إتفاق "قسد" - الأسد... مكيافيليّة سياسيّة

01 : 31

جنود سوريّون في بلدة تل تمر في الحسكة أمس (أ ف ب)

ماذا جرى خلال الساعات الماضية في سوريا؟ ولماذا دخلت قوّات النظام إلى الشمال السوري؟ بدأت الحكاية بإجتماع حصل في دير الزور قبل بدء العمليّة العسكريّة التركيّة، كان أطرافه تركيا وروسيا والنظام السوري والعراق وموفد أميركي، بحيث تمّ التفاهم فيه على أن يُسمح للجيش التركي بالتقدّم نحو ثلاثين كيلومتراً من شرق كوباني إلى غرب رأس العين، بهدف حصر القوّات الكرديّة والسريانيّة والعربيّة التابعة لـ"قسد"، وفرض الحوار بينها وبين النظام السوري، وتسهيل عودة جيش النظام إلى شمال سوريا لإستكمال سيطرته على الأرض كمقدّمة للمفاوضات التي ستجرى لكتابة الدستور السوري الجديد، الذي سيتمّ على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب"، من دون السماح بأيّ إدانة لأفعال وارتكابات النظام. وتحدث كلّ تلك المفاوضات في ظلّ مباحثات سرّية تتعلّق بثلاثة ملفات إقليميّة، وهي: الخلاف السعودي - الإيراني، الملف اليمني، وخطّ تصدير النفط عبر الخليج العربي.

سألت سعدي بيره، عضو المكتب السياسي للإتحاد الوطني الكردستاني عما حصل، فقال لي: "لقد تأخّرت "قسد" في إجراء التفاوض مع النظام السوري، نحن في إقليم كردستان نرى أن العلاقة مع النظام هي ضرورة، وقلنا لكلّ الأطراف الكرديّة منذ بداية أحداث سوريا، بأن يُحيّدوا أنفسهم عن الصراع، وقلنا لهم بأنّ سقوط النظام السوري ممنوع، وعلى الأكراد عدم خوض أيّ صراع مسلّح مع النظام، وقلنا لـ"قسد" بأنّه يجب عليها أن تنفتح على روسيا، ولا تحصر علاقاتها فقط مع الولايات المتّحدة، ودعونا إلى فتح الطريق أمام عودة الجيش السوري إلى المناطق الكرديّة وإلى ضمّ "قسد" كفصيل إلى القوى النظاميّة للجيش".

أمّا عبد الله مهتدي، سكرتير كوملة الكردستاني الإيراني، فأوضح أنّه "لفهم ما حصل علينا أن نفهم ملامح السياسة الخارجيّة الأميركيّة، فالرئيس الأميركي دونالد ترامب يتبنّى مجموعة من المواقف السياسيّة التي تبدو أنّها متعارضة مع سلفه الرئيس باراك أوباما في الكثير من القضايا الدوليّة والإقليميّة، فهو من أتباع مبدأ الإنعزال والإنكفاء الداخلي، بهدف إعطاء أولويّة للإقتصاد الأميركي على القضايا الدوليّة الأخرى، وهو يُريد أن تؤدّي أميركا دور شرطي العالم عبر التدخل في الأزمات والصراعات التي هي مرتبطة بتحقيق مصالح أميركا بالدرجة الأولى، وذلك من أجل تحقيق مصالح الولايات المتّحدة المختلفة، ومن هنا كان على "قسد" قراءة الأمور من منظار أكثر واقعيّة، وأن لا يصيبهم الغرور. صحيح أن القوى الكرديّة أسقطت "داعش"، إلّا أن ذلك حصل بسبب وجود إرادة دوليّة، وحصلت القوّات الكرديّة على دعم إستثنائي، مالي وعسكري، ولقد قال ذلك الرئيس ترامب بأسلوبه الساخر، الذي ردّ عليه الرئيس مسعود البارزاني، ليس هذا فحسب، لقد عبرت قوّات البشمركة الكردستانيّة العراقيّة، إلى كوباني، عبر الأراضي التركيّة وساهمت بتحريرها، وما كان ذلك ليحصل بموافقة أردوغان من دون تفاهمات دوليّة".

الرئيس السابق لإقليم كردستان، رئيس الحزب الديموقراطي الكردستاني مسعود البارزاني، مستنفر بشكل كامل ويتعامل مع قضيّة الشمال السوري كإمتداد للأمن القومي الكردستاني العراقي، وهو سعى منذ البداية إلى خلق آليّات للتنسيق في ما بين "قسد" والمجلس الوطني الكردي السوري، كما دعا إلى إدخال قوّات روجافا إلى الشمال السوري، وهي قوّات كرديّة سوريّة شاركت في المعارك ضدّ تنظيم "داعش" بعد تلقيها تدريبات في إقليم كردستان العراق، بهدف الانتشار في مناطق توزّع الأكراد في سوريا، الأمر الذي رفضه حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي وجناحه العسكري، الذي كان يتقاسم السلطة مع النظام السوري في المنطقة، ويُنسّق معه ومع إيران. بعد إنتصار حزب الإتحاد على "داعش"، وتشكيله الإدارة الذاتيّة، وسيطرتها على 35 في المئة من سوريا، أصابها الغرور، واعتقدت أنّها تستطيع أن تُغيّر المعادلات الدوليّة وتفرض حلاً سياسيّاً على قياسها في سوريا، فتمّ إستثناءها من القوى التي دعيت إلى كتابة الدستور السوري الجديد، وأخذ القرار بتقليم أظافرها كمقدّمة لفرض حلّ سياسي شامل لسوريا، من ملامحه أن تُحلّ الأمور على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب"، وعدم المسّ برموز النظام.

