محمود أبو شقرا

لا تقاطعوا الانتخابات

21 نيسان 2022

02 : 00

تتزايد البوستات، بخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي داعية الى مقاطعة الانتخابات. وتبدو لي هذه المواقف في حدود ردود فعل استياء من تعدد لوائح المعارضة.

غير أن هذا الأمر يحتاج إلى توضيح أبعد من حدود المزاج الفردي أو رد الفعل، ليبنى موقفنا على أساسه.

فارق كبير بين الاستفتاء والانتخابات. قد يبطل الاستفتاء قراراً أو يعدّل مشروعاً، بيد أن الانتخابات لا تبطلها المقاطعة.

هناك قوانين انتخابية في 23 دولة، استراليا منها، الاقتراع فيها إلزامي وواجب وطني، ومنها من تفرض قوانينها غرامة على المتخلفين عن المشاركة في الواجب الانتخابي.

إلا أن النائب في لبنان يستطيع الفوز بأربعين صوتاً أو بالتزكية إذا لم ينافسه مرشح آخر، ويصل إلى الندوة البرلمانية ممثلاً للشعب اللبناني.

تحديد الهدف من الانتخابات الحالية في ضوء الظروف التي ندرسها بواقعية، يتركز على:

اعطاء دفع للنضال السياسي الذي تشكل الانتخابات وجهاً من وجوهه.

اختراق المجلس النيابي بكتلة صلبة، تكبر أو تصغر، تمنع أن يكون المجلس النيابي منصة ممنوعة على الثورة. كتلة قادرة على التأثير في تقديم مشاريع القوانين أو الاعتراض عليها ومنع تمريرها. باختصار، دخول الثورة الى الندوة البرلمانية ليكون البرلمان ساحة من ساحات الثورة، مساعدة في بناء الوطن ومؤسساته بدل تقسيمه وتحاصصه.

إن من واجب المواطن إجراء حساب للربح والخسارة في المقاطعة:

المقاطعة تريح منظومة السلطة المتحكمة بالوطن والدولة، وتؤمن الربح المؤكد لعناصر منظومتها في الانتخابات.

المقاطعة تتـرك أثراً سلبياً في المديين القصير والبعيـد يسمح للنظام بتعزيز سلطويته، وإغلاقــه كل مجالات الحرية السياسية المتاحة.

المقاطعة في ظل القانون الحالي شكل من الحرد والاعتكاف وهدم كل ما بنته وراكمته قوى الثورة والمعارضة عبر شعاراتها ونضالاتها وتضحياتها، والتخلي عن تثمير هذه المراكمة والإنجازات في المعارك القادمة التي لا تشكل الانتخابات النيابية إلا واحدة من محطاتها وتجلياتها.

المقاطعة تؤكد فشل المعارضة في تقديم نفسها، عبر نخبة من المناضلين، بديلاً للنظام المهترئ وممثليه في السلطات الثلاث، الذين دمروا كل مؤسسات الدولة، وارتكبوا كل الموبقات، وشرّعوا الفساد، وسرقوا ونهبوا واستباحوا وأباحوا. نخبة تعمل على استعادة الوطن من خاطفيه، وإعادة بناء ما هُمّش من إداراته ومؤسساته.

المقاطعة للانتخابات لا تحمل إلا الضرر، لأنها تخفّض مستوى الحاصل الضروري لأخذ الحق في النجاح، وتقليص الحاصل يسمح بتجاوزه من قبل مرشحي المنظومة.

نعم ، هناك ضرر ناتج عن تعدد لوائح المعارضة، وهذا ناتج بدوره عن نقص لدى مجموعات الثورة في قدرتها على بلورة مشروع سياسي جامع. علينا تقدير عمر الثورة الفتية، ومدى نضجها السياسي والفكري، رغم أنها بلورت أهدافها. ولكن هذا التعدد يمثل ظاهرة ديمقراطية في حياة الثورة، في الترشيحات الفردية كما في اللوائح، ويترك درساً مفيداً للمستقبل.

إن النضج السياسي يحتاج وقتاً، وفي هذا الوقت لا نرفع «الطبخة» عن النار لأي سبب. ولا ثورة للتغيير أنجزت أهدافها في العالم خلال ثلاث سنوات، وهذه الثورة، ثورة 17 تشرين، وهذه الانتخابات، ستؤسسان لانتخابات 2026 كما للتغيير.

ما العمل؟

قبل كل شيء وأي شيء، القطع بأننا لن نعيد انتخاب من أوليناهم الثقة عمراً كاملاً فأساؤوا الأمانة ودمّروا أحلامنا وبدّدوا أموالنا ومدخراتنا وهجّروا أولادنا وفرّطوا في حقنا بوطن نرتاح للعيش فيه، ولم يفكروا إلا في تقاسم جسد وطن ينهار بدل التضحية لإنقاذه ومنعه من الإنهيار.

العمل الدؤوب، وبكل وسائل الاتصال، لتشكيل الموجة الانتخابية، المؤيدة الداعمة والمشاركة في الاقتراع للائحة الثورة والمعارضة المحددة.

الجرأة في ممارسة الحق في التعبئة والاقتراع، من دون وجل أو خوف أو تردد، فالانتخاب لمن نريد حقنا وواجبنا بعيداً من كل المؤثرات.

التركيز في اللوائح المعارضة على اللائحة الأكثر مشاركة في الثورة، الأكثر وضوحاً وتحديداً في المواقف السياسية الوطنية، الأكثر قرباً من تحقيق النجاح وتأمين الحواصل في الأصوات.

التحرر في الصوت التفضيلي من الارتباطات العصبية أو العائلية أو الطائفية أو الحزبية أو الشخصية وإعطاء الصوت التفضيلي للمرشح الأقرب إلى تحقيق الخرق.

دراسة تركيب اللوائح المواجهة، والتركيز على الخاصرة الضعيفة فيها، التي تعاني ضعفاً في تأمين الأصوات التفضيلية، والمرشح الذي لا تتمكن اللائحة أن تجيّر له أصواتاً تفضيلية فنعطي مرشحنا المقابل له الصوت التفضيلي.

خلاصة الكلام أن الدعوة إلى المقاطعة نوع من الترف السياسي مضرّ بمسيرتنا ولا تخدم إلا لوائح منظومة السلطة، التي تتمتع بالإمكانات وبخاصة المالية منها، كما بالتجربة السياسية، وهي تدرك جيداً مصلحتها في الهروب من المساءلة والمحاسبة، ومصلحتها في الإبقاء على مزاريب الهدر مفتوحة التي تصبّ في جيوبها، لذا لجأت إلى أوسع تحالفات بين الأعداء وتوحّدت، ورفضت تعديل إيّ مادة في قانون الانتخاب، وأمّنت دعماً متبادلاً للوائحها، ضمنياً ومكشوفاً، وتبادلاً للأصوات اعتبرته كمّياً لتتحلل من الاتهام السياسي لها، كالتّحالف بين «التيار الوطني الحر» وحركة «أمل» على سبيل المثال لا الحصر.

المعركة الانتخابية 2022، رغم شروطها الصعبة وغير العادلة، تشكل محطّة مفصلية في الحياة السياسية اللبنانية والدولية، علينا خوضها بمسؤولية، والعمل على تأمين وصول أصوات الناخبين إلى صناديق الاقتراع مهما كانت الصعوبات كبيرة وكثيرة.

MISS 3