طوني كرم

التوافق على نتائج الإنتخابات... وإلّا المجهول!

الحياد والفدرالية واللامركزية مشاريع على الورق

17 كانون الثاني 2022

02 : 00

بلد مع وقف التنفيذ
يطرح الخلل في توزيع السلطة وتداولها «أزمة وجودية» عند كل استحقاق في لبنان، يستدعي صراعات المنطقة ويدفع القوى السياسية إلى البحث عن أساليب لإدارة الأزمة أكثر من طرح الوسائل الآيلة إلى معالجتها. من الدعوة إلى الحوار والبحث في اللامركزية أكانت حصريّة أو لا حصريّة وصولاً إلى طرح الفدرالية أو الكونفدراليّة... فما الذي يبحث عنه اللبنانيون؟





لا يختلف المتابعون على أنّ الأزمة في لبنان هي امتداد للصراع في المنطقة، في حين تتعدد الآراء حول كيفيّة تفادي إنعكاساتها السياسيّة - الطائفيّة على الساحة اللبنانية، وذلك عبر البحث في أساليب جديدة لإدارة التعددية المجتمعية، سواء من خلال تطوير النظام أو عبر طرح نظام بديل يضمن تحييد لبنان عن المحاور الإقليمية والتدخل في شؤون الدول الأخرى.

بين طرح الفدراليّة المتجدد، والمطالبة بتطبيق اللامركزية الإدارية كخطوة أوليّة لتحديد «الولايات» أو السلطات المحليّة، في أوج الخلاف على سياسة لبنان الخارجية بين انتمائه العربي كما ورد في وثيقة الوفاق الوطني أو عبر المطالبة بالتوجه شرقاً والتعويل على حلف الأقليات الذي يأخذ من محور المقاومة أو إيران ضمانةً وحمايةً لهم في الشرق الأوسط، يرى الباحث في العلوم السياسية الدكتور هشام أبو ناصيف انه لا بدّ من الإقرار أنه في غياب الحياد سيبقى لبنان مسرحاً لصراعات النفوذ الإقليمية، مشيراً إلى أنّ الأولوية تكمن في تحرير الوطن عملياً من خلال متابعة المعركة السيادية بوجه الإحتلال الإيراني المقنّع، والإقرار أنّ النظام المركزي اللبناني غير ناجح وهو في أزمة كبيرة لا يمكن حلها إلّا عبر تطبيق الحياد والفدراليّة.


الدكتور عماد سلامة



لبنان والصراع الإقليمي

من جهته، أوضح الباحث في العلوم السياسية البروفسور عماد سلامة، أنّ الأزمة اللبنانية ليست مرتبطة بشكل أساسي بالنظام السياسي القائم، لا بل هي امتداد لصراعٍ إقليمي «متعدد الأطراف» حول مستقبل الثروة النفطية في المنطقة، يأخذ مخارج طائفية (سنيّة – شيعيّة) بشكل أساسي، ومسيحيّة بمراحل ثانوية مختلفة في لبنان، نظراً للدور المحوري الذي تلعبه كلٌ من السعودية وإيران في المنطقة.

وإذ شدد على وجوب تصحيح الشوائب التي تعتري النظام السياسي التوافقي الطائفي المعتمد في لبنان، لفت إلى أن العديد من الدول حول العالم تتبع هذا النظام «غير الشاذ»، مشدداً على ان الشواذ يكمن في ضعف لبنان الذي يقع في منطقة محتدمة في الصراعات الطائفية والتي تنعكس بشكل أساسي عليه. ما يدفع القوى السياسية إلى محاولة خلق نظام يتعامل مع أزمات المنطقة ومشاكلها بعيداً عن إنعكاساتها المتفجرة على الداخل، أكثر من البحث عن طرق لحلها.

ورأى سلامة أنّ الطروحات المتعددة من المطالبة بالحياد واللامركزية والفدرالية وصولاً إلى الكونفدرالية أوالتقسيم تأتي في محاولة لتخفيف حدّة الإشتباك القائم عبر الخروج إلى نُظم أخرى للتعامل أو التعايش معها.


أزمة وجودية عند كل إستحقاق

وعن تجدد الأزمات عند كل إستحقاق وإعادة التشكيك في النظام، أشار سلامة إلى أنّ لبنان دولة هشّة في تركيبتها الطائفية والسياسية منذ ان وُجِدت، إلى جانب الثغرات المرتبطة في مركزيّة السلطة بيد مجلس الوزراء، ومن ثم رئاسة الجمهورية والمجلس النيابي، ما يُدخل البلد في أزمة «شبه وجودية» تحديداً مع الإقتراب من إستحقاق رئاسة الجمهورية ونصبح وكأننا أمام الدعوة إلى عقد إجتماعي جديد، ترعاه دول خارجية للتوافق على رئيسٍ للجمهورية وعلى تركيبة السلطة، تحديداً كما حصل بعد 2005 (إغتيال الرئيس رفيق الحريري) وصولاً إلى «إتفاق الدوحة».

