ألينا بولياكوفا

أوكرانيا قادرة على الفوز

28 نيسان 2022

المصدر: Foreign Affairs

02 : 05

دبابة روسية في كييف
إتخذت الحرب الروسية منحىً مختلفاً خلال الأسابيع الماضية. انسحبت القوات الروسية إلى بيلاروسيا وروسيا بعد فشلها في الاستيلاء على كييف، فتركت وراءها حصيلة هائلة من الضحايا المدنيين وأعادت تنظيم نفسها في شرق أوكرانيا لتحقيق مكاسب إضافية في إقليم "دونباس". عيّن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجنرال ألكسندر دفورنيكوف المعروف أيضاً باسم "سفّاح سوريا" لقيادة الحملة الروسية. حتى أنه أطلق هجوماً عسكرياً جديداً وأكثر وحشية في شرق أوكرانيا خلال هذا الأسبوع.

يدرك الغرب أن موسكو وحشية وغير جديرة بالثقة. وضع الرئيس الأميركي جو بايدن الغزو في خانة الإبادة الجماعية، واتّهم القادة الأوروبيون بوتين علناً بارتكاب جرائم حرب. لكن منذ بدء الغزو الروسي الشامل، يتصرّف القادة الغربيون وكأنهم لا يصدّقون أن أوكرانيا قادرة على هزم روسيا في ساحة المعركة، لذا فضّلوا إطلاق المحادثات. يثبت هؤلاء القادة طوال الوقت أنهم مستعدون لتقبّل استيلاء روسيا على الأراضي مقابل إنهاء الغزو. وانطلاقاً من الأفكار التقليدية الشائعة، يقال إن الجيش الروسي يبقى أكبر من أن يخسر رغم الإخفاقات الروسية الواضحة.

لكنها فرضية خاطئة: تستطيع أوكرانيا أن تُحقق انتصاراً عسكرياً حاسماً. منعت قواتها حتى الآن روسيا من الوصول إلى كييف، وتمكنت من إطلاق عمليات هجومية مضادة حول كييف وتشرنيغوف ومواقع أخرى شمالاً بمساعدة الأسلحة الدفاعية المحدودة التي تلقاها البلد من الولايات المتحدة وحلف الناتو. وعلى عكس جميع التوقعات، أثبت الجيش الأوكراني قدرته على دفع القوات الروسية إلى التراجع.

يجب أن يُحدد الأوكرانيون بأنفسهم شروط ذلك الانتصار. قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقابلة حديثة إن أوكرانيا لن تتخلى عن أراضيها شرقاً لإنهاء الحرب. في الحد الأدنى، يعني هذا التصريح أن النصر سيتزامن مع العودة إلى الوضع الذي كان سائداً في العام 2014، تزامناً مع التفاوض على مسار واضح لاسترجاع وحدة أراضي أوكرانيا بالكامل، بما في ذلك "الجمهوريتان الشعبيتان". تطرح شبه جزيرة القرم إشكالية أكثر تعقيداً، لكن يمكن التوصّل إلى تسوية لإبقاء مكانتها قيد البحث.

يجب أن يقدّم الغرب الأسلحة والتدريبات والدعم السيبراني إلى أوكرانيا لتحقيق هذه الأهداف على المدى القصير والحفاظ عليها على المدى الطويل. إنها خطوة ضرورية لمساعدة الأوكرانيين والغرب في آن. تقاتل أوكرانيا بشجاعة في سبيل حريتها وحرية أوروبا ككل. يدرك الأميركيون وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي المسائل التي أصبحت على المحك ويدينون لأوكرانيا بجميع أشكال الدعم الممكنة.

لا تحتاج أوكرانيا إلى الدعم العسكري فحسب. يزعم بوتين أن سياسة الغرب المبنية على مبدأ "الحرب الاقتصادية الخاطفة" ضد روسيا فشلت. يجب أن تثبت الولايات المتحدة وأوروبا أنه مخطئ عبر تصعيد العقوبات الاقتصادية على روسيا سريعاً، علماً أنها لم تصبح قوية بما يكفي اليوم للتأثير على مسار الحرب العسكري في أسرع وقت. كذلك، يُفترض أن تفرض واشنطن عقوبات ثانوية على "سبيربنك"، أكبر مصرف في روسيا، ما قد يجبر الدول والشركات التي تتابع التعامل مع روسيا بشكلٍ طبيعي اليوم على حماية نفسها والابتعـاد عن تداعيات العقوبات. يجب أن يفرض الأميركيون وحلفاؤهم العقوبات أيضاً على أكبر عشرة مصارف تجارية روسية، بما في ذلك "غازبرومبانك" الذي يتولى صفقات الطاقة لصالح شركة الغاز الاحتكارية "غازبروم".

سيكون استهداف "غازبرومبانك" و"غازبروم" بالغ الأهمية. تبقى صادرات الطاقة أساسية في الاقتصاد الروسي، وهي التي تزيد ميزانية بوتين اليوم. أصبحت ليتوانيا أول دولة أوروبية توقف استيراد الغاز الروسي، وأعلنت بولندا أيضاً أنها بصدد كبح واردات الفحم الروسية خلال بضعة أسابيع تمهيداً لوقف واردات النفط والغاز تدريجاً بحلول نهاية السنة. في غضون ذلك، بدأت بقية الدول الأوروبية تنضم إلى هذه الموجة. رداً على الأعمال الوحشية في "بوتشا"، اقترحت المفوضية الأوروبية حظراً على واردات الفحم الروسي. قد تكون هذه البداية إيجابية، لكن ستتابع القارة الأوروبية الاتكال على موسكو طالما يستمر تدفق الغاز من روسيا إلى أوروبا. لهذا السبب، يجب أن تضغط الولايات المتحدة على أوروبا لوقف اتكالها على موسكو في مجال الطاقة في أسرع وقت. لن تكون هذه المهمة سهلة نظراً إلى حجم الاتكال الأوروبي على الغاز الروسي. يسهل أن يتعرّض اقتصاد الاتحاد الأوروبي لضربة فورية بعد إنهاء هذه العلاقات مع روسيا، لكن ستكون الضربة التي تتلقاها موسكو أكبر بكثير.

أخيراً، يجب أن تستعمل الولايات المتحدة أدوات مكافحة الجرائم السيبرانية لتعطيل الحملة العسكرية الروسية. كان أداء الدفاعات السيبرانية الأوكرانية أفضل من المتوقع، فقد نجحت في صدّ هجمات حجب الخدمة ورصدت البرمجيات الخبيثة قبل أن تتمكن روسيا من استخدامها. كذلك، استعانت أوكرانيا بجيش من المقرصنين لمهاجمة مواقع البنية التحتية العسكرية الأساسية في روسيا. كانت واشنطن قد أرسلت فِرَق "المهام السيبرانية" خلال المرحلة التي سبقت الحرب لتقوية الدفاعات السيبرانية الأوكرانية. لكن تستطيع الولايات المتحدة أن تكثّف جهودها لتعزيز قدرات أوكرانيا الهجومية، تزامناً مع استعمال الأصول الأميركية سراً لتعطيل الاتصالات العسكرية الروسية في ساحة المعركة، لا سيما روابط الاتصالات في أنظمة الأسلحة، وكبح العمليات المالية اليومية في روسيا. هذه الخطوة قد تدفع موسكو إلى خوض الحرب على جبهتَين (الأولى في ساحة المعركة والثانية في الفضاء السيبراني)، ما يؤدي إلى استنزاف موارد الحكومة بدرجة إضافية.

لن يكون تحقيق النصر في أوكرانيا قليل الكلفة على المستوى المادي أو السياسي. يجب أن تنفق الولايات المتحدة ما يفوق المبلغ الذي خصّصه الكونغرس لأوكرانيا في الشهر الماضي (14 مليار دولار) لتحقيق هذه الأهداف كلها. يُفترض أن تضغط مثلاً على حلفائها في أوروبا، وقد تضطر للتعامل مع دفعة جديدة من التهديدات الروسية النووية عبر توجيه رسائل واضحة حول التحركات الأميركية المحتملة إذا أقدم بوتين فعلاً على استخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا بدل التعهد بالامتناع عن خطوات محددة بكل بساطة.

يجب أن تأخذ الولايات المتحدة القدرات النووية الروسية بالاعتبار قبل صياغة سياستها، لكن لا يمكن ردع البلد عبر الرضوخ لحِيَل بوتين، كما حصل حتى الآن للأسف. (استبعدت إدارة بايدن مثلاً إرسال طائرات "ميغ" إلى أوكرانيا باعتبارها "استفزازية" أكثر من اللزوم). لا مفر من أن تتصاعد المخاطر المطروحة إذا ظن الرئيس الروسي أنه يستطيع استعمال هذه الأسلحة لترهيب الولايات المتحدة ومنعها من الدفاع عن حلفائها ومصالحها، علماً أن أهداف بوتين لا تقتصر على فرض السيطرة في أوكرانيا. أوضح الرئيس الروسي، خلال خطابه الطويل قبل إطلاق العملية الهجومية في 24 شباط، أنه يرغب في فرض سيطرته على جميع الدول السوفياتية السابقة، بما في ذلك أعضاء الناتو في البلطيق. إذا نجح بوتين في ترهيب الولايات المتحدة وحقق الفوز في أوكرانيا، لا مفر من أن تزيد جرأته. في هذه الحالة، يرتفع احتمال أن تطلق روسيا هجوماً ضد أحد أعضاء الناتو، وستتصاعد في الوقت نفسه مخاطر وقوع كارثة دولية أوسع نطاقاً. قد تكون تكاليف هزم بوتين في أوكرانيا مرتفعة، لكنها تبقى أقل مستوى من تكاليف هزمه في إستونيا.



سلسلة بشرية على جسر الملك تشارلز في براغ تضامناً مع أوكرانيا



لا شك في أن الأوكرانيين سيدفعون أكبر ثمن مقابل هذا النصر. كلما أصرّوا على المقاومة والقتال، سيتابع بوتين إلحاق الأضرار بالمدنيين ويدمّر البنية التحتية المحلية. لكن تثبت ردة فعل البلد على التحركات الروسية الأخيرة في مدينة "بوتشا" أن الأوكرانيين شعب يصعب تحطيمه. كلما زادت تكتيكات الكرملين وحشية، سيصبح الشعب الأوكراني أكثر استعداداً للقتال من أجل وطنه. وطالما يقتنع الأوكرانيون بقدرتهم على الفوز، لن يمنعهم شيء من تقديم تضحيات كبرى نيابةً عن أوروبا. من واجب حلفاء أوكرانيا إذاً أن يدعموا جهودهم لأسباب أخلاقية.

لكن من واجبهم أن يقدموا المساعدة أيضاً لأسباب استراتيجية. هذه الحرب لا تدفع الغرب إلى حماية أوكرانيا والحفاظ على حريتها فحسب. إذا كانت أوكرانيا قادرة على الفوز، ستضعف روسيا في نهاية المطاف وتفتقر إلى القدرات العسكرية اللازمة لإطلاق هجوم آخر ضد الدول المجاورة لها. هذه النتيجة بحد ذاتها بالغة الأهمية. تطرح الحرب الروسية في أوكرانيا أكبر تهديد على التحالف العابر للأطلسي منذ عقود، وسيكون هزم موسكو أساسياً لحماية الأمن العالمي. إنها خطوة ضرورية أيضاً لحماية القيم الليبرالية. فيما تتعرّض المؤسسات الديمقراطية للضغوط، سيكون أي فوز مدوّ في أوكرانيا انتصاراً للديمقراطية على الاستبداد وفرصة لإعادة إحياء الليبرالية، وهو هدف تسعى إليه إدارة بايدن.

لن يكون إطلاق المزيد من "الصراعات المجمّدة" (لا تكون "مجمّدة" مطلقاً) الحل المناسب في أوكرانيا. تملك الولايات المتحدة فرصة لتغيير مسار الحرب هناك ودفع روسيا إلى الانسحاب بالكامل. تتطلب هذه العملية تحركاً سريعاً ورؤية ثاقبة تزامناً مع التركيز على تحقيق النصر. الوقت ليس مناسباً للتردد والتعبير عن القلق.