"الكسليك" تُحيي "رتبة الصليب"... وهذا ما قاله السفير البابوي

15 : 48

 أحيت الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الغربي يوم الجمعة العظيمة، وأقامت جامعة الروح القدس - الكسليك قبل ظهر اليوم، رتبة سجدة الصليب التي ترأسها الرئيس العام للرهبانية المارونية الاباتي نعمة الله الهاشم، بحضور رئيس الجمهورية ميشال عون.

وقد شدّد السفير البابوي في لبنان المونسنيور جوزف سبيتيري الذي القى كلمة على "ضرورة تغيير العقلية للخروج من المنطق الاناني"، معتبرًا أن "هذه هي مسؤوليتنا، خصوصًا بالنسبة إلى الذين يتولون مناصب رسمية في الكنيسة والمجتمع".


بعد قراءة الأناجيل الأربعة، القى السفير البابوي كلمة جاء فيها:

"أود بداية ان اتقدم بالشكر الصادق من الاباتي نعمة الله الهاشم رئيس عام الرهبانية اللبنانية المارونية، لدعوتي الى مشاركتكم بعض الافكار خلال هذه الرتبة الليتورجية لسجدة الصليب. يمثل هذا الاسبوع المقدس بالنسبة الينا، محور ايماننا المسيحي، وهنا في لبنان تشاركون دائما بروحية الصلاة العميقة وباقتناع باحتفال محبة وموت وقيامة السيد المسيح، وهي مشاركة تشهد على وفاء للالفية الثانية على الايمان بيسوع المسيح ابن الله وابن الانسان، مخلصنا. انا على اقتناع بأن مشاركتكم ليست مجرد تعلق بالتقاليد، بل تعكس بصدق علاقتكم الشخصية بالسيد المسيح الذي يرافقنا كل يوم من خلال حبه لنا اللامتناهي والبالغ العمق. وبمحبته تلك وموته وقيامته، يمكننا مشاركة انتصاره على الخطيئة والشر للعيش في حرية كأبناء الله الذين يبحثون عن طرق لبناء روابط اخوة في العدالة والحقيقة والتسامح. ونحن نؤمن ان الصليب ايضا يرمز الى الفضيحة واللاعدالة والعنف والموت، كما ذكرتنا بها القراءات والترانيم التي سمعناها اليوم، لا يمكن ان نتحدث عن المجد الظافر للمسيح وان ننسى معاناته، لذلك نحن مدعوون امام الصليب، الى الحفاظ على الصمت للقيام بمراجعة عميقة لحياتنا المسيحية والشخصية ولاعمالنا".


أضاف: "نتعرض جميعا الى تجرية الانتقال السريع من الاحتفال بعيد الشعانين الى احد الفصح، وهو واضح ان احدا لا يحب المعاناة، ولكن ليس هناك من طرق مختصرة الى الفصح، والى القيامة. نحن مدعوون الى مواكبة المسيح في كل لحظة من حبه لنا، والوقوف امام صليبه على غرار القديسة مريم، امنا. واذا فقد صليب المسيح قدرته على وضعنا امام أزمة، نفقد ايضا امكانية مشاركة انتصار القيامة، وانتصار المحبة الصادقة للآب. ونحن نتحدث عن الازمة حاليا بشكل هامشي للاسف، صحيح اننا نعيش في فترة ازمة يعاني منها لبنان والعالم (وباء كوفيد، ازمات اقتصادية ومالية واجتماعية، حروب ونزاعات في العالم ...) تحمل عواقب كارثية على الجميع، ولكننا نخاطر بتسخيف المعنى الحقيقي للازمات. لا يمكننا ابدا ان ننسى آلام كل من كان ضحية لازمة ما، كما حصل مثلا في الكارثة الانسانية والمادية التي سببها انفجار مرفأ بيروت. وانا متأكد ان كل واحد منا يمر بمعاناة شخصية وعائلية، او يشارك معاناة رفاقه، وهي لحظات قاسية جدا لا يمكن التغاضي عنها. ان صليب المسيح لا يرفع معاناتنا، بل ان المسيح يعاني معنا، انه لا يتخلى عنا ابدا، بل يواكبنا بطريقة دائمة. امام المعاناة وصعوبات الحياة، لدينا تجارب كثيرة، ويمكن ان نبحث عن نسيان الازمات من خلال الانخراط في الامور العملية، وخصوصا نحن رجال الدين والراهبات، نبني اديرة ومدارس ومستشفيات ومراكز استقبال لخدمة شعب الله، ونطلب المساعدة من العناية الالهية، وهي امور مهمة وضرورية، ولكن هذه البنى نفسها تمثل ايضا خطر دفعنا الى نسيان حبنا الاول، وهو الحب تجاه ربنا يسوع المسيح. ويمكن في بعض الاحيان في مجتمعنا، ان نبحث عن مجد شعبنا وكنيستنا لاخفاء ضعفنا. ولكن لا يجب ان نخاف من الازمات التي يمكن ان تمثل لنا نعمة للعودة الى الله بشجاعة واستعادة التزامنا في تجديد الكنيسة ومجتمعنا".


