جاد حداد

غرسة دماغية تعيد قدرات التواصل لدى المصابين بغيبوبة كاذبة

30 آذار 2022

02 : 00

كانت أجهزة مماثلة قد منحت المصابين بالتصلب الجانبي الضموري، وهو مرض سريع التطور، أداة فاعلة لتوجيه رسائل بسيطة عبر حركات محدودة جداً، لكن يقول الباحثون إن خطورة حالة المريض في التجربة الجديدة تؤكد حصول تقدّم بارز في هذه التقنية.

يقول عالِم الأعصاب جوناس زيمرمان من مركز "ويس" في سويسرا: "على حد علمنا، كانت تجربتنا أول دراسة تساعد شخصاً مُجرّداً من أي حركات إرادية على التواصل مع محيطه، ما يعني أن تقنية "واجهة الدماغ والحاسوب" (BCI) هي طريقة التواصل الوحيدة المتبقية له".

تُعرَف "الغيبوبة الكاذبة" أيضاً باسم "متلازمة المُنحبس" أو "السبات الكاذب" لأن المصاب بهذه الحالة يعجز عن السير أو التكلم لكنه يبقى واعياً جداً ويمكنه أن يرى ويسمع ويشمّ ويفكر ويشعر.

لكن تبقى قدرة المريض على التواصل محدودة جداً، فهو يعجز عن تحريك فمه أو لسانه. إذا استمرّت حركة العين، يستطيع المريض أن يرمش أحياناً أو "يومئ" ببؤبؤ العين كي يفهمه الآخرون. لكن حتى هذا الشكل البسيط من التواصل يبقى صعباً في بعض الحالات المتقدمة.

كان المريض في التجربة الجديدة يدخل في هذه الخانة. بعد أشهر على تشخيص المشكلة، خسر هذا المريض قدرته على السير والتكلم. وبعد سنة، بدأ يتكل على جهاز التنفس الاصطناعي لمتابعة التنفس. وبعد مرور سنة أخرى، خسر قدرته على تثبيت نظراته. ثم وافق المريض وعائلته على خوض هذه التجربة المتطورة نظراً إلى عزلته المتزايدة.




قبل أن يخسر المريض قدرته على تحريك عينيه، وافق على الخضوع لعملية جراحية لزرع رقاقتَين في الجزء الدماغي الذي يسيطر على حركة العضلات.

كانت كل رقاقة مزوّدة بـ64 قطباً كهربائياً مشابهاً للإبرة وقادرة على استعمال محاولاته الواعية للتحرك. ثم أُرسِلت تسجيلات ذلك النشاط الدماغي إلى حاسوب وترجم هذا الأخير النبضات إلى إشارة "نعم" أو "لا".

في الماضي، كان هذا النوع من الغرسات الدماغية يسمح لبعض المصابين بالتصلب الجانبي الضموري بالتواصل عبر برنامج طباعة محوسب. لكنها المرة الأولى التي ينجح فيها شخص مصاب بهذا المرض وعاجز عن استعمال عينيه في أداء هذه المهمة.

تقول ماريسكا فانستينسل، باحثة في تقنية "واجهة الدماغ والحاسوب" (لم تشارك في الدراسة الجديدة): "كان الناس يشكّون بإمكانية تحقيق هذا الهدف".

تطلّب استعمال هذه التقنية أشهراً عدة من التدريبات. لكن حين تعلّم المريض كيفية السيطرة على معدلات إطلاق الإشارات الدماغية، تمكّن من التجاوب مع برنامج تهجئة، واختار حروفاً محددة عبّر عنها البرنامج بصوت مرتفع لتشكيل الكلمات أو حتى العبارات.

كان المريض يحتاج إلى دقيقة تقريباً للرد على كل حرف يسمعه، فأحرز بذلك تقدماً بطيئاً. لكن سمح له الجهاز، للمرة الأولى منذ وقت طويل، بالتعبير عن نفسه.

لم تصل دقة التقنية إلى مستوى مثالي. تمكّن المريض من إنتاج إشارة "نعم" أو "لا" في 80% من المرات تقريباً وبلغت نسبة دقته 80% أيضاً، ونجح في تهجئة الكلمات، لا العبارات، في بعض الأيام.

يكتب الباحثون في تقريرهم: "ينجم هذا الضعف الظاهري في الأداء عن طبيعة هذه الأنظمة التي تكون سمعية بالكامل، وهي أبطأ من النظام المبني على ردود الأفعال المرئية".

كانت عبارة "شكراً لك" أول جملة يتهجأها المصاب بالتصلب الجانبي الضموري أمام طبيب الأعصاب المسؤول عن حالته، نيلز بيربومير. ثم تلاحقت الطلبات المرتبطة بالرعاية الصحية به مثل "أمي تدليك الرأس" و"أريد أن أسمع ألبوم فرقة "تول" بأعلى الصوت".

بعد مرور 247 يوماً على العملية الجراحية، أصدر المريض حُكمه النهائي على الجهاز فقال: "يا فتيان، إنه ابتكار فاعل وسلس".

في اليوم 251، وجّه الرسالة التالية إلى طفله: "أحب ابني الرائع". ثم طلب من ابنه أن يشاهد أحد أفلام "ديزني" معه.

وفي اليوم 462، عبّر المريض عن أمنيته الكبيرة باقتناء سرير جديد، وأراد أن يذهب مع أحبائه إلى حفل شواء في اليوم التالي.

صرّح المشرف الأول على الدراسة، أوجوال شودري، لصحيفة "ذا غارديان": "إذا تمكّن الشخص من تأليف عبارات من هذا النوع، يعني ذلك أن الوضع إيجابي. وحتى لو لم يكن كذلك، لن يكون وضعه سلبياً على الأقل. قال المريض حين كنتُ معه في إحدى المرات: "شكراً على كل شيء يا أختي [كان يخاطب شقيقته التي تشارك في الاعتناء به]. كانت تلك اللحظة عاطفية جداً".

لكن تترافق قدرة المصابين بغيبوبة كاذبة على التواصل مع المحيطين بهم مع مجموعة كبيرة من الاعتبارات الأخلاقية.

في النهاية، من يعطي الإذن ببدء هذه العملية؟ وبعدما يتعلم المريض كيفية التواصل مجدداً، هل سيتمكن من التكلم وحده واتخاذ القرارات حول مستقبل الرعاية به؟ وإلى أي حد يجب أن تصبح هذه الأنظمة دقيقة قبل أن نتمكن من تفسير رسائل المرضى بالشكل المناسب؟

لم تُحدَّد بعد أي قواعد أو خطوط عريضة لهذا النوع من التكنولوجيا. لكن إذا تبيّن أن الجهاز يفيد مرضى آخرين، سنصبح مضطرين لمواجهة هذه الأسئلة.

أخيراً، قد تكون إعادة الصوت إلى المصابين بحالة متقدمة من التصلب الجانبي الضموري إنجازاً طبياً ضخماً ومصدر راحة كبيرة للأفراد وعائلاتهم. يتوقف علينا أن نختار طريقة التجاوب مع هذه الأصوات.

نُشرت نتائج الدراسة في مجلة "تواصل الطبيعة".

يكشف بحث جديد أن رقاقتَين دماغيتَين قد تسمحان للمصاب "بغيبوبة كاذبة" بالتواصل مع المحيطين به.

في سابقة من نوعها، استعمل مريض يبلغ 34 عاماً ويفتقر إلى أبسط التشنجات العضلية هذه التقنية لتبادل كلمات قليلة وقيّمة مع أفراد عائلته، وقد اتّكل بذلك على رغبته في تحريك عينيه بكل بساطة.