جيش شعب ثورة...
ورقة الحكومة... شياطين "الكهرباء" تكمن في التفاصيل

01 : 33

علامات النصر ترتسم على أيدي الثوار في جل الديب وفي الإطار رئيس الحكومة متحدثاً إثر انتهاء جلسة مجلس الوزراء فيما يبدو الوزير جبران باسيل خلال الجلسة (فضل عيتاني)

هي الثورة وقد اكتملت عناصرها بالأمس... سلطة مذعورة تحاول رشوة الناس لامتصاص غضبهم، وثورة لا تكلّ ولا تملّ حتى إسقاط التركيبة الحاكمة، وجيش لا ينأى بنفسه عن حماية الثوار. فعلى قاعدة "ولّى زمن الترقيع" أتى جواب المتظاهرين على ورقة الحكومة الإصلاحية بأن ضاعفوا من تواجدهم في الساحات، رافعين في المقابل "ورقة نعوة" نظام بات بنظرهم فاقداً للثقة والأهلية في الإصلاح. وعلى شاكلة "فلول" الأنظمة القمعية البائدة أتت محاولات مسيرات "الدراجات النارية" ليلاً لترهيب الثوار وتخريب سلمية احتجاجهم، لترتدّ على أعقابها سريعاً وتنكفئ بأعلامها الحزبية تحت وطأة تصدي الجيش اللبناني بحزم وعزم للمخربين، آخذاً على عاتقه طردهم ومطاردتهم وحماية المواطنين المتظاهرين... لترتسم بذلك في أفق المشهد الوطني الجديد معادلة "جيش، شعب، ثورة" بوصفها "ثلاثية ذهبية" فرضتها بالقبضات والحناجر "ثورة تشرين"، وقد أثبتت في يومها الخامس أنها أضحت ثورة عصية على الكسر والقمع محصّنة في مواجهة كل المعادلات والثلاثيات الخشبية السلطوية والحزبية والطائفية والمذهبية.

وإذا كانت الطاولة الحكومية قد استقرّت حتى الساعة على أرضية 26 وزيراً بعد استقالة وزراء "القوات اللبنانية" وحسم رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط موقفه مساءً بالتأكيد أنّ وزراءه لن يستقيلوا من الحكومة، أقدم مجلس الوزراء في جلسته المصيرية أمس في قصر بعبدا على "رفع العشرة" أمام المتظاهرين، عبر سلة مقررات إصلاحية لم يسبق أن اتخذت الحكومات مثلها في تاريخها، لعلها تنقذ ما تبقى من أمل في عفو شعبي يمدّ في أعمار أهل الحكم، معطوفةً على ما يشبه الرسائل المشفرة من رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري إلى الناس المتجمهرين في الساحات والشوارع، بأن واظبوا على تحركاتكم الميدانية وأنا لن أسمح لأحد بتهديدكم "وإذا كان مطلبكم انتخابات مبكرة فأنا معكم".

لكن وفي قراءة أهل الاختصاص لورقة الحكومة الإصلاحية الخلاصة التالية: إسمع رئيس مجلس الوزراء تفرح، وأصغ إلى الأمين العام لمجلس الوزراء تحزن. يُقال إن الشيطان يكمن في التفاصيل، والحق أنّ شياطين "الكهرباء" تكمن في تفاصيل الورقة التي تلاها القاضي محمود مكية. إذ قررت الحكومة أو بالأحرى أجّلت تعيين الهيئة الناظمة للكهرباء لما بعد تعديل القانون 462 في مجلس الوزراء ومن ثم في المجلس النيابي، فيما مشاريع الكهرباء وبسحر ساحر اندرجت ضمن جدول زمني للتنفيذ ولن يكون لهذه الهيئة فيها أي دور أو صلاحية، لأنها لن تكون قد شُكّلت بعد وهكذا تكون السلطة قد حققت المحاصصة قبل أن تنجز الإصلاحات. أما في مسار المناقصة لتلك المشاريع فالوضع يبقى كما عهدناه أي تحت السلطة المطلقة للوزير وأحاديته، في إعداد دفاتر الشروط من دون حسيب ولا رقيب ومن دون أن يكون هناك دور لأي هيئة رقابية فعالة في عملية تدقيق مسار المناقصة لتكون بحسب المعايير الدولية، لا سيما لجهة فتح المجال أمام مشاركة أكبر عدد ممكن من الشركات وبالتالي فتح الباب أمام منافسة حقيقية تنعش القطاع والاقتصاد.

تغييب دور هيئة إدارة المناقصات عن إعداد دفاتر الشروط، إنما يحصر دورها ليصبح تقنياً بحتاً وتكون بذلك عاجزة عن تأدية دورها في تصحيح مسار المناقصة وفرض اعتمادها معايير الشفافية المطلوبة. وبعدما أُخضعت في الورقة كل خطوات الخصخصة إلى سلطة المجلس الأعلى للخصخصة، يبقى السؤال لماذا استثناء قطاع الكهرباء من هذه المعادلة؟ هل هناك أبناء "ست" وأبناء "جارية" بين القطاعات؟

أما التسوية الكبيرة التي تظهرها هذه الورقة والتي يراد منها إنقاذ مكانة المتحاصصين السياسية، فهي تمويل الإصلاحات عبر المصارف اللبنانية بعدما عجزت السلطة عن تمويلها عبر "سيدر" وقنواتها وأدوات البنك الدولي، والطرفان متمسكان بالاصلاحات الهيكلية. فهل تكون التسوية لمصلحة نظام متهالك؟


MISS 3