ووضع سلامة دعوة رئيس الجمهورية القوى السياسيّة النافذة إلى الحوار، كمحاولةٍ للتوافق على نتائج الإنتخابات البرلمانية والرئاسية قبل الذهاب إليها (كما جرت العادة)، بحيث تعمد تلك القوى ومن خلال الحوار إلى إستباق نتائج الإنتخابات غير المتوقعة، والتي قد تشكل خرقًا لوجودهم وصولاً إلى خسارتهم مفاصل السلطة، إضافة إلى تجنّب زعزعة الإستقرار السياسي الذي قد يسبق الإنتخابات من أجل تطييرها أو لاحقاً عبر الإنقلاب على النتائج والطعن بها، وصولاً إلى خلق أزمة مفتوحة تبدأ من عدم الإعتراف بنتائج الإنتخابات ولا تنتهي قبل تغيير النظام أو إندلاع الحرب!

وعن تحديد جدول الحوار للبحث في اللامركزية الإدارية (المالية) الموسّعة والإستراتيجية الدفاعية مع بروز المطالبة بالحياد والفدرالية، رأى سلامة أنّه لا يمكن لأحد ان يختلف حول جدوى اللامركزية الإدارية في الإصلاح السياسي كعمليّة داعمة للنظام تقدم العديد من الحلول عبر توزيع الصلاحيات وإعطاء السلطات المنتخبة المحليّة سلطات تنفيذية أكبر، توزّع بذلك «المشاكل» عوض أن تبقى في يد الرؤساء الثلاثة، ما يدفع إلى تخفيف حدة الصراع، وتصبح المسؤولية محليّة عوض أن تبقى المسؤولية مركزية، وتلقائياً بيد الأحزاب التابعة إلى أشخاص أو طوائف.




الفدرالية والحروب التي لا تنتهي

وتوقف سلامة عند صعوبة طرح الفدراليّة التي تتطلب ظروفاً وعوامل أساسيّة لا يمكن تنفيذها في لبنان، وتدخل البلد في دوامة حروب لا تنتهي، قائلاً: «بقدر ما يصبح هناك عدد من الفدراليات، بقدر ما تتولّد لدينا حروب».

وإذ لفت إلى تجربة قديمة عند محاولة تقسيم لبنان إلى قائمقاميتين للدروز والموارنة وما نتج من مجازر بين الطرفين أو الطائفتين، في ظل تداخل المناطق اللبنانية طائفياً، وصعوبة تقسيم «الولايات» جغرافياً تساءل عن مصير الأقليات الطائفية حينها؟!!

وشدد سلامة على أنّ لبنان بلد صغير ومختلف ومتداخل يصعب تطبيق الفدراليّة فيه من الناحية العملانيّة، لما تتطلبه من تشريعات خاصة بها ودستور وبرلمان وقوى أمنية وشرطة.... ليختم قائلاً ان لبنان ليس بحجم الولايات المتحدة أو روسيا، وما ينطبق على الدول الأخرى ليس بالضرورة ينطبق على لبنان.



الدكتور هشام بوناصيف



عُقم النظام

وإن كان المدخل الى الفدرالية يتطلب توافق غالبية المكونات السياسيّة في الداخل، إلّا أنه يتطلب قبل كل شيء قيام سلطة مركزية قادرة تتولى سياسة خارجية موحدة، وقيام جيش شرعي يأخذ على عاتقه حماية الدولة الفيدرالية والدفاع عن مصالحها... وهنا تكمن جوهر الأزمة اللبنانية.

بدوره يرى الباحث في العلوم السياسية الدكتور هشام بو ناصيف أنه في ظلّ هذا النظام الذي لا يضمن حياد لبنان عن صراعات المنطقة من جهة، والذي يقوم على مركزية من جهة أخرى، إنتقلنا من حرب إلى حرب، ومن إحتلال إلى إحتلال، ومن مشكل إلى آخر، وفشلنا في إدارة تعدديتنا المجتمعيّة بطريقة سلميّة... ما يدفعنا إلى البحث عن بديل.

وأوضح بو ناصيف أنّ أكثر ما يحتاجه لبنان اليوم هو الحياد الذي يضمن تحييدنا عن صراعات المنطقة، من خلال ضمانة قانونية في القانون الدولي العام، تثبّت وضعيّة لبنان كدولة محايدة، مشيراً إلى أنّ التناقضات والخلافات اللبنانية سواء كانت طبقيّة أو طائفيّة، لا تتحول إلى عنف واندلاع حرب أهليّة ما لم تتقاطع مع تدخلات خارجية، مشدداً على أن الحيلولة دون تحوّل الخلافات اللبنانية والتناقضات الداخليّة إلى حروب تتمّ من خلال تحييد لبنان عن صراعات المنطقة ومن خلال الحياد أولاً ومن ثم السعي إلى تطبيق إدارة لامركزية إدارية ومالية وسياسيّة تأخذ على عاتقها تنظيم العلاقات بين الطوائف وإدارة توزيع أفضل للثروة منعاً لتكرار التجارب السابقة بما يحلّ تلك المشاكل... وهذه تسمى الفدراليّة.

«الحياد + فدرالية»


ولفت بو ناصيف إلى أنّ الفدرالية تحلّ بعض المشاكل منها تحييد الأمور الحياتية اليومية عن الصراعات السياسية الكبرى، وتوزيع أفضل للثروة في المناطق، في حين يهدف الحياد إلى حلّ المشاكل المرتبطة بالسياسات الدفاعية والخارجية، والحدّ من تدخل الخارج في شؤوننا، ولكنه لا يساهم في إنماء المناطق النائية. وإذ لفت إلى عدم إمكانية أي نظام في العالم تقديم الحلول باستمرار، أشار إلى أنه أفضل ما يمكن التفكير به حتى لا يبقى لبنان في دوامة ماضيه يكون من خلال معادلة «الحياد + فدرالية».

واعتبر أن العودة إلى مقاربة ما حصل إبان المتصرفيّة ليس علمياً، اذ أن تلك الفترة سبقت قيام الجمهورية اللبنانية، في ظل نظام «إثنو فدرالي» بين قائمقاميتين، للنصارى والدروز، في حين أنّ الطرح اليوم لا يتم على أساس طائفي، ويمكن أن تكون فدراليّة جغرافيّة تترافق مع إعتماد الحياد، تحديداً بعد مرور مئة عام على ولادة لبنان الكبير وخلق هوية لبنانية وطنية جامعة لم تكن أثناء وجود القائمقاميتين.

سلاح الحزب أولاً!

وفي الموازاة، شدّد بو ناصيف على أنّ كل الطروحات عن الحياد والفدرالية تبقى حبراً على ورق في حال لم نبدأ معالجة جوهر المشكلة المتمثلة بسلاح «حزب الله»، وسحبه وتحويله إلى حزب سياسي لبناني، والتفكير بحلول تمنع تكرار الإحتلال الإيراني المقنّع (حزب الله)، بعد أن سبق واستعَدنا «جزءاً من السيادة» عقب خروج الإحتلالين السوري والإسرائيلي، وذلك عبر تطبيق الحياد كي لا يبقى لبنان ساحة لتصريف النفوذ الإقليمي والدولي، ومن ثم إعتماد النظام الفدرالي من أجل إدارة التعددية الطوائفيّة بسلام، وفصل أمور المواطنين المعيشيّة اليوميّة عن الصراعات السياسيّة الكبرى، من خلال الحكومات المحليّة، لتوزيع الثروة وتنمية المناطق بشكل عادل، من خلال حكومات محليّة في المناطق، تُحرِّر الناخب من الإرتهان للقوى والأحزاب الكبرى وتدفعه إلى محاسبة النُخب اللبنانية عبر الإنتخابات.

الديمقراطية والسلاح

وفي الختام، وإنّ كانت كل الإصلاحات الإداريّة أو الدستورية، تتطلب رغبة داخلية وتوافقاً بين القوى السياسية التي أنتجتها الحرب، فإن تداول السلطة ديمقراطياً عبر الإنتخابات مُهدَّد في لبنان ويهدِّد السلم الأهلي في حال أنتجت الإنتخابات غلبة فريق على آخر، ما يدفع القوى السياسية إلى البحث دائماً عن «راعٍ» خارجي يأخذ على عاتقه إدارة «اللعبة السياسيّة» الداخلية بعيداً عن العودة إلى المتاريس الطائفية والمناطقيّة والعسكريّة... لتبقى الإنتخابات مشهداً جميلاً وشاهِداً على تحلل النظام الديمقراطي القائم.


MISS 3