أنقرة تدفع الأكراد إلى حضن النظام السوري

01 : 20

كرديّة تبكي شقيقتها التي قُتِلت في مواجهة الجيش التركي خلال تظاهرة في ساحة الشهداء في بيروت أمس (أ ف ب)

في خضمّ التطوّرات الميدانيّة والسياسيّة المتسارعة، خصوصاً بعدما أعلنت واشنطن على لسان وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر أن الرئيس دونالد ترامب أمر بسحب نحو ألف جندي من شمال سوريا، موضحاً أن القرار اتّخذ بعدما علمت واشنطن أن أنقرة تعتزم توسيع عمليّتها في سوريا بشكل أكبر من المتوقع، باتت القوّات التركيّة والفصائل السوريّة الموالية لها تُسيطر على منطقة حدوديّة واسعة في شمال شرقي سوريا، ما يُمهّد لإنتهاء المرحلة الأولى من هجومها الدموي ضدّ مقاتلي "قسد"، في وقت تحرّك الجيش السوري في اتجاه شمال البلاد لمواجهة الهجوم التركي، إذ أفاد "المرصد السوري" عن اتفاق على انتشار القوّات السوريّة في مدينتَيْ منبج وكوباني، بينما أكّدت الإدارة الذاتيّة الكرديّة التوصّل إلى اتفاق مع دمشق ينصّ على انتشار قوّات النظام على طول الحدود مع تركيا للتصدّي لهجوم أنقرة وتحرير المناطق التي دخلها الجيش التركي، معتبرةً أن "هذا الاتفاق يُتيح الفرصة لتحرير باقي الأراضي والمدن السوريّة المحتلّة من قبل الجيش التركي كعفرين"، في شمال غربي حلب.

ولم توضح الإدارة الذاتيّة بقيّة تفاصيل الاتفاق، إلّا أن مدير "المرصد السوري" رامي عبد الرحمن كشف لوكالة "فرانس برس" أن الاتفاق "يتضمّن في مرحلة ثانية عودة مؤسّسات الدولة، على أن تتحوّل الإدارة الذاتيّة الكرديّة إلى إدارات محلّية تُدير شؤون المنطقة، بحسب الوعود الروسيّة". كما أوضح أن الاتفاق يتضمّن أن تُشارك "قسد" في معارك قوّات النظام ضدّ "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة) في إدلب، مشيراً إلى أن "قسد" تلقّت وعوداً بدعمها لاستعادة عفرين وإعادة سكّانها إليها.

وبعد خمسة أيّام من المعارك الطاحنة التي رافقها قصف مدفعي وجوّي كثيف، باتت القوّات التركيّة والفصائل الموالية لها تُسيطر على نحو 100 كيلومتر على طول الحدود بين مدينة تل أبيض (شمال الرقة) وبلدة رأس العين (شمال الحسكة)، وفق "المرصد السوري"، الذي أوضح أن تركيا سيطرت منذ بدء الهجوم على 40 قرية وبلدة في المنطقة الممتدّة بين تل أبيض، التي سقطت بيد قوّاتها، ورأس العين، بعمق نحو 27 كيلومتراً. كذلك، أعلنت وزارة الدفاع التركيّة أن قوّاتها وحلفاءها سيطروا على "الطريق الدولي إم 4 بعد التوغّل بعمق 30-35 كلم". ويربط هذا الطريق الدولي، محافظة الحسكة (شرق) بمحافظتي الرقة ثمّ حلب وصولاً إلى اللاذقيّة غرباً. ويمرّ جزء منه جنوبي المنطقة الممتدّة بين رأس العين وتل أبيض.

بالموازاة، وفي انتهاك واضح للقانون الدولي الإنساني، أعدم مقاتلون سوريّون موالون لأنقرة، 9 مدنيين رمياً بالرصاص، من بينهم هيفرين خلف، البالغة 35 عاماً والتي تشغل منصب الأمين العام لحزب "مستقبل سوريا" الكردي. كما قُتِلَ 16 مدنيّاً جرّاء قصف مدفعي شنّته القوّات التركيّة ونيران المقاتلين السوريين الموالين لها في مناطق حدوديّة عدّة، وفق ما أفاد المرصد، مشيراً إلى مقتل 10 مدنيين آخرين في غارة تركيّة استهدفت قافلة كان ضمنها صحافيّون في بلدة رأس العين. وتخطّت بذلك حصيلة القتلى جرّاء الهجوم التركي 60 مدنيّاً، فضلاً عن مقتل 104 عناصر من "قوّات سوريا الديموقراطيّة". وفي الجهة المقابلة من الحدود، قُتِلَ خلال الأيّام الماضية 18 مدنيّاً في قذائف سقطت على مناطق حدوديّة، بحسب السلطات التركيّة.

وبعد قرار فرنسا وألمانيا تعليق بيع الأسلحة إلى تركيا وتهديد واشنطن بفرض عقوبات شديدة عليها، أكّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن لا نيّة له بوقف الهجوم، في حين عاد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ليُعلن خلال استقباله مساء أمس في باريس المستشارة الألمانيّة أنغيلا ميركل أن الهجوم التركي المستمرّ يُهدّد بالتسبّب بـ"وضع انساني لا يُمكن تحمّله" وبـ"مساعدة تنظيم "داعش" في الظهور مجدّداً في المنطقة"، فيما طالبت ميركل الرئيس التركي بوقف العمليّة فوراً، محذّرةً من أنّها قد تزيد من عدم الاستقرار في المنطقة وتتسبّب بعودة "داعش". وفي السياق، أعلنت الإدارة الذاتيّة الكرديّة أن 785 من عائلات الجهاديين الأجانب فرّوا من مخيّم "عين عيسى" في ريف الرقة الشمالي، مشيرةً إلى أنّهم هاجموا حرّاس المخيّم وفتحوا الأبواب للفرار بعد قصف تركي قريب. وأفادت الإدارة الذاتيّة و"المرصد السوري"، بانسحاب عناصر الحراسة من المخيّم الذي يقطنه 13 ألف نازح، بينهم عائلات عناصر التنظيم الإرهابي.

توازياً، أعلنت الأمم المتّحدة أن الهجوم العسكري التركي أجبر 130 ألف شخص على الفرار من منازلهم، لافتةً إلى أنّها تتوقع أن يرتفع هذا العدد أكثر من ثلاث مرّات، في وقت كان لافتاً ومعبّراً جدّاً وصف زعيم القبارصة الأتراك مصطفى أكينجي عمليّة "نبع السلام"، بـ"نبع الدماء"، ما أثار غضب أنقرة، بحيث هاجم أردوغان بشدّة أكينجي، معتبراً أنّه "تجاوز الحدود تماماً وسنردّ عليه في الشكل الملائم".


MISS 3