إيما أشفورد

الولايات المتحدة تحتاج إلى نسخة أكثر جرأة من بايدن

7 شباط 2022

المصدر: Foreign Affairs

02 : 01

في 31 آب 2021، بعد أكثر من أسبوعين بقليل على سقوط الحكومة في كابول، دافع الرئيس الأميركي جو بايدن بكل شراسة عن الانسحاب الأميركي من أفغانستان، فقال: "أنا أسأل كل من يريد عقداً ثالثاً من الحرب في أفغانستان: ما هي المصلحة الوطنية الكبرى؟ أهم واجب يضطلع به أي رئيس برأيي هو الدفاع عن الولايات المتحدة وحمايتها، لا ضد تهديدات العام 2001، بل ضد تهديدات العام 2021 ومخاطر المستقبل". أصرّ بايدن إذاً على صوابية قراره رغم طريقة الانسحاب الفوضوية وهاجم منتقديه بأسلوب عاطفي ولاذع.

ذلك القرار الجريء الذي يقضي بتحدي الخصوم وإنهاء أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة كان استثناءً على القاعدة خلال أول سنة من عهد بايدن. طبّقت إدارته في المرحلة اللاحقة سياسة خارجية مبهمة في الملفات الأساسية، وهي تتراوح بين مواقف مفادها أن السياسة الخارجية ليست بالغة الأهمية وتصريحات قوية عن عودة الولايات المتحدة إلى الساحة، وبين أفكار حول التحدي التاريخي الذي تواجهه الولايات المتحدة بسبب الصين ورغبة كبيرة في إثبات القوة الأميركية في جميع المناطق، وبين المفهوم القائل إن الولايات المتحدة مضطرة للتكيف سريعاً مع البيئة الاستراتيجية المتبدّلة وحنين كبير إلى السياسة الخارجية الأميركية التي كانت معتمدة قبل عهد دونالد ترامب.

يثبت خطاب الرئيس الأميركي في معظم الأوقات أنه يحمل رؤية ثاقبة في الشؤون الدولية، ما يعني أنه من القادة الذين تحتاج إليهم الولايات المتحدة للقيام بخيارات استراتيجية صعبة، سواء تعلقت المسألة بالموقف النووي، أو حروب الشرق الأوسط، أو التحول نحو محور آسيا. لكن إذا كان الرئيس ينوي القيام بذلك، يجب أن تتخلى إدارته عن موقفها الدفاعي وتتخذ قرارات شائكة وتلتزم بها. كان بايدن محقاً بشأن أفغانستان، فوضع الاعتبارات السياسية جانباً وأعطـــى الأولوية لتحقيق أهم مصلحة أمنية قوميـة في الولايات المتحدة. حان الوقـت إذاً كي يطبّق تلك المقاربة الحازمة على نطاق أوسع في مجال السياسة الخارجية.

يتّضح تردد الإدارة الأميركية اليوم في الرسائل المختلطة التي تُوجّهها في مسائل خارجية أساسية. لا أحد يعرف مدى استعداد بايدن للاستخفاف بالسياسة الخارجية والتركيز على السياسة الداخلية كما يقول بعض المسؤولين في الإدارة. ألمح بايدن إلى رغبته في الابتعاد عن الشرق الأوسط، وتقليص حجم مديرية الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، وتخفيف التركيز على المسائل الإقليمية وشؤون الحلفاء. لكن لم تُلحِق الإدارة الأميركية هذا الخطاب بأي خطوات ملموسة مثل تخفيض حجم القوات العسكرية. كان إنهاء المهمة القتالية الأميركية في العراق مثلاً مجرّد شعار فارغ، إذ من المتوقع أن يبقى 2500 جندي هناك لأداء "أدوار داعمة". وفي سوريا، حيث تبدو المهمة الأميركية مبهمة، يقبع حوالى ألف عنصر أميركي في منطقة صراع ناشطة.

