مجيد مطر

أيها الثوار: تواضعوا لتتوحدوا

28 آذار 2022

02 : 00

يكاد المواطن اللبناني، المغلوب على أمره، والذي وضع ثقته، بالثورة، كوسيلة تغيير جدية وحاسمة، لا يصدق ما يراه من خلافاتٍ مصلحية صغيرة، هي شخصية في اغلبها، وما يسمعه من نقاشات من بعض الثوار، لا يرقى الى مستوى الحدث المرتقب (الانتخابات النيابية) واهميته،، ولا يمكنه أن يستوعب فشلهم في أن يُترجموا النتائج السياسية التي فرضوها في 17 تشرين، في خلق قوة تغييرية موحّدة ومتنوعة في الوقت نفسه. اذ من المنطقي في ظل الآلاف من المواطنين المشاركين في الثورة، أن يكون التنوع، بمختلف صوره حاضراً على نحوٍ منطقي وبديهي. ففي ظل القبول بالتغيير من ضمن اللعبة، يصبح الاتفاق على لوائح موحدة واجب وضرورة، خصوصاً وأن عدد المقاعد النيابية قليلٌ جداً، قياساً بعدد الطامحين للترشح للانتخابات النيابية، وهذا امرٌ مشروعٌ ولا خلاف عليه، إنما هذه الرغبات المشروعة، تقابلها وقائع تفرض نفسها على القيادة المنفلشة، والمنفلشة اكثر من اللازم، التي لم تفلحْ لأسبابٍ كثيرة في خلق التنظيم المرن، الفعّال والقادر على احتواء تلك الرغبات الشخصية، ديمقراطياً عبر الاتفاق على قيادة موحدة لقوى الثورة، وتوظيفها باداء منظم، يظهر تأثير الثورة، ويعكس حضور جماهيرها التي ملأت الساحات، وأسقطت حكومة مدعومة من اقطاب السلطة مجتمعة، خصوصاً من حزبها المسلح، ومنعت رموزاً حزبية من التوزير مجدداً، وفرضت على أحزاب السلطة، التسلل خفية الى الحكومة تحت مسميات المستقلين او التنكوقراط.

هذا بالضبط ما حدث عندما كانت الثورة على قلب رجلٍ واحد، فقد كان هدفها اسقاط المنظومة، وفرض التغيير الحقيقي، الذي يقضي على سياسات الفساد والافساد معاً. إنما الاتفاق على مطالب معينة لا يكفي، أو رفع شعار «كلن يعني كلن» الذي هو بالأساس شعار رد فعل، قد كبّلَ قوى الثورة وشتت جمعها، فكراً وتحليلاً، فتعقيدات السياسة اللبنانية بواقعها المعروف، تفرضُ في خضّم المواجهة مع السلطة، أن يعي التغييريون، متى وأين نكسب الأصدقاء ونحيّد الخصوم.

على ما يبدو، إن الفاعلين في الثورة لم يقرأوا تجارب «الربيع العربي» ولم يتمعنوا في مآلاته، التي لم تأتِ لصالح الذين نزلوا الى الشوارع، واسقطوا أنظمة راسخة، قد شكلت طغمة حاكمة على مدى عشرات السنين. ففي مصر كمثال حي، عجز الثوار عن سد الفراغ بعد رحيل السلطة، فتم اختصار المشهدية بثنائية: العسكر والاخوان، وكانت النتائج صفرية على القوى المدنية التغييرية.

لقد آن لهذا الوضع ان ينتهي بعد تقلص المساحة الفاصلة لاجراء الانتخابات، كذلك أي حديث عن تأجيلها، يجب أن لا يتم التوقف عنده، بل التحضير لها، وكأنها حاصلة غداً. في هذا السياق، الاتزان في إدارة المعركة ضرورة وجودية في حال كان المرجو تحقيق النتائج المرضية، والتي تكرّس لاحقاً، مبدأ المحاسبة في كل انتخابات قادمة.

إن بناء التحالفات السياسية، يحتاج الى ديمقراطية ناضجة، فالنضال مكان مفتوح يستوعب طوعياً الجميع، ويبرز دورهم، إنما ما ليس بالإمكان، أن تقبل اللوائح جميع المرشحين. هذه معضلة ليست مقتصرة على واقعنا، بل في العالم أيضاً، لذا فقد تم حلها تقنياً، من خلال انتخابات تمهيدية تنافسية، تجريها القوى السياسية داخلياً، ينتج عنها اختيار الأقوى داخل حزبه او تياره، هذا عملياً، يتطلب تنظيماً فعّالاً يُعطي مصداقية، في ما لو تم الامر بالشفافية المطلوبة.

من الواضح، أن الثورة تعيش راهناً، حالة من التشوش، وقد ساهمت السلطة بها لحدٍ ما، وتحديداً «حزب الله»، الذي بحسب بعض المراقبين، أنه قد دفع باتجاه تشكيل لوائح داخل جسم الثوار، كقنابل دخانية، لإرباكهم على أرضهم وبين ظهرانيهم، وعلى ما يبدو، قد تحقق ذلك الى حدٍّ ملموس. ايضاً تركت السلطة لخصومها، مهمة التشكيك بأنفسهم، من خلال تغذية الانقسامات في ما بينهم، فوقعت النخبة الثورية في هذا الفخ بسهولة، قصداً ام سهواً لا فرق.

ختاماً، إن الديمقراطية عملية تراكمية، تبدأ من بناء الذات، كخطوة أولى للخروج من البنى التقليدية التي تحكمنا. هنا الرصانة الثورية واجبة، ونكران الذات يجب ان يكون مادة اصيلة في سلوك النخب داخل الثورة، بغية فهم الواقع وتحليله، واقعياً لا عاطفياً، لاستعادة زمام الأمور، والانطلاق مجدداً.

حبذا لو يدرك البعض، أن التواضع في هذه المرحلة يجب أن يكون سيد الموقف.

MISS 3