منصور بطيش

"لا اقتصاد متيناً ولا نموّ مستداماً في ظل سيادة منقوصة"

أفكارٌ في حُلولٍ لِلأزمة السِياسيّة والاقتِصاديّة

24 كانون الثاني 2022

10 : 05

هَلْ مِن حُلول؟

ضاقَ اللبنانيّون ذِرعاً بالحَديث عن الأزَمات والأُفُق المَسدود. يَعرِفون جَيِّداً أنَّهُم يَحصُدون نَتائِجَ سَنواتٍ مِن الفَساد والهَدر وعَدَم المُحاسَبة وانعِدام الرؤيَة والتَخطيط. سؤالُهم المُحِقّ اليَوم: أمَا لِهذا الليلِ مِن آخِر؟

بَلى، يُمكِن الخُروج مِن هذا النَفَق المُظلِم شَرط المُباشَرة بالسَير في الاتِّجاه الصَحيح والتَوَقُّف عن التلَهّي بالصِراع العَبثي والانقِسام حَولَ أيِّ الحُلولِ أَولى: في السِياسة واستِعادة السِيادة؟ أمْ في الاقتِصاد وإعادة بِنائِه على أُسُسٍ عِلميَّة، وطَنيَّة، وإنسانيَّة؟ هي سِلسِلة مُتَرابِطة لا فِكاكَ لِواحِدة عَن الأُخرى. فَلا اقتِصادَ مَتينٌ ولا نُموَّ مُستَدامٌ

في ظِلِّ سِيادة مَنقوصة وأجنِحةُ الدَولة مُتَكَسِّرَة؛ ولا سِيادةَ في فَيْءِ تَبَعيَّة وتَعمِيَة اقتِصاديَّة وانهيار مالي واجتِماعي يجعل الناسَ رَهائِنَ الفَقرِ ولُقمَةِ العَيش، وضحايا الابتِزازِ السِياسي والانتِخابي.

يحتاج لبنان الى إقرار خُطَّة مُتكامِلة للتَعافي السِياسي والاقتِصادي والمالي وحتّى العَلاقات المُجتَمَعيَّة. مُنطَلَقُها عَقدٌ اجتِماعيٌّ جَديد بين اللبنانيّين مِحوَرُه العَدالة الاجتِماعيّة والإنتاج وبناء الدَولة المَدنيّة في إطار اللامَركزيَّة المُوَسَّعة التي تُحَقِّق الإنماء المُتَوازِن الفِعلي. دَولةٌ، يَتَساوى فيها المُواطِنون بالحُقوق وأمام القانون مِن دونِ أيِّ تَمييز طائِفي أو مَذهَبي، وتَستَعيدُ القِيَمُ والأخلاقُ مكانَتَها البَديهيّة في الحَياة العامَّة، خُصوصاً للعامِلين في الشأن الوطني السِياسي والاقتِصادي.

فَكَما أنَّ أزماتِنا مُتَداخِلَةٌ في السِياسة والاقتِصاد والاجتِماع والأخلاق، كَذَلِك يَجِب أنْ تَكونَ الحُلول على المُستَوى نَفسِه.

وإذا كانتْ الأرقامُ وحدَها لا تَعكِس فِكراً ونَهجاً سياسيّاً واقتِصاديَّاً ـــــ اجتِماعيَّاً، فهِي تَبقى المَدخَلَ العِلمي الإلزامي لِتَشخيص الواقِع الاقتِصادي والمالي، ومِنها يُمكِن وَضعُ الإصبَع على الجِراح الكَثيرة التي تَستَنزِفُ ما تَبَقّى مِن قُدرَة البَلَد وأهلِه على الصُمود.

لا بُدَّ من التَذكير بِدايةً بِأنَّ حَجم الدَين العام، المُتَرتِّب على الخَزينة اللبنانيَّة، قَد تَراكم وتَزايد بشَكلٍ كَبير، بالعُملة الوَطنيّة والدولار، نَتيجة سُوء الادارة والفَساد وعَدَم إنتاجيّة الاقتِصاد. ويبلُغ راهِناً بحَسَب دفاتِر وِزارة الماليّة، نَحو ٩٦ ألف مليار ليرة لبنانيّة بالعُملة الوطنيّة وَقُرابَة ٣٩ مليار دولار بالعُملات الأجنبيّة.

