلمت «نداء الوطن» من مصادر موثوقة بأنّه تمّ إجراء مفاوضات لإسقاط الدّعاوى مجتمعة والافراج عن الموقوفين من الطرفين؛ حيث تمّ توقيف بعض الأشخاص من الطرف الثاني على خلفيّات أخرى كتعاطي المخدّرات والاتّجار بها ليتبيّن نتيجة التحقيق معهم بعلاقتهم في أحداث الطيونة. مع الإشارة إلى إمكانيّة إيقاف مذكّرات التوقيف الصادرة بحقّ بعض شباب عين الرمانة الصادرة بحقّهم مذكّرات توقيف ظلماً.

هذا الأمر أوقف التحرّكات الاعتراضيّة بانتظار نتائج هذه المصالحة. ولكن تبيّن لأهالي الموقوفين في الأيام الأخيرة فشل هذه المساعي كلّها. لأنّه على ما يبدو بأنّ أمر العمليّات نفسه برفض أيّ مصالحة قد صدر من الغرف السوداء نفسها التي تربض خلف خطوط حارة حريك والضاحية الجنوبيّة. وهذا ما أثار حفيظة الأهالي، وهذا ما سيدفعهم أيضاً لاستعادة تحرّكاتهم بوتيرة أكبر لأنّهم يعتبرون أنفسهم أصحاب حقّ، ومعتدى عليهم وليسوا معتدين. فبنهاية المطاف أبناؤهم كانوا بموقع الدّفاع عن النفس أمام هجوم مسلح وغوغائي على ما ظهر في الفيديوات التي سرّبها المعتدون بأنفسهم بعد انتشائهم بفائض قوّتهم الذي انقلب عليهم.

فالأهالي ممتعضون ويطالبون أبناء منطقتهم بمساندتهم في تحرّكاتهم الاعتراضيّة المقبلة، لأنّه وعلى ما يبدو إن تُرِكَت الأمور لتسير على منوالها التعطيليّ عينه فقد يطول حجز حريّة أبنائهم إلى ما لا نهاية. فجلّ ما يريده الأهالي هو ترك العدالة تأخذ مجراها، ومَن تثبت إدانته فليحاكم. أمّا مَن تثبت براءته فليطلق سراحه فوراً. فالوضع اليوم بحالة ترقّب من قبل الأهالي، إذا أخذت العدالة مجراها واستُكمِلَ الملفّ بالطريقة القانونيّة فهم سيكونون خلف القانون، أمّا إذا تابع المعتدون بطلبات ردّ القضاة ونقل الدعوى لكفّ يد القضاء مرّات جديدة فستكون لهم تحرّكات تصاعديّة.

العرقلة مستمرّة

المنظومة نفسها تعرقل ملف تحقيقات حوادث الطيونة وجريمة تفجير مرفأ بيروت، وهذا ما يفضي إلى استنتاج بأنّ الطريقة نفسها ستعتمد في الملفّين، أي التعطيل والردّ والتأجيل إلى ما لا نهاية. طلب ردّ بحقّ قاضي التحقيق العسكري فادي صوّان الذي استلم التحقيق بعد القاضي فادي عقيقي بحجّة المودّة بين وكلاء الدفاع عن المدّعى عليهم في حزب «القوات اللبنانيّة» وصوّان، تم تقديمه باسم أحد أهالي الضحايا. ليتحوّل الملفّ إلى القاضي نسيب إيليّا ليبتّ بردّ صوّان. فتقدّم الشخص نفسه بطلب ردّ بحقّ القاضي إيليّا بحجّة المودّة عينها. لتردّ القاضية رندة حرّوق طلب الردّ وتبقي إيليّا الذي ردّ طلب ردّ صوّان وأبقاه على رأس التحقيق.

ليعود محامي شخص آخر، في صباح يوم الخميس في التاسع من كانون الأوّل 2021، فيبلغ صوّان بطلب ردّ جديد بحقّه. لتُكَفَّ يده من جديد. مشهد سوريالي بعيد كلّ البعد من القضاء والعدالة، خلاصته: الموقوفون ما زالوا موقوفين محتجزة حريّتهم، ولا شيء في التحقيقات يطالهم. لكنّ الحرّيّة آتية لا محالة.

هذه الجهة عينها هي التي تعرقل ملفّ تحقيقات تفجير مرفأ بيروت وتعتمد النّهج نفسه، وبالتحديد «حزب الله» وتغطّيه المنظومة المتواطئة معه بالكامل. لكأنّ ذلك يأتي تنفيذاً لأمر العمليّات نفسه في قضيّة تفجير مرفأ بيروت. وهذا ما يطرح تساؤلاً كبيراً في هذا السياق. يطالبون بالحقيقة ويعرقلون التحقيق. تماماً كما يطالبون بالمفاوضات مع البنك الدّولي ويعرقلون انعقاد الحكومة والمجلس النيابي.

