"مرحلة جديدة"... بين موسكو والرياض

01 : 33

بوتين يُهدي العاهل السعودي صقراً أبيض نادراً في قصر اليمامة في الرياض أمس

بما لا شكّ فيه أن زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى السعوديّة في هذا التوقيت الحسّاس بالذات، تحمل في طيّاتها أبعاداً استراتيجيّة وجيوسياسيّة مهمّة للغاية في زمن التحوّلات الدراماتيكيّة الجذريّة والسريعة، خصوصاً في ظلّ التوتّرات الإقليميّة المرتبطة بأكثر من ملف شائك. وما يزيد من "تاريخيّة" هذه الزيارة، أن "الدب الروسي" بات لاعباً أكثر انغماساً في سياسات الشرق الأوسط منذ سقوط الاتحاد السوفياتي ونهاية حقبة الحرب الباردة، إذ تتمتّع موسكو بهامش مناورة كبير في المنطقة، لا سيّما بعد انحسار الدور الأميركي نوعاً ما بقرار ذاتي من إدارة الرئيس دونالد ترامب، بحيث لم يُخفِ الأخير نيّته الخروج من "الحروب السخيفة" التي يجب أن تنتهي بالنسبة إلى واشنطن.

وأجرى بوتين محادثات مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان أمس، تركّزت على النفط والتطوّرات في المنطقة التي تشهد توتراً متصاعداً بين الرياض وطهران، وذلك في زيارة حظي خلالها الرئيس الروسي بحفاوة بالغة لها دلالاتها السياسيّة.

وقال العاهل السعودي في بداية جلسة المحادثات السعوديّة - الروسيّة: "نتطلّع للعمل دوماً في كلّ ما من شأنه تحقيق الأمن والاستقرار والسلام ومواجهة التطرّف والإرهاب وتعزيز النمو الاقتصادي"، في حين لفت بوتين إلى أهمّية التنسيق السعودي - الروسي لتأمين الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وقال: "أنا على يقين أنّه من دون مشاركة المملكة العربيّة السعوديّة، يستحيل تأمين التنمية المستدامة لأيّ من مشكلات المنطقة"، معرباً عن تمنيّاته في أن تدفع زيارته الحاليّة للمملكة إلى تطوير وتعزيز العلاقات الروسيّة - السعوديّة.

كذلك، عقد ولي العهد السعودي جلسة مباحثات رسميّة مع الرئيس الروسي، وجرى استعراض أوجه العلاقات السعوديّة - الروسيّة، ومجالات التعاون الثنائي بين البلدَيْن، وبحث المزيد من الفرص الواعدة بين الجانبَيْن في شتّى المجالات. كما جرى استعراض عدد من المستجدّات والتطوّرات، خصوصاً الأوضاع على الساحتين السوريّة واليمنيّة، وأهمّية مكافحة التطرّف والإرهاب، والعمل على تجفيف منابعه. وأوضح الأمير محمد بن سلمان أن الرياض تتّفق مع روسيا على ضرورة التزام كلّ الدول بميثاق الأمم المتّحدة، بينما نوّه بوتين بأنّه جرى إنجاز آليّة لتبادل الاستثمارات بين روسيا والسعوديّة، مؤكّداً أن البلدَيْن يتعاونان لحلّ المشكلات في المنطقة والعالم، وتعزيز السلام والاستقرار.

وتوّجت الرياض وموسكو تقاربهما بالتوقيع رسمياً على ميثاق التعاون بين "أوبك" والدول المنتجة خارجها، وعلى مذكّرات تفاهم واتفاقات. وأكّد وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان أن النفط سيبقى في المستقبل المنظور عنصراً جوهريّاً في تنمية اقتصاد العالم، موضحاً أن الرياض وموسكو "بدأتا مرحلة جديدة من التعاون والتكامل في مجالات تنمويّة كثيرة، تهدف إلى تحقيق الازدهار والتقدّم في البلدَيْن". وجرى تبادل 20 اتفاقيّة ومذكّرة تفاهم في مجالات الفضاء والثقافة والسياحة والتجارة والصحة وغيرها، بحضور بوتين والعاهل السعودي وولي العهد. وكان الرئيس الروسي قد قال لدى وصوله إلى الرياض، في زيارة هي الثانية له وتستمرّ ليوم واحد فقط، إنّ بلاده مهتمة "بتطوير العلاقات" مع المملكة.

وقدّم الملك سلمان لوحة بعنوان "عطاء نجد" هديّة تذكاريّة للرئيس الروسي، فيما تسلّم العاهل السعودي من بوتين "صقراً أبيض نادراً" هديّة في هذه المناسبة. وعلى مدى المرحلة الأخيرة، جاء التقارب ملفتاً بين موسكو والرياض، حليفة الولايات المتّحدة التقليديّة، بحيث زار الملك سلمان روسيا في تشرين الأوّل 2017، في زيارة كانت الأولى من نوعها في تاريخ المملكة. ويرى خبراء أن بوتين يعتمد على علاقات موسكو الجيّدة مع الدول العربيّة، خصوصاً الخليجيّة، من جهة، وعلى علاقات وثيقة مع إيران من جهة أخرى، ليُحاول لعب دور "صانع السلام" في الخليج. وبعد السعوديّة، يتوجّه بوتين اليوم إلى الإمارات العربيّة المتّحدة، حيث سيلتقي ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان.