عون ودّع السلك الدبلوماسي بخطاب غلب عليه التمنّي والوعود

كلام قاسٍ غير مسبوق للسفير البابوي ونصف مشاركة خليجية

02 : 00

للمرة الاولى في تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين لبنان وحاضرة الفاتيكان، وامام اعضاء السلك الديبلوماسي ومديري المنظمات الدولية الذين زاروا رئيس الجمهورية ميشال عون للتهنئة بالاعياد، يستخدم عميد السلك الدبلوماسي السفير البابوي المونسنيور جوزف سبيتري في كلمتة باسم أعضاء السلك، كلاماً قاسياً ومباشراً استهدف كل الطبقة السياسية.

وأهمية كلمة سبيتري انها تأتي مع الدخول في صراع القوى السياسية على استحقاقين اساسيين: الاول الانتخابات النيابية، والثاني الانتخابات الرئاسية، وضع مجموع الطبقة السياسية امام مضبطة اتهام تتّصل بعناوين اساسية ابرزها: عدم اقرار الاصلاحات المطلوبة، تذكير بثورة الشباب في 17 تشرين 2019 والتي كان يفترض ان تدفع السلطة الى التجديد ولم تفعل، الشلل في عمل المؤسسات الدستورية وتعطيل مجلس الوزراء، الترفّع عن المصالح الطائفية والعمل معاً لانقاذ لبنان، وجوب ابرام اتفاق احترام بين القوى السياسية بدل حملات التشهير، والاهم ان الحل بالحوار الصادق القائم على احترام الآخر بعيداً من فرض الايديولوجيات.

وجدّد السفير البابوي القول: «نودّ أن نشجّع اليوم جميع اللبنانيّين على الثبات في التزامهم بالحرية والحقوق الأساسية والديمقراطية والتضامن، لكي يستمرّوا في بعث الأمل بإمكانية العيش المشترك المتناغم والتقدّم، ليس فقط في بلد الأرز، بل أيضاً في البلدان المجاورة. إعتقد الكثير من اللبنانيين أنّ الذكرى المئوية لإعلان دولة لبنان الكبير كانت لتشكّل فرصةً فريدةً للقيام بالإصلاحات الضرورية التي من شأنها أن تعود بالفائدة على جميع المواطنين. ورأى الكثيرون في التظاهرات الحاشدة التي حصلت منذ تشرين الأول 2019، والتي حرّكتها فئة الشباب اللبناني بشكلٍ خاص، فرصة فريدة لممارسة الضغوطات على القادة السياسيين والسلطات المالية من أجل إحداث تجديدٍ سياسي واقتصادي واجتماعي يشمل لبنان بأسره. لكن، ولسوء الحظّ، لم يجرِ الأمر كذلك».

وأصدر سبيتري اتهاماً مباشراً عندما طلب من الحضور الوقوف دقيقة صمت إكراماً لذكرى جميع ضحايا مأساة المرفأ من لبنانيين وأجانب وقال: «من يمكنه أن ينسى تفجير مرفأ بيروت المأسوي نتيجة الإهمال الإجراميّ؟ من لا يتذكّر جميع الضحايا الأبرياء والدمار الهائل الذي تسبّب به الانفجار والمشاكل الاجتماعية التي ولّدها؟ أو كيف ننسى الضحايا الأبرياء الآخرين نتيجة الإنهيار الإقتصادي؟ وهل يمكننا أن نتجاهل المعاناة المعنوية والنفسية لأولئك الذين دُفعوا تحت خطّ الفقر بسبب سوء الإدارة المالية وغياب المساءلة، وحتّى بسبب فساد الكثيرين ممّن هم في مواقع السلطة؟ لكنّ هذه المصاعب، مع كلّ ما حملت معها من آلام، لم تطفئ شعلة الحرية ولا روح التضامن لدى اللبنانيّين».

وأكد سبيتري ان المجتمع الدولي «ما انفكّ يطالب السلطات اللبنانية بتنفيذ رزمة من الإصلاحات. وقد شهدنا خلال العامين الماضيين تعاقب حكومات، مع تسمية رؤساء وزراء، قائمين، مستقيلين أو يتولّون تصريف الأعمال. كذلك، نشعر بقلقٍ كبير إزاء الشلل الحالي على صعيد اجتماعات مجلس الوزراء. وإنّنا، إذ نوجّه كلّ التهنئة إلى رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي على قبوله هذه المهمّة الصعبة، نتمنّى له أيضاً النجاح في استئناف نشاط عمل مجلس الوزراء الذي لا غنى عنه. ونأمل في أن يضع جميع الوزراء والقادة السياسيين احتياجات المواطنين على رأس قائمة أولويّاتهم، وأن يبذلوا قُصارى جهدهم للتوصّل إلى قراراتٍ مشتركة تضمن استرداد كرامة سكّان لبنان جميعهم. ولكن، لا حلول يمكن التوصّل اليها من دون حوار صادق، قائم على أساس احترام الآخر، كما ذكرتم مؤخّراً، يا فخامة الرئيس. بالفعل، إنّ الحوار المستمرّ على الأصعدة كافة، وحده، وليس فرض الايديولوجيات، يستطيع أن يساعد في توضيح الاحتياجات الحقيقية لمختلف مكوّنات المجتمع اللبناني، والسماح باتّخاذ القرارات الصحيحة وتنفيذها».

وأشار الى اصرار «المجتمع الدولي على ضرورة إجراء انتخابات حرّة ونزيهة وشفّافة. لا ينبغي لأيّ حزبٍ سياسي أن يخشى عرض برنامجه ومرشّحيه على المواطنين المدعوّين للتعبير عن رأيهم السيادي. في الواقع، من واجب المواطنين، لا بل من حقّهم، التعبير عن آرائهم بحريةٍ من خلال الإدلاء بأصواتهم، وبالتالي اختيار الأشخاص الذين سيخدمون في مجلس النواب. وقد يكون من المفيد حتماً أن توقّع الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات المقبلة اتّفاق احترام متبادل، بدل اللجوء إلى حملات التشهير، صوناً لكرامة كلّ مرشّح وكلّ حزب وكلّ انتماء. نحن نفترض أنّ كلّ مرشّح يحمل خير لبنان في قلبه، وبالتالي ينبغي احترامه».

وفي انتقاد صريح لمثيري النعرات الطائفية قال سبيتري: «إنّ آلاف الشباب، إلى جانب فئاتٍ أخرى أكثر تقدّماً في السنّ، الذين توحّدوا تحت راية العلم اللبناني خلال الاحتجاجات الحاشدة على مرّ العامين الماضيَين، لم يمثِّلوا انتماءاتٍ أو أحزاباً سياسية، بل تحرّكوا فقط بدافع محبّتهم للبنان. يا له من تناقضٍ مع كلّ أولئك الذين يحاولون إعادة تأجيج النعرات الطائفية التي تهدِّد روح الأخوّة. ونجدّد تضامننا الراسخ مع لبنان وشعبه. ونتمنّى أن يترفّع المسؤولون كافة عن المصالح الطائفية لصالح تعزيز ثقافة الشفافية والمساءلة والعمل معاً من أجل إنقاذ لبنان. حسبنا أن نرى اللبنانيين كافّة يستعيدون ملء كرامتهم. ونأمل ألّا يكون ذلك مجرّد فرصة أخرى ممكنة، بل يُصبح واقعاً بفضل الصمود المعتاد والإبداع والروح الحرّة وحسّ التضامن، التي لطالما تميّز بها الشعب اللبنانيّ».

وفي درس بأصول الدستور، قال سبيتري: «نحن ندرك أنّ الدستور اللبناني يقوم على حقوق المواطنين وليس على مطالب مختلف الانتماءات. إنّ احترام هذه الحقوق تعزّز الأخوّة التي هي أساسية في تحديد أخلاقية الممارسة اللبنانية للسلطة، على كلّ المستويات. في الواقع، ليست السلطة، على مختلف الأصعدة، مجرّد إمكانية فرض القوّة على الآخرين، بقدر ما هي براعة في فهم احتياجات كلّ شخص بشري، تسهيلاً لنشوء حوار قائم على الاحترام يفضي بدوره إلى قراراتٍ مشتركة لصالح نموّ المواطنين والوطن. إنّ السلطة تحترم قاعدة القانون، كما تعزّز الحرية، لأنّ وحدهم الأفراد الأحرار يستطيعون العمل معاً من أجل السلام والتنمية البشرية المستدامة، حيث لا يُترك أحدٌ خارجاً».

خطاب وداع!

اما رئيس الجمهورية فكانت كلمته اشبه بخطاب وداع نهاية الولاية الرئاسية، من خلال استعراض لمختلف المحطات الاساسية التي مرّت في السنتين الماضيتين وفي مسيرة السنوات الست التي قاربت على الانتهاء، إذ وعد بـ»أن لبنان النازف اليوم، قادر على تضميد جروحه واستعادة عافيته، لأن إرادة اللبنانيين، مقيمين ومنتشرين صلبة، وتعلّقهم بوطنهم لا بديل عنه»، شاكراً لجميع الدول مساعدتها في ظل الظروف الصعبة التي عاشها هذا البلد ولا يزال، الا انه لفت الى ان «بعض الجهات تعمل على استثمار هذا الدعم المادي والإنساني لأهداف سياسية وتحت شعارات ملتبسة، خصوصاً وأن لبنان على أبواب انتخابات نيابية، ودعا الى ضرورة الحذر من هذه المجموعات، والى حصر الدعم والمساعدة بمؤسسات الدولة، والهيئات والمنظمات الإنسانية والدولية التي أثبتت تجرّدها وحيادها والتزامها المواثيق الدولية التي ترعى حقوق الإنسان».

وشدّد عون على ان لبنان بطبيعته «ليس ممرّاً أو مقرّاً لما يمكن أن يسيء إلى سيادة دولكم وأمنها واستقرارها، ولا يشكّل تدخلاً في شؤونها الداخلية، وخصوصاً الدول العربية الشقيقة التي وقفت دوماً إلى جانبه، لا سيما في الظروف الصعبة التي مرّ بها ولمّا يزل». وأمل في «أن تكون مواقف بعض الدول مماثلة لمواقفه، بحيث لا تستعمل ساحته ميداناً لتصفية خلافاتها أو صراعاتها الإقليمية، ولا تدعم فئات أو مجموعات منه على حساب فئات أخرى».

وأكد عزمه، بالتعاون مع مجلس النواب والحكومة، وبما تبقّى من ولايته، «على متابعة العمل على الرغم من كل العراقيل من أجل تحقيق الإصلاحات التي التزمت بها، والتي طالما دعت دولكم إلى تطبيقها، لا سيما اعتماد خطة التعافي المالي والاقتصادي التي ستقرّها الحكومة اللبنانية خلال الاسابيع القليلة المقبلة في مجلس الوزراء، الذي سيعود إلى الانعقاد بعد تعطيل قسري لم يكن له ما يبرره مطلقاً»، بالتزامن مع التدقيق المحاسبي الجنائي في حسابات مصرف لبنان والإدارات والمؤسسات والمجالس الأخرى، لتحديد أسباب التدهور المالي الذي أصاب لبنان، ومحاسبة المرتكبين والمقصّرين الذين ساهموا من خلال الفساد الذي مارسوه طوال ثلاثة عقود والهدر والسياسات الاقتصادية والنقدية الخاطئة في تحكّم منظومة معروفة بمقدرات البلاد والتصرّف بها، بما يخدم مصالحها وممارسة سياسة استئثار بحماية داخلية وخارجية».

وأمل في أن اللبنانيين سيكونون على مستوى المسؤولية خلال الانتخابات النيابية في الربيع المقبل، في إيصال من سيعمل على تحقيق آمالهم وتطلعاتهم لغد أفضل وإرساء أسس نظام سياسي خالٍ من الاستئثار ولا تتولّد منه أزمات لا حلول لها من ضمنه، «من هنا دعوتي إلى اعتماد اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة، وقد دعوت قبل أيام إلى طاولة حوار للبحث فيها وفي الاستراتيجية الدفاعية وخطة التعافي الاقتصادي، لكن بعض القيادات السياسية لم تستجب، ما دفعني إلى التمسّك بالدعوة إلى الحوار لاقتناع ثابت لدي بأنه الطريق إلى الخلاص».

وإذ أشار الى استمرار إسرائيل في خرقها القرار الدولي 1701، جدّد عون التزام لبنان مضمون هذا القرار، من دون ان يعني ذلك الانكفاء عن المطالبة بحقه في ممارسة سيادته على أرضه ومياهه واستثمار ثروته النفطية والغازية، مع رغبته في التفاوض من أجل ترسيم حدوده البحرية الجنوبية على نحو يحفظ حقوقه في المنطقة الاقتصادية الخالصة وفق ما تنصّ عليه القوانين والمعاهدات الدولية ذات الصلة.

وأكد ان الاستقرار في المنطقة لن يتحقّق إلا من خلال السلام العادل والشامل والدائم الذي أرست قواعده قمّة بيروت 2002، ومن خلال قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، بحيث تتحقّق عودة الفلسطينيين الى أرضهم ويسقط نهائياً مخطط التوطين الذي يرفضه جميع اللبنانيين. كما امل في ان يعود الاستقرار الى سوريا، بحيث يعود النازحون في لبنان إلى أرضهم وممتلكاتهم، «خصوصاً أن لبنان ينظر بريبة إلى مواقف دولية تحول حتى الآن دون هذه العودة على الرغم من توقف القتال في مناطق واسعة من سوريا، ما يطرح علامات استفهام حول أسباب عرقلتها.


MISS 3