عندما اتخذ المسؤولون في الإدارة الأميركية خطوات معينة لتصحيح الكوارث التي سببتها السياسة الخارجية في عهد ترامب، بدت هذه المقاربة مترددة أيضــاً. رغـم تعهد بايـدن خــلال حملتـــه الانتخابية بالانضمام مجدداً إلى الاتفاق النووي الإيراني مثلاً، أمضت الإدارة الأميركيـــة أشـهراً عدة وهي تتناقــــش حول صوابية هذا الخيار أو السعي إلى عقد اتفاق جديد. كان هذا التأخير يهدف إلى استرضاء مؤيدي استعمال القوة في الكونغرس، لكنه أهدر فرصة قيّمة للتفاوض قبيل الانتخابات الإيرانية التي أوصلت المتشددين إلى السلطة. سبق وبدأت الإدارة الأميركية تُخطط لإطلاق حملة من العلاقات العامة للوم إدارة ترامب على أي نتيجة سلبية. من الواضح أن هذه المقاربة الدفاعية تنجم عن الخوف من انتقادات الجمهوريين ومجموعات المصالح المحلية. ومن المتوقع أن تُحدِث مراجعة الموقف النووي الآن تغيرات تدريجية لتعديل نهج إدارة ترامب.

يبدو أن الخوف من موجة انتقادات محلية أعاق سياسة الإدارة الأميركية في آسيا أيضاً. لطالما اعتبر الخبراء في شؤون آسيا أن الثقل الاقتصادي الأميركي سيكون مهماً بقدر السياسة الأمنية للتصدي للصين المتوسعة. لهذا السبب، شكلت الشراكة العابرة للمحيط الهادئ أساس محاولة أوباما الانتقال إلى محور آسيا. لكن لم تعجب هذه الشراكة مجموعات المصالح المحلية من معسكرَي اليمين واليسار، على اعتبار أنها ستترافق مع خسائر معينة على مستوى الوظائف. اليوم، لا تحظى الاتفاقيات التجارية بشعبية واسعة وسط الناخبين الأميركيين. وحتى هيلاري كلينتون التي كانت وزيرة الخارجية الأميركية عند التفاوض على الشراكة العابرة للمحيط الهادئ لم تدعم هذه المبادرة خلال حملتها الرئاسية الفاشلة.

في ظل هذه النزعة المعادية للتجارة، تبنّت إدارة بايدن ما تعتبره سياسة تجارية محورها العمال. نتيجةً لذلك، ظهرت سياسة تفتقر إلى التماسك: بدل طرح إطار عمل شامل، تبدو السياسة التجارية الأميركية في آسيا أشبه بقائمة من المسائل الثانوية التي تكون أبسط من أن تثير استياء أحد، منها التجارة الرقمية مثلاً. كذلك، عبّرت الإدارة الأميركية عن موقفها حول الانسحاب من الصراعات في العراق وسوريا، وأوقفت بيع الأسلحة إلى الحكام المستبدين في الشرق الأوسط، وحاربت الكليبتوقراطية في أنحاء العالم. في كل حالة من هذه الحالات، أعلنت الإدارة الأميركية أنها تحرز التقدم في مساعيها تزامناً مع تطبيق مقاربة ضيقة.

الرسالة واضحة: إذا لم يشأ فريق بايدن أن يصبح مجرّد طرف عابر في تاريخ السياسة الخارجية الأميركية، يجب أن يكون أكثر حزماً في قراراته. يُفترض أن تنفّذ الإدارة الأميركية القرارات التي أعلنت عنها شفهياً. يجب أن تُحقق في المقام الأول الوعد الذي أطلقه الرئيس خلال حملته حول "إنهاء الحروب الأبدية في أفغانستان والشرق الأوسط" عبر سحب الوحدات العسكرية الناشطة من مناطق الصراع في العراق وسوريا وتخفيض عدد الجنود في المنطقة بطريقة جذرية.

كذلك، يجب أن يطرح بايدن سياسة اقتصادية عملية لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ. في هذا السياق يقول كيرت كامبيل، منسّق سياسة منطقة المحيطَين الهندي والهادئ في البيت الأبيض: "يجب أن تبرع الولايات المتحدة في تحديد إطار الشراكات الاقتصادية والتجارية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ في ظل تنامي النفوذ الصيني". بدل تطبيق المقاربة المتخصصة الراهنة، يجب أن تنفذ الإدارة الأميركية وعدها بتبني مفهوم أوسع للبراعة الاقتصادية من خلال تقديم المساعدات ودعم البنى التحتية ومعالجة مسائل الهجرة والتجارة، ويُفترض أن تعترف بأن المصالح الأمنية قد تفرض على الولايات المتحدة إقرار اتفاقيات تجارية لا تُركّز على المصالح الاقتصادية الأميركية حصراً. قد تبرز الحاجة مثلاً إلى الانضمام مجدداً إلى الاتفاق الشامل والتقدمي للشراكة العابرة للمحيط الهادئ أو عقد اتفاقيات اقتصادية مختلفة في المنطقة.

في مسائل مهمة أخرى، لم تتخذ الإدارة الأميركية بعد أي قرارات حاسمة، لكنها مضطرة لفعل ذلك قريباً. يجب أن تقرر مثلاً متابعة أو إلغاء استراتيجيتها تجاه الصين بناءً على إرث ترامب الشائب الذي يرتكز على المنافسة بين القوى العظمى. يتعلق جزء من هذا القرار بتحديد هدفها من التنافس مع الصين. طرح محللون خارجيون جميع الأهداف المحتملة، بدءاً من تغيير النظام في بكين وصولاً إلى تجنب الحرب بين القوى العظمى عن طريق "التعايش التنافسي". حتى الآن، لم تتخذ الإدارة الأميركية موقفاً واضحاً في هذا المجال.

على صعيد آخر، يجب أن يُحدد فريق بايدن موقفه من الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية. سبق ودعمت الإدارة الأميركية التعاون المنظّم الدائم (مبادرة دفاعية أطلقها الاتحاد الأوروبي)، ودعا المسؤولون أوروبا إلى تحسين قدراتها العسكرية. لكن في الأزمة الأوكرانية، تريد واشنطن أن تحل مكان ألمانيا وفرنسا في المفاوضات مع روسيا وتتعهد بتقديم دعم عسكري إضافي لشرق أوروبا، ما يعني التأكيد على تفوّق المظلة الأمنية الأميركية. أخيراً، يجب أن تتخذ إدارة بايدن قرارها حول طريقة التعامل مع الترسانة النووية الأميركية: يُفترض أن ينفذ بايدن الوعد الذي أطلقه خلال حملته الانتخابية بشأن تخفيف اتكال البلد على الأسلحة النووية وتخفيض نفقاته المفرطة. لكن تتطلب هذه الخطوة فرض ضغوط كبرى على البنتاغون ولا تحبذ الإدارة الأميركية هذا النهج.

من الناحية الإيجابية، قد لا تترافق هذه القرارات مع كلفة سياسية كبرى بقدر ما يتوقع المسؤولون داخل الإدارة الأميركية. تتعدد سلبيات الانقسامات الداخلية، لكنها تضمن درجة معينة من حرية التصرف. إذا كان بايدن معرّضاً للانتقادات مهما فعل (بسبب المفاوضات النووية الإيرانية مثلاً)، قد يتخذ القرارات القادرة على تحقيق أفضل النتائج برأيه بدل الاكتفاء بالمواقف التي تنتج أقل انتقادات من خصومه.

في هذا السياق، سبق وذكر "الدليل الاستراتيجي المؤقت للأمن القومي الأميركي" في شهر آذار الماضي: "هذه الظروف تفرض علينا التقدم بدل التراجع، ما يعني التواصل مع العالم بكل جرأة حفاظاً على أمن الأميركيين وازدهارهم وحريتهم". يجب أن يرتقي بايدن إلى مستوى هذا المعيار لتحسين فرص نجاح سياسته الخارجية.


MISS 3