جيانا موسى

في اليوم العالميّ لحرية الصحافة... إعلاميّو لبنان بين الحريّة والمحسوبيّة

3 أيار 2022

20 : 47

حرية الصحافة

بين الثّالث والسّادس من أيّار ثلاثةُ أيّامٍ...

في الأوّل احتفالٌ وفي الثاني ذكرى..

في اليوم الأوّل احتفالٌ بحرّيّة الصّحافة، وفي اليوم الثاني إحياءٌ لذكرى شهدائها.

أَهي سُخريةُ القدَر أم التّواريخ؟

أهي صدفةٌ أم انّه مكتوبٌ على الحرّ الشهادة، ومُحتَّم على الأقلام الحرّة أن تنزفَ دماً؟

لن نستفيضَ اليوم في الكلام عن الشهادة، فاليوم عيدُ الحرّيّة، عيدُ الصّحَافة، وعيدُ الكلمة الحرّة التي لا تَستكين، في بلدٍ عُرِفَ بين البلدان المُجاورة، بإعطائه مساحةً حرّة للصحافيّين، بعيداً من شتّى أشكالِ القمع وإسكات الأقلام الحُرّة وكمّ الأفواه.

فهل لا تزالُ هذه الحرية مُصانةً، في وقتٍ تتفاقمُ فيه الانتهاكاتُ التي يتعرّض لها الإعلاميّ؟ أم انها صارت تشكّلُ أسلوباً جديداً من أساليب تضييق الخناق عليه؟

لم يكُن يوماً مفهوم حريّة الصحافة مُلتبساً ولا مجالَ أساساً لمناقشته.


بحسبِ تعريف الأونيسكو، "يُعدُّ الثالث من أيّار بمثابة الضّمير الذي يُذكِّر الحكومات بضرورة الوفاء بتعهدّاتها تجاه حريّة الصّحافة، ويُتيح للعاملينَ في وسائلِ الإعلام فرصة التوقّف على قضايا حريّة الصّحافة والأخلاقيّات المهنيّة"، من غير أن ننسى أنّه يُمكن التوقّف أيضاً في هذا اليوم عند مُساندة وسائلِ الإعلام المقموعة والملجومة والمحرومة من أدنى مُقوّماتِ الحريّة، ولاسترجاع أسماء لمعت في مجال الصّحافة وكتبت بحبرها تاريخاً من الصمود، فداءً لرسالة القلم.




وزير الشباب والرياضة العميد السابق لكليّة الإعلام في الجامعة اللبنانية الدكتور جورج كلاس


في هذا الإطار، يرى وزير الشباب والرياضة، العميد السابق لكليّة الإعلام في الجامعة اللبنانية، الدكتور جورج كلاس في حديثٍ لموقع "نداء الوطن" الإلكترونيّ أنّ الحريّة لا بُدّ إلا أن تكونَ مسؤولة، وبالتالي حرية الإعلام تُعتَبر حُريّة كِيانيَّة، أي انّ الصحافيّ عندما يكونُ حُراً، فإنّ حُريّة فكرِه وآرائه وتعبيره، ستنعكسُ إيجاباً وتفاعُلاً مباشراً على الناس وعلى الرأي العام، مُتابعاً أنّه مِن هذا المنطلق، يجبُ أن تكونَ الحريّة الإعلاميّة حريّة مسؤولةً ولا يُمكن أن تُحدَّد إلّا في الأخلاق والسلوكيّات الوطنيّة.



ويُؤكّد كلّاس لموقعنا أنَّ أيّ حرية خارج الأخلاق والمسؤوليّة المُجتمعيّة والوطنيّة، تُصبح أقرب إلى الفوضى منها إلى الحريّة الإعلاميّة والتعبيريّة، خصوصاً عندما نقول في مجتمع ديمقراطيّ، كالمجتمع اللبنانيّ إنّ الحريّة الإعلاميّة هي سلطةٌ من السلطات، وبعض الإعلاميين، وعلى رأسهم نقيبُ الصّحافة السابق محمد البعلبكي، كان يعتبرها إحدى السلطات الأربع وليس السّلطة الرابعة.

وعن الانتهاكاتِ المُستمرّة التي يتعرّض لها الإعلاميّ في لبنان، يعتبرُ كلّاس أنّه يجبُ التمييز بين الصحافيّ المهنيّ والإعلاميّ المهنيّ وبين أي شخصٍ آخر، قائلاً: "ليسَ من الحكمة أبداً اعتبار أيّ مسٍّ بكرامة أو بحريّة أي كاتبٍ، هي مَسٌّ بحريّة الصّحافة، فعندما أقولُ "إعلاميّ" أو "صحافيّ"، أقصد حصراً الذينَ يعملونَ ويكتبون في وسائلَ إعلاميَّةٍ قانونيَّة ومُنظَّمة في نقابات مهنيّة، إلى أن يصدر قانون الإعلام الإلكترونيّ. فحتّى اليوم، في لبنان، لا وجودَ لقانون يُنظّم الإعلام الإلكترونيّ، ونأمل أن ينهضَ تلفزيون لبنان.. تلفزيون الدولة. فنحن أمام دولةٍ ليسَ لها محطّة رسميّة فاعلة. تلفزيون لبنان إن لم يتمّ إنقاذه.. لن يكونَ لنا أيّ تلفزيون رسمي أو إعلام رسميّ، بمعزلٍ عمّا تقوم به – مشكورةً - الوكالة الوطنيّة للإعلام".



ويلفت كلاس إلى أنه من الضروريّ أن تُميّز النقابات بين مَن هو الإعلاميّ ومن هو الكاتب في الإعلام أو مَن هو المُدوّن أو المُغرّد. فليس كلّ مَن كتَب هُو صحافيّ أو إعلاميّ، ولا يمكن أن تكون هناك حريّةٌ للتعبير، إن لم تكُن هناك حريّةٌ للتفكير، على حدّ تعبيره، مضيفاً أنّ المشكلةَ الأساسية التي تعترض عملَ الصحافيّ أو الإعلاميّ هي في المؤسَّسة الّتي يعمل فيها والتي تُحدّد له هامش الحرية المتروك أوِ المفتوح له.




الإعلامي يزبك وهبه




ويقول الإعلاميّ في محطّة الـLBCI والأستاذ الجامعيّ يزبك وهبه في حديثٍ لموقع "نداء الوطن" الإلكترونيّ: "بنظري مفهوم الصحافة الحرّة هو أن يعملَ الصحافي بعيداً من أيّ ضغط، وأن يسمح فقط لضميره بأن يؤثّر على كتاباته وألا يكونَ مرتهناً لأحد. فعلى الصحافيّين الالتزامُ بالضوابط القانونيَّة وعدم التذرُّع بحريّة المهنة وتخطّي القوانين المسموح بها".


ويُتابع: "في المقابل على الدولة أن تُسهّلَ عمل الإعلاميين وتأمين المناخِ الحرّ للصحافيين من أجل القيام بعملهم. فحُريَّة الصّحافة أيضًا تفرض أن يعيشَ الصحافيّ مُكتفيًا بالمردود المادي، وألا يُضطرّ لرهنِ قلمه إلى جهاتٍ سياسيّة أو غير سياسيّة من أجل العيش، أو يُضطرّ للقيام بأعمالٍ أخرى".

ويعتبر وهبه أنّ الصّحافة في لبنان لا تزالُ حرَّة، "ولكن للأسف، قلةّ من الزملاء مرتهنون لبعض الجهات والدُّول والأنظمة، ما يُشوّه عمل الآخرينَ أحيانًا، إنّما الرأي العام يدركُ ويعلم مَن هو الحرّ الذي يعمل بعرق جبينه ومَن هو مرتهن لأنظمةٍ معيَّنة".




وتعليقاً على الانتهاك الذي يتعرَّض له الصحافيّ والذي من شأنه تضييقُ الخناق عليه، يُؤكّد وهبه أنه أحيانًا هناك اعتداء على الصحافيّ من قِبَل السلطة وأدواتها وأجهزتها، وأحياناً يكون هناك تمادٍ في استخدام الحرّيّة من قبل الصحافيّ، ويصلُ معه الأمر إلى حدّ القدح والذّم والشّتم، مُفضّلاً أن يكونَ الصحافي وسطياً، أي أن يُعطيَ رأيه بعيداً من القدح والذم والشتيمة.

ويجزم وهبه في سياق حديثه أنّ مَن يتعرَّض لأنواعٍ من الاعتداءات هم روَّادُ مواقع التواصل الاجتماعيّ وليس الصحافيّين، وهؤلاء عليهم ألّا يتَّخذوا من الحرية باباً للتّفلُّت، بينما الصحافيّون الملتزمونَ لديهم كامل الحرية لقول ما يشاؤون ضمن الأطُر المطلوبة منهم.



الصحافي والمحلل السياسي طوني أبي نجم


من جهته يُؤكّد الباحثُ والمحلّل السياسيّ طوني أبي نجم لموقع "نداء الوطن" الإلكترونيّ، أنّ "مفهوم حريّة الصّحافة يجبُ أن يكون مُوحّداً على الأقلّ في العالم أجمع. وتُبنى الحُرّيّة على حُرّيّة الكتابة والتّعبير التي تُمارَس من قبل أبناء المهنة بمسؤوليَّةٍ وبدون سقوف، وكلّ ما يُحكى عن سقوفٍ، غير صحيح، باستثناءِ الحُدود التي يضعُها الفردُ لنفسِه". ويُتابع قائلاً: "حُريّةُ الصّحافة تشملُ حريَّة الانتقاد مهما كان قاسياً، لكنّها لا تشملُ حرّيّة التّجنّي بمعنى تركيبِ الملفات أو الاتّهامات زوراً. فالفرق واضح، وبإمكان الصّحافيّ انتقادُ العمل السياسيّ لأيٍّ كان، ولكن لا يمكنُه أن يتَّهم أيَّ وزيرٍ بدون دليل مُوثَّق. وترتكزُ الحرّيّةُ على العملِ المهنيّ والاستقصائيّ، وعندما يكونُ حقُّ الوصول الى المعلومات مشروعًا، والتحرّي عمّا لم يُكتب أو يُنشر في الكواليس.




أمّا عن حرّيّة الصّحافة في لبنان، فيقولُ أبي نجم: "في لبنان، وللأسف، كبقيّة دول العالم، ولكن في لبنان بشكلٍ مُضاعف، مُشكلة الصