روسيا تنشر قوّاتها في محيط منبج... وبنس وبومبيو إلى تركيا "لوقف النار"

الأكراد يستشرسون في الدفاع عن رأس العين

02 : 15

تركيا تقصف "رأس العين" بكثافة بعدما حوّلتها "قسد" إلى "رأس مقاومة" الغزو التركي (أ ف ب)

بعد نحو أسبوع من الهجوم التركي العسكري الواسع الذي غيّر خريطة التحالفات في الميدان السوري، تُدافع "قسد" بشراسة عن بلدة رأس العين الحدوديّة في شمال شرقي البلاد، بينما أعلنت موسكو أن قوّاتها تُسيّر دوريّات في محيط مدينة منبج، لمنع أيّ احتكاك تركي مع قوّات النظام السوري، التي سيطرت على المدينة بشكل كامل. وفي الوقت الذي دخل فيه الهجوم التركي على "قسد"، التي تضمّ وحدات كرديّة وسريانيّة وعربيّة، يومه السابع، والذي تسبّب بموجة نزوح ضخمة وأجبر منظّمات إغاثة دوليّة على تعليق عملها، يعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً مغلقاً اليوم حول الهجوم، هو الثاني خلال أسبوع، بناءً على طلب تقدّمت به دول أوروبّية، بينها فرنسا وألمانيا.

وشنّت "قسد" هجوماً مضاداً ضدّ القوّات التركيّة والفصائل السوريّة الموالية لها في منطقة رأس العين الحدوديّة، حيث سُجّلت اشتباكات ضارية. وأوضح مدير "المرصد السوري" رامي عبد الرحمن أن "صمود قوّات سوريا الديموقراطيّة في رأس العين ناتج عن تحصينات وأنفاق يتحرّكون عبرها، هذا فضلاً عن تعزيزات لم تتوقف عن الوصول إليها". وفي موازاة ذلك، تابعت قوّات النظام لليوم الثاني توالياً انتشارها في مناطق سيطرة المقاتلين الأكراد، استناداً إلى اتفاق بين الطرفَيْن حصل برعاية روسيّة. ورفع جنود سوريّون أمس، العلم السوري، داخل مدينة منبج في شمال محافظة حلب، غداة دخولهم إليها ليلاً، فيما أكّد التحالف الدولي بقيادة واشنطن، مغادرة قوّاته منطقة منبج. وباتت قوّات النظام موجودة بشكل رئيسي في منبج وبلدتي عين عيسى (الرقة) وتل تمر (الحسكة)، وتنتشر في مناطق حدوديّة أخرى، وفق المرصد.

ويُعدّ هذا الانتشار الأكبر من نوعه لقوّات النظام في مناطق سيطرة الأكراد منذ انسحابها تدريجيّاً منها بدءاً من العام 2012، محتفظة بمقار حكوميّة وإداريّة وبعض القوّات، لا سيّما في مدينتَيْ الحسكة والقامشلي. وأعلن الموفد الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف، أن روسيا لن تسمح بحدوث مواجهات بين الجيشَيْن التركي والسوري عند خطّ التماس بينهما في المناطق الحدوديّة، مشيراً إلى أن هناك محادثات جارية بين النظام السوري وتركيا. ولم يجد الأكراد، بعد تخلّي واشنطن عنهم، خياراً أمامهم سوى التوجّه نحو دمشق لطلب مؤازرتها. وتصرّ الإدارة الذاتيّة على أن الاتفاق "عسكري" ولن يؤثر على عمل مؤسّساتها. ويُشكّل هذا الاتفاق تحوّلاً جديداً في مسار النزاع، بعدما اصطدمت مفاوضات سابقة بين الأكراد ودمشق بحائط مسدود. ولطالما أصرّت دمشق على إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل اندلاع النزاع العام 2011، بينما تمسّك الأكراد بإدارتهم الذاتيّة والمؤسّسات التي بنوها، بعد عقود من التهميش على يد الحكومات السوريّة المتعاقبة.