تُضاف إلى هَذَين المَبلَغَين، فَجوَة في حِسابات مَصرِف لبنان بالدولار كانَت مِن أبرَز أسباب شَحِّ الدولار في السُوق وانهيار الوَضع بشَكلٍ عام. تَفاقَمَت الفَجوة عَبرَ السَنَوات لتُقارِب اليَوم ٦٥ مليار دولار، وهيَ الفارِق بَين صافي إيداعات المَصارِف لَدى مَصرِف لبنان بالعُملات الأجنَبيَّة بنَحو ٨٤ مليار دولار وما بقيَ مَوجوداً في مَصرِف لبنان.

أمّا إجمالي الناتِـج المَحَلّي، الذي وَصَلَ إلى ٥٥،٢٧ مليار دولار في العام ٢٠١٨، فتُشيرُ التَقديرات إلى انخِفاضِه إلى أقَلّ مِن النِصف في العام ٢٠٢١ بَعد أنْ تَراجَع إلى ٥٣،٥٥ ملـيار دولار في العام ٢٠١٩ وإلى نَـحـو ٣٣ مليار دولار في العام ٢٠٢٠، مع ما رافَـقَ ذَلِك مِن تَفاقُم اللاعَـدالة في تَوَزُّعِه. والعَجز في الميزان التِجاري مَع الخارِج، فَقَد تَفاقم مع السَنوات نَتيجة مُمارسة سياسة الرَيع والاتِّكال على الاستِهلاك إلى أن وصَلَ في العام ٢٠١٨ إلى ١٦،٦٥ مليار دولار.

كُلُّ ذلِك أوصَل البَلَد الى أزمة لَمْ يَعرِف لها العالَمُ مَثيلاً مُنذ العام ١٨٥٧. فبَعد تشيلي في العام ١٩٢٦ وإسبانيا في العام ١٩٣١ يأتي اليَوم لبنان، وَفقاً لاستِنتاج البَنك الدَولي في تَقريرِه الصادِر بِتاريخ ٣١ أيّار ٢٠٢١ تَحتَ عُنوان "لبنان يَغرَق".

صَحيحٌ أنَّ لبنان يَغرَق، لكِنْ ما زالَ بالإمكان مَدُّ طَوقِ النَجاةِ له مِنْ أبنائه أوَّلاً، ومِنَ المُجتَمع الدَولي ثانياً، على قاعِدة مَثَلِنا الشَعبي "قوم يا ابني تَ قوم معك".


في ضَوءِ ما تَقَدَّم، أقتَرِح:


١- الانتِهاء مِنَ البِطاقة التَمويلـيَّـة، وتَوزيعُها على مُستَحِقِّـيها قَبل نِهاية شباط المُقبل. فَمَعَ تَحَـفُّظِنا على فِكرَة البِطاقة التَمويليَّة بالمُطلَق، إلّا أنَّها تُشَكِّلُ في الظُروف الراهِنة، مَـمَـرّاً إلزاميّاً لصُمود الفِئات الأكثرَ حاجَةً، بانتِظار الحُـلولٍ الجَذرِيَّة.

٢- إقرار خُطَّة التَعافي الاقتِصادي والمالي والنَقدي تَـعـتَـمِـدَ تَوزيعاً عادِلاً ومُنصِفاً لِلخَسائِر، على أساس مَنْ اسـتَفاد أكثَر في المَرحَلة السابِقة يَتَحَمَّل أكثَر (الناس عَبر سِعر الصَرف، الدَولَة عَبر رَصيد الدَين العام، مَصرِف لبنان، المَصارِف، حامِلو سَنَدات اليوروبوندز، كِبار المُودِعين بالعُملات الأجنَبيَّة مِنْ خِلال إعادة احتِساب

مُعَدَّلات الفَوائِد المُرتَفِعة التي حَصَلوا علَيها، ومَعَ دَرس إمكانيَّة الاستِفادة مِـنْ إيرادات بَعضٍ مِنْ مَوجوداتِ الدَولة). والجَدير بالذِكر أنَّ هَذا المَبدأ قد طالَبَتْ بِه رئيسة صُندوق النَقد الدَولي في بَيانٍ أصدَرَتهُ بِتاريخ ٩ آب ٢٠٢٠ حَولَ الوَضع في لبنان.

٣- قِيام وِزارة الماليّة بإعـداد لائِحة بمَوجوداتِ الدَولة، مِن عَقارات ومَبانٍ وأُصول أُخرى، ليُصار الى دَرس إمكانيّة استثمارِها ورُبَّما بَيع، بالتَوقيت المُناسِب، بَعض مِمّا هوَ غَيرُ اسـتراتيجي مِنها.

٤- إقرار مُوازَنة اصلاحِيَّة لِلعام ٢٠٢٢ المُقبِل تَعكُسُ خَيارات اقتِصاديّة واضِحة ولا تَكون لها آثار انكِماشِيّة عـلى الاقتِصاد بَلْ تَحفيزٌ لِلاستِثمار في مُختَلِف قِطاعات الإنتاج وخُـصوصاً السِلَع والخَدَمات ذات القيمة المُضافة العالية.

٥- تَصفـير العَجـز المالي البُنيَوي الذي أصبَحَ مُتاحَاً وإنْ في غُضون سَنَتَين أو ثَلاث. أمّا العَجز المالي غَير البُنيَوي، الناتِج عَنْ نَفَقاتٍ استِثمارِيَّة تُحفِّز النُمُوّ الاقتِصادي المُستَدام، فَيَبقى ضَرورِيّاً مَرحَلِيّاً لإعادة تأهـيل البُنى التَحتيّة، وتَطالُ إيجابيّاتُه البُعد الاجتِماعي والنَشاط الاقـتِـصادي المُفتَرَض أن يَزدادَ حَجـمُهُ.

٦- إعادة إحياء الـقِـطاع الـمَصرِفي بِمَفاهيم حَديثة ليَكونَ مُساهِماً أساسيّاً وفعّالاً في الاقتِصاد المُنتِج، عِوَضَ أنْ يَكون أجيراً في خِدمَة اقتِصاد الرَيع، ولِيَتَحَوَّل بالتالي إلى رافِعةٍ للاقتِصاد الوَطَني الحَقيقي ومُحَرِّكٍ لَهُ. وهذا يَستَدعـي العَمَل على إعادة رَسمَلَة المَصارِف خُصوصاً تِلكَ التي تُقرِض في الاقـتِصـاد الحَقيقي، وعلى تَنقيَة القِطاع مِن الشوائِب التي اعتَرَته، وتطوير المأسَسَة فيه لِيُواكِبَ الحَداثَةَ ومُستَلزَماتِ بازل والحَوكَمَةَ الرَشيدة.

٧- إجراءُ تَغييرٍ جَذري في أُسُس الاقتِصاد اللبناني لِتَحويله مِنْ اقتِصادٍ رَيعيٍّ مُهَجِّرٍ لِلطاقات إلى اقتِصادٍ مُنتِج، حَيَويّ ومُؤَنسَن، وذلِك باتِّباع سياسة تَحفيز الإنتاج المَحَلّي عَبرَ سَـلَّة إجراءات لِزيادَة حَجمِه وتَحسين قُدُراتِه الـتَـنـافُـسـيَّـة. وبـالـتـالي، تَـخــفـيـض الـعَـجـز التِجاري بزيادة الصادِرات خُصوصاً السِلَع ذات القيمة المُضافة العالية، تَدريجيَّاً بِمُعَدّل لا يَقِلّ عَن مليار دولار سَنَويّاً. والتَركيز على تطوير الـقِطاعات الإنتاجيَّة ذات القيمَة المُضافَة العاليَة كالأدويَة، الأغذيَة والمأكولات، المَلبوسات، المَفروشات، والقِطاع الزِراعي بِما فيه الصِناعات الزِراعيّة، والعَمَل على إنشاء مِنطَقة للاقتِصاد الرَقمي.

٨- اتِّخاذ التَدابير الآيلة إلى تَوطيد ثقافة الاقـتِصاد الأخضَر وضَمان الاسـتِخدام الأمثَل لِلمَوارِد العامّة. وفي هـذا السِياق، فَـرض ضَريبة مُرتَفِعة على اســتِغلال الثَرَوات والمَوارِد العامّة والأملاك العُموميّة، وعلى النَشاطات التي تُضِرُّ بالبِيئة والصِحّة العامّة، وتَغريم التَعَدِّيات على الأملاك العامّة والمَوارِد الطَبيعيّة والتارِيخيّة، وهي أمانَتُنا للأجيال المُقبِلة. إنَّنا نَخسَـر الكَثير مِن مِيزات لبنان بِسُلوكيّات تُعادي الطَبيعة والبيئة.

٩- إقرار خُطّة شامِلَة لِلنَقل (تَطوير شَبَكة الطُرُق، شَـبَكة قِطارات وخُطّة للنَقل العام)، التي يَجِب البَدءُ بتَنفيذِها فَوراً، وَوَضعُ مُخَطَّط اسـتراتيجي لها.

١٠- إقرار نِظام ضَرائِبي جَديد، كُفُؤ وعادِل. الكَلام عَن الضَرائب، خُصوصاً في زَمَن الأزَمات والفَقر، يُخيف الناس مِن تَحميلِهِم أعـباء إضافيّة يَعجَزون عَن سَدادِها. لَكِنَّ الواقِع يَفتَرِض أنْ يَكون مُناقِضاً لِذَلِك تَماماً. فَالمَطلوب إقرار نِظام ضَرائبي يَرتَكِز عـلى الضَريبة التَصاعُديّة على الدَخل وعـلى الصَحن الضَريبي المُوَحَّد للأُسرة، مَع الحِرص على عَـدَم المَسّ بذَوي الدَخل المَحدود. ويَجب التَشَدُّد بمُكافحة التهَرُّب الضَريبي الذي يُجَسِّد الّلاعدالة بَين مَنْ يحتَرِمون القانون وبَين مَنْ يَضرِبون به عُرضَ

الحائِـط. فالتَوازُن بَين واجِبات المواطِنين وحُقوقِهم، هُو مِنَ البَديهيّات، والعلاقات بَين الجَماعات كما بَين الأفراد، لا تَستَديم إلّا مُظَلَّلَةً بالمَصالِح المُشتَرَكـة في إطار الاحتِرام المُتَبادَل.

لَقد اعـتادَت مُعظمُ الأطراف السِياسيّة على المُزايَدة في المَوضوع الضَريبي لِأنَّه طَرحٌ غَير شَعبي بِحَسَب جَهلِهـم، لَكِنَّ الدوَل تَعتاشُ مِن ضَرائِب مواطِنيها وتَرُدُّها لَهُـم خَـدَمات ورِعاية على كُلّ المُستَوَيات.

١١- إقرار قانون للمُنافَسة العادِلة يُساهِـمُ بفَكفَكة الاحتِكارات التي لمْ يَعُدْ لها مَثيل في عالَم الاقتِصاد الحُرّ. فالنَموذجُ الاحتِكاريّ القائِم في لبنان هوَ قاتِلٌ ومُدَمِّرٌ للاقتِصاد الحُرّ، وهوَ عابِرٌ للطَوائِف والمَذاهِب والأحزاب.

١٢- تَطوير أنظِمة الحِماية الاجتِماعيّة والرِعاية الصِحيّة مِنْ خِلال بَرنامَج مُتَكامِل، لتُصبِحَ اكثَر عَدالة بَين العامِلين في القِطاع العام، ولتَشمُلَ تَغطيتُها كُلَّ فِئات المُجتَمَع اللبناني. وفي طَليعة هَذه الانظِمة، إقرار قانون ضَمان الشَيخوخة.

١٣- تأمين شَبكة حِماية للنِظام الاستِشفائي في لبنان الذي يَشهَدُ مُنذ عِدّة أشهُر تراجُعاً خَطيراً في عَدَد الأطبّاء والمُمَرِّضات والمُمَرِّضين بَعد هِجرَتِهم الكَثيفة. فلَيسَ مَسموحاً، بَعدَ أنْ كُنّا مُستَشفى الشَرق الأوسَط ومَصدَر اطمِئنانِه، أنْ نَعيش قَلَقاً على إمكانيّة الاستِشفاء والطَبابة.

١٤- تأمين الدَعـم لِقـطاع التَربيَة والتَعـليم ضِمنَ خُـطَّة التَعـافي المالي المَـنـشـودَة. فَـما يَـصِـحُّ عـلى واقِـع المسـتـشـفَـيـات يَـصِحُّ أيَضاً عـلى قِـطاع التَعـلـيم. وقد أصبَحَ مُلحّاً اعـتِمادِ مُـقـارَبات جَديدة للاهـتِمام بـالـقِـطاع الـتَـربَوي.

وقَد يَكون مِنَ الحُلول المَرحَليّة المُمكِنَة اعتِماد نِظام الفَوتَرة، يُخَصَّص بِمَوجِبه مَبلغ مَقطوع لكُلِّ تِلميذ في المَدارِس والجامِعات الخاصّة، يُحَدَّد وَفقاً لِكُلِّ صَفّ وبِغَضّ النَظَر عَن فَرق الكُلفة بَين مَدرَسة أو جامِعة وأُخرى. وكانطِلاقة أوَليّة، يُمكِن أن تُراوِح كُلفَة نِظام الفَوتَرة المُقتَرَح ما بَين ٢٥٪؜ وَ ٣٣٪؜ مِن إجمالي الفاتورة التَربَويَّة التي تَتَحَمَّل أعباءَها الخَزينة اللبنانيّة حَاليّاً.