فلا يمكن لأيّ كان أن يكون الضحيّة والجلاد والقاضي والحكم في الوقت عينه. هذا كلّه يدفع أيّ مراقب إلى الاستنتاج بأنّ هذه الجهة لا تريد الحقيقة، لا في ملف تحقيق المرفأ ولا في ملفّ أحداث الطيونة.

وكيلة الدفاع عن أبناء عين الرمانة الموقوفين إليان فخري قالت لـ»نداء الوطن»: «من يبحث عن الحقيقة لا يعرقل عمل القضاء. والاتّهامات التي صدرت بحقّ أكثر من أربعين شخصاً من عين الرمانة كلّها بلا أدلّة؛ فلا وجود لأيّ تقرير لأيّ طبيب شرعي مثلاً، ولا تحليل لطريقة الاصابات ولنوعيّتها. لذلك هذه كلّها اتّهامات ساقطة شكلاً ومضموناً».

وهذا ما يدفع إلى استنتاج آخر وهو أنّ القاضي صوّان كما القاضي البيطار يعملان بالطريقة الصحيحة، ويسيران على الصراط المستقيم قضائيّاً. وهذا ما يطمئن بالحدّ الدنى بأنّ القضاء اللبناني، أو على الأقلّ، جزءاً منه، ما زال حرّاً، وغير منصاع إلى أوامر الدويتّو المؤلّف من المنظومة والمنظّمة. وما يريده هذا الدويتّو هو أن يؤمّم القضاء لحسابه، وبالتحديد لحساب سلاح «حزب الله» غير الشرعي فيحكم بما يرضي هذا السلاح وليس عكس ذلك إطلاقاً، ليرتاحوا من الحرج الذي يضعهم فيه بعض القضاء المستقلّ الذي بات يشكّل عامل إزعاج لهما لأنّه غير خاضع. فلا القضاء الدّولي بالسابق أرضاهم، ولا القضاء العدلي بجريمة انفجار المرفأ أرضاهم، ولا اليوم قاضي التحقيق العسكري أرضاهم. فإمّا أن يكون القضاء قضاءهم أو القضاء على القضاء بالقضاء. واليوم لا قاضيَ ليتابع هذه القضيّة، والخلاصة الموقوفون ما زالوا موقوفين بعد مضي ثلاثة أشهر.

المحامي الدكتور أنطوان سعد شرح لـ»نداء الوطن» أنّه كلمّا يحاول القاضي البتّ بالموضوع يتم طلب تنحيته. أيّ أنّ العرقلة نفسها مستمرّة. ولفت «سعد» إلى اعتماد الجهة نفسها أيّ الثنائي، الطريقة نفسها التي تمّ اعتمادها في ملفّ عرب خلدة.

المواجهة مستمرّة

كذلك كان لـ»نداء الوطن» حديث مع المحامي إيلي محفوض الموكل مع عدد من المحامين عن أهالي عين الرمانة، بدعوى قضائية مباشرة ضد شخص الأمين العام لـ»حزب الله» أمام قصر العدل ببيروت، بعد 24 ساعة من انتهاء الأحداث، حيث تبنى نصرالله كلّ السياق الذي سبق الغزوة. وبناء على تقرير من خبير محلّف لدى المحاكم الذي عاين الموقع المتضرّر وقدّم كشفاً عن كلّ الأضرار التي لحقت بالممتلكات الخاصّة تمّ رفع الدّعوى.

ويفيد محفوض بعد رد الدعوى في بيروت ونقلها إلى النيابة العامة في جبل لبنان بأنّه «سيكمل بالملفّ حتّى آخر نفس لأنّ هذه الشكوى قد كسرت حاجز الخوف عند كثيرين، ودفعت باتّجاه قانوني واضح وهو أنّ أيّ شخص سيتعرّض لأيّ ضرر أو اعتداء من قبل ميليشيا «حزب الله» عليه أن يلجأ إلى القضاء، بأيّ حال كان فيها هذا القضاء. لنسجّل أمام الله والتاريخ بوجود شعب قاوم هذه الميليشيا ولم يسكت عن حقوقه أبداً».

الخلاص

بغضّ النّظر عن التجاوزات كلّها، لن يتمكّن بعض المتحايلين على القضاء من تطويعه لانتزاع الأحكام التي ترضيهم. فضمير قاضٍ واحد حيّ كفيل بأنّ يقضّ عروشهم كلّهم. وهذا ما يحصل في قضيّة تفجير مرفأ بيروت، وهذا ما سيحصل في قضيّة موقوفي عين الرمانة.