وفي السياق، أكّدت أنقرة أنّها ستُواصل عمليّتها العسكريّة "مع أو من دون دعم العالم"، مندّدةً بـ"الصفقة القذرة" بين القوّات الكرديّة والنظام السوري. وتسبّب الهجوم التركي بمقتل نحو 71 مدنيّاً و158 مقاتلاً من "قسد". كما دفع بـ160 ألفاً إلى النزوح من منازلهم، بحسب الأمم المتّحدة، في حين أحصت أنقرة مقتل 6 جنود أتراك في سوريا و20 مدنيّاً جرّاء قذائف اتهمت المقاتلين الأكراد بإطلاقها على مناطق حدوديّة. وأعلنت الإدارة الذاتيّة الكرديّة توقف منظّمات الإغاثة الدوليّة عن العمل وسحب موظّفيها من مناطقها، محذّرةً من "تفاقم الأزمة الإنسانيّة" في منطقة تضمّ أساساً مخيّمات نازحين تؤوي عشرات الآلاف. كذلك، أعلنت منظّمة "أطباء بلا حدود" تعليق غالبيّة عمليّاتها لمخاوف على سلامة عمّالها.

عقوبات أميركيّة

وللتخفيف من حدّة الانتقادات التي اتّهمته بالتخلّي عن الأكراد، فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب عقوبات على تركيا، إلّا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكّد أن الهجوم لن يتوقف حتّى "تتحقق أهدافنا". وتشمل العقوبات وزارتَيْ الدفاع والطاقة، ووزراء الطاقة والدفاع والداخليّة في تركيا. وقرّر ترامب وقف مفاوضات تجاريّة مع أنقرة، وأعاد فرض رسم جمركي بنسبة 50 في المئة على واردات بلاده من الصلب التركي. وعلى غرار فرنسا وألمانيا، أعلن وزير الخارجيّة البريطاني دومينيك راب، تعليق صادرات الأسلحة إلى تركيا "التي يُمكن أن تُستخدم" في الهجوم. وحذت إسبانيا حذوهم أيضاً. كما أبدت دول أوروبّية عدّة قلقها البالغ من تداعيات الهجوم التركي على المعركة ضدّ "داعش"، الذي لا يزال ينشط عبر خلايا نائمة بالرغم من هزيمته الميدانيّة على يد مقاتلي "قسد"، إذ يحتفظ الأكراد بالآلاف من مقاتليه وأفراد عائلاتهم في سجون ومخيّمات مكتظّة.


وفي هذا الصدد، كتب أردوغان في صحيفة "وول ستريت جورنال": "سنضمن ألّا يُغادر أيّ مقاتل من تنظيم "داعش" شمال شرقي سوريا"، في وقت أعلن وزير الخارجيّة الفرنسي جان إيف لودريان أنّه سيزور العراق لعقد محادثات مع السلطات العراقيّة "والأكراد" في شأن الأمن في المخيّمات التي يُعتقل فيها الجهاديّون الأجانب. كذلك، أعلن قصر الإليزيه أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شدّد خلال مكالمة هاتفيّة مع ترامب على "الضرورة المطلقة لمنع انبعاث" تنظيم "داعش". وبالإضافة إلى الرئيس الأميركي، أجرى ماكرون محادثات هاتفيّة مع نظيريه التركي رجب طيب أردوغان والعراقي برهم صالح. إلى ذلك، جدّدت السعوديّة إدانتها "للعدوان الذي تشنّه تركيا على مناطق شمال شرقي سوريا، وما يُمثله من تهديد للأمن والسلم الإقليميَيْن، وانعكاسات سلبيّة على أمن المنطقة واستقرارها"، وذلك خلال جلسة مجلس الوزراء التي ترأسها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في العاصمة الرياض، فيما اعتبر رئيس الحكومة الفرنسيّة ادوار فيليب أن أنقرة وواشنطن "تتحمّلان مسؤوليّة كبيرة جدّاً" إزاء ما آل إليه الوضع في شمال شرقي سوريا، وفي المنطقة بشكل عام، معرباً عن "الأسف لصدور قرارات كارثيّة" خلال الفترة الأخيرة. كما جدّدت إيران، على لسان وزير خارجيّتها محمد جواد ظريف، دعوتها إلى إنهاء العمليّة العسكريّة التركيّة بأسرع وقت ممكن، واصفةً الأمر بـ"الضروري". بدورها، دعت الصين، تركيا، إلى وقف عمليّتها العسكريّة و"العودة إلى الطريق الصحيح المتمثل بالحلّ السياسي".وقف النار

توازياً، كشف نائب الرئيس الأميركي مايك بنس أن ترامب طلب من أردوغان خلال مكالمة هاتفيّة الإثنين، وضع حدّ لغزو سوريا وإعلان وقف فوري لإطلاق النار، لافتاً إلى أن ترامب طلب أيضاً من أردوغان الدخول في "مفاوضات مع القوّات الكرديّة في سوريا". وبحسب بنس، فإنّ أردوغان تعهّد لترامب "بألاّ يكون هناك أيّ هجوم على مدينة كوباني". ويتوجّه نائب الرئيس الأميركي مع وزير الخارجيّة مايك بومبيو إلى تركيا خلال الساعات الـ24 المقبلة، سعياً إلى وقف الهجوم التركي.

كما أتى تصريح بنس بُعيد إصدار وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر بياناً دان فيه بشدّة الهجوم العسكري التركي "غير المقبول" والذي أسفر عن "إطلاق سراح العديد من المعتقلين الخطرين" المنتمين إلى تنظيم "داعش"، مشيراً إلى أنّ واشنطن ستطلب من "حلف شمال الأطلسي" اتّخاذ إجراءات ضدّ تركيا، بسبب تقويضها المهمّة الدوليّة لمكافحة التنظيم الجهادي، بينما أفاد مسؤول أميركي بأنّ بلاده لم تُلاحظ حتّى الآن حدوث عمليّة فرار واسعة لجهاديي "داعش" المحتجزين لدى المقاتلين الأكراد.

وكان لافتاً اقتراح ترامب على الأكراد أن يطلبوا من إمبراطور فرنسا في القرن التاسع عشر، نابوليون بونابرت، حمايتهم من الهجوم التركي، وقال متسائلاً: "لقد قلت لجنرالاتي، لماذا يجب أن نُقاتل من أجل سوريا والأسد لحماية أراضي عدوّنا؟ ليست لديّ أيّ مشكلة في أن يُساعد أيّ كان سوريا في حماية الأكراد، سواء أكان روسيا أم الصين أم نابوليون بونابرت"، في حين دانت الولايات المتّحدة "بأشدّ العبارات" مقتل السياسيّة السوريّة الكرديّة هفرين خلف، الأمينة العامّة لـ"حزب سوريا المستقبل" والعضو في قيادة "مجلس سوريا الديموقراطيّة"، الذراع السياسيّة لـ"قسد"، في عمليّة "إعدام خارج نطاق القضاء"، اتُّهم بارتكابها مقاتلون سوريّون موالون لأنقرة، فيما حذّرت الأمم المتّحدة من أن تركيا يُمكن أن تُعتبر مسؤولة عن انتهاكات ارتكبتها فصائل موالية لها في سوريا، مشيرةً إلى أن عمليّات إعدام نفّذتها تلك الفصائل، يُمكن أن تُصنّف في إطار "جرائم حرب". وتداعيات المعارك العنيفة في شرق الفرات وصلت إلى ألمانيا، حيث وقعت صدامات مساء الإثنين في هيرني بين أفراد من الأقليّتَيْن الكرديّة والتركيّة على هامش تظاهرة ضدّ العمليّة العسكريّة التي تُنفّذها أنقرة في شمال شرقي سوريا، بينما دعت السلطات الألمانيّة، الأكراد والأتراك في ألمانيا، إلى "ضبط النفس" وعدم جلب النزاعات الخارجيّة إلى البلاد.


MISS 3