ويَبقى مِن بَداهة القَول التَشديدُ على أهَمِّيَة تَطوير المَدرَسة الرَسميّة والجامِعة اللبنانيّة ومَعاهِد التَعليم المِهَني والتِّقَني وتَحديـثُ مَناهِجِها وتَوزيعُ فُروعِها في مُختَلِف المَناطِق.

١٥- إقرار التَـشريعات اللازِمة لاستِقلاليّة القَضاء لا سِيَّما عَن السُلـطة السياسيّة وأيّ سُـلطة أُخرى، ولتَحصِينِه مِنَ الاغراءَات، خُصوصاً مِن قِبَل أصحاب النُفوذ والمال. فالقَضاء المُنَزَّه، الفَعّال والمُستَقِلّ، المُواكِب لِحاجات المُتَقاضِين بِسُرعة وشفافيّة، والحَريص على إعلاء شأن القانون فَوق كُلّ المَحسوبيّات، هُوَ ضَمانة أساسيّة لاستِعادَة الثِقة وجَذب الاستِثمار.

١٦- إقرار كُلّ قوانين مُكافَحة الفَساد، والعَمَل على كَشف المُخالفات والتَعَدِّيات على المال العام. هذا يتَطَلَّب إنجازَ التَدقيق الجِنائِي في حِسابات مَصرِف لبنان، واستِتباعَه بِقَرارات لإجراء تَدقيق جِنائِي في حِسابات الوِزارات والمؤَسَّـسات العامّة، انطلاقاً مِن كَهرَباء لبنان وَوِزارات الاتّصالات والمالـيّة والأشغال ومَرفأ بيروت، إلى آخِرِه...

١٧- اعتِماد اللامَركزيّة الإداريّة والماليّة المُوَسَّعة لِما لَها مِن تأثيرات إيجابيّة على تَكبير حَجم الاقتِصاد الحَقيقي وعلى التَنمية المُتَوازِنة في المناطِق. ومَنْ يَعتَرِضُ على اللامَركَزيَّة اليَوم أو يُعرقِلُ إنجازَها هو إمّا جاهِلٌ أو يُضمِرُ أهدافاً ونَوايا مَشبوهة.

١٨- التَمَسُّك صَراحة بالدَولَة المَدَنيّة بِكُلِّ مَضامِينها، التي تَخلُق جَوّاً مِن العَدالة والمُساواة، وتُعَزِّز المُوَاطَنة بَعيداً عَن الهَيمَنات (السِياسيّة، الأمنِيّة، الاقتِصاديّة، الطائِفيّة، المَذهَبيّة…)، وتُعطي لِلشَباب أمَلاً بمُستَقبَلٍ أفضَل في وَطَنهِم يَنسَجِم مَع تَطَلُّعاتِهم ومُتَطَلِّبات الحَداثـة، فيُساهِمون بِفَعاليّة في نُمُوٍّ اقتِصاديٍّ مُستَدام.

١٩- اعتِماد مَبدأ الحِوار والانفِتاح مِعياراً أساسيّاً في سُلوكِيّاتِنا وأدَبيّاتِنا الوَطَنيّة، والتَفاعُل مَع مُحيطِنا المَشرِقي والعَرَبي ومَع الفَضاء الأورومُتَوَسِطي، فيَتَعَزّز دَورُ لبنان وحُضورُه الثَقافي والحَضاري والاقتِصادي. لبنانُ الرِسالة هوَ مِساحَةُ فِكرٍ وحِوار.

هي أفكارٌ يُمكِنُ العَمَلُ علَيها وتَطويرُ بَعضِها. وكَمْ نَحتاجُ اليَوم إلى مُبادَراتٍ جَريئة لإنقاذِ الفِكرةِ اللبنانيَّة على كُلِّ المُستَويات السِياسيَّة والاقتِصاديَّة والثَقافيَّة، واستِدامَةِ رِساليَّتِها. فنُعيدُ الألَق لِصورة هذا البَلَد كَجِسرِ حِوارٍ وتَلاقٍ وتَطَوُّرٍ بَعيداً عَن صِراعات القِوى والمَحاوِر.


*وزير الاقتصاد والتجارة السابق

MISS 3