وتعتبر البشمركة السوريّة، الجناح العسكري للحزب الديموقراطي الكردستاني السوري، أبرز الأحزاب الكرديّة السوريّة، وهي جزء من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السوريّة. وبحسب قائد قوّات "بشمركة روجافا" النقيب دلوفان روباري، فالقوّة تشكّلت من عناصر كرديّة انشقت عن النظام السوري وشباب ثوريين من شمال سوريا العام 2012، بغرض حماية مناطقهم. ومقاتلو البشمركة السوريون، خضعوا لتدريبات الجيوش النظاميّة بإشراف أكاديميين من الكليّة الحربيّة الكردستانيّة العراقيّة، وأتقنوا استخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسّطة، وتدرّبوا على أشكال المعارك كافة، ومن المتوقّع أن تلعب تلك القوى دوراً مهمّاً في عمليّة فصل القوّات وحماية المناطق الكرديّة، في إطار الحلول التي يتمّ ترتيبها، في مرحلة ما بعد كسر "قسد"، والبدء بمفاوضات حول صيغة الحلّ النهائي لسوريا.

بالتوازي مع المعركة العسكريّة، تجري معركة إقتصاديّة عنوانها نفط العراق، وهو من أكبر الإحتياطيّات العالميّة، ولا يعلم الكثيرون أن روسيا قد ضمنت لنفسها حصّة وازنة من ذلك النفط إلى جانب سيطرتها على النفط السوري، ويُراهن أكراد العراق على حماية روسيا لإقليم كردستان، وصياغة حلّ للأكراد في سوريا، مقابل ذلك النفط. وهناك إرتياح كردي للمواقف العربيّة، فقد قال لي أحد مستشاري رئيس الإقليم نيجيرفان البارزاني: "هناك تقدير لموقف السعوديّة والإمارات ومصر، ووقوفهم مع الأكراد ورفضهم لجعل الأكراد ضحيّة، والإقليم مرتاح لتصرّف تلك الدول مع الأكراد بإعتبارهم جزءاً من نسيج المنطقة يجب عدم تهميشه، وخلق آليّات لتعايشه مع محيطه العربي"، مضيفاً: "لا يُمكن لأيّ طرف كردي السماح لنفسه بالتدخّل في شؤون أيّ دولة غير الدولة التي هو مواطنها ويعيش فيها، ولا يُمكن فرض أيّ حلّ خارج السلطة الرسميّة لتلك الدولة، لذلك على أكراد سوريا التفاهم مع النظام، فحتّى فدراليّة العراق تمّ تحصيلها بالتفاهم مع الحكومة العراقيّة، وباقي مكوّنات العراق، إذاً الحديث مع النظام السوري ضرورة، وروسيا ضامن جيّد لذلك الحوار".

حالة من الترقّب تُسيطر على الإيرانيين حيال ما يحصل في المنطقة، وهناك قرار روسي بإراحة النظام الإيراني عبر التأسيس لمفاوضات إيرانيّة - سعوديّة عنوانها اليمن والنفط والتعاون الإقليمي، ما سيُغيّر المشهد في المنطقة كلّياً، وقد يؤسّس إلى حرب جديدة عنوانها القيادة الإقليميّة للمنطقة، وأطرافها إسرائيل وتركيا وإيران والسعوديّة. وبالتالي، فإنّ معركة الشمال السوري، جزء من معركة قيادة المنطقة، والشكل الجديد لجغرافيا المنطقة، وهي معركة معقدة يتداخل فيها الكثير من العناصر، ويجب عدم التعامل معها بإطار الجغرافيا السوريّة وتحويلها بخفّة إلى صراع عربي - كردي، وهي حتماً ليست بالكامل صراعاً كرديّاً - تركيّاً، فهناك لتركيا حلفاء أكراد هم المجلس الوطني الكردي السوري، الصائم عن الكلام، بحيث تترقب قياداته، نتيجة المعارك، ويحمّلون "قسد" مسؤوليّة ما حصل من غزو، أوّلاً عبر عدم تعاونهم معهم وعدم دخولهم بحلّ سياسي يؤسّس لعودة قوّاتهم لحفظ المنطقة الكرديّة بالتفاهم مع تركيا، وتحوّلهم إلى سدّ يحمي تركيا من أيّ تدخل لحزب العمال الكردستاني، عبر الحدود السوريّة - التركيّة، وثانياً بغرور "قسد" وإعتقادها بأنّها قادرة على إلغاء الدور التركي في المنطقة. كان على حزب الإتحاد التصرّف كحزب سوري، وكان من الخطأ تحويل المنطقة الشماليّة السوريّة إلى منطقة تتزيّن بشعارات حزب العمال الكردستاني، وصور أوجلان، في نهاية الأمر أوجلان ليس حتّى مواطناً سورياً، فهو مواطن تركي.

يبدو أن إضعاف "قسد" هو واحد من أهداف تلك المعركة، ولكنّها ليست محصورة به، فأحلام السلطنة الأردوغانيّة حاضرة في كلّ المناسبات، وأردوغان قلق من كابوس الأمبراطوريّة الصفويّة، والفاصل بينهما حلم بوتين ببناء أمبراطوريّته الأوراسيّة، وهو يسعى إلى إخضاع كليهما لإرادته، من دون أن يتجاهل حفظ مكانة وازنة لإسرائيل في اللعبة الإقليميّة، فروسيا تسعى إلى أن تلعب دوراً فاعلاً في مستقبل المنطقة والعالم.


MISS 3