وتابع: "ذكرنا البابا فرنسيس الاحد الفائت خلال عيد الشعانين بضرورة حصول تغيير في عقليتنا، وهو تحدث ايضا ضد الحرب وقال: "عند لجوئنا الى العنف، لا نعرف الله ابدا، وهو اب لنا جميعا نحن الاخوة والاخوات". هذه هي الدعوة التي يدعونا اليها الصليب، ان نكتشف كل يوم ان الله هو اب لنا جميعا مملوء بالمحبة، وان الآخرين حتى الذين لا يشاركوننا آراءنا وايماننا وافكارنا، هم اخوتنا واخواتنا. يجب تغيير العقلية للخروج من فكرة "خلص نفسك بنفسك". لقد سمعنا في الانجيل ان التحدي الكبير الذي نواجهه هو عدم التفكير بانقاذ النفس واهتمام المرء بذاته فقط من دون الآخرين، وبتأمين نجاحه وصحته وحاجاته والنفوذ والجاه، يجب تغيير العقلية للخروج من هذا المنطق الاناني. في مواجهة صليب المسيح، لنسأل انفسنا كيف هي علاقاتنا مع اخوتنا واخواتنا؟ يمكن ان نكون جميعا ضحايا اللاعدالة، انما ايضا اسباب اللاعدالة، هذه هي مسؤوليتنا، خصوصا بالنسبة الى الذين يتولون مناصب رسمية في الكنيسة والمجتمع، يمكننا ان نكون جميعا ضحايا الحقد، انما للاسف، يمكن ان نكون عملاء للتفرقة بين بعض بسبب الغيرة وغيرها".


وختم سبيتيري: "البابا فرنسيس الذي ننتظره بمحبة ونأمل استقباله بيننا، وهو الذي يحمل لبنان في قلبه، طلب منا الاحد الفائت، تقليد المسيح على الصليب، وشرح لنا ان المسيح المصلوب واصل تكثيف عطاء المحبة، وهو عطاء تحول الى مغفرة. هذه هي محبة الله، حين لا يكون هناك من مجال للمحبة المتبادلة، يكمل الله في محبته لنا من خلال اعطائنا مغفرته، هذا ما نحن مدعوون الى تقليده وتقديم المغفرة لبعضنا البعض، ومن دون ذلك ليس هناك من خلاص حقيقي، ولا يمكننا مشاركة انتصار القيامة. في قداس الليتورجيا المارونية، عادة وقبل الانجيل المقدس، يدعونا الكاهن الى الصمت: "كونوا في السكوت". لذلك يجب علينا اليوم ان نكون في الصمت، في صمت امام قبر المسيح، في صمت خلال المسيرة الى القبر، ولو احتفظنا في قلبنا بفكرة أن الزهرة التي سنضعها في القبر سنجدها مليئة بالحياة، اقوى ومتجددة يوم الفصح، يجب ان نواكب المسيح بالصمت للتفكير بحياتنا وبأن نملك الشجاعة لمرافقة بعضنا بعضا وان نهتم بأخوتنا واخواتنا".


وبعد انتهاء الرتبة، انتقل الرئيس عون والاباتي الهاشم والسفير البابوي ورئيس الجامعة ومجلس المدبرين الى قاعة جانبية، حيث أقيم غداء في المناسبة.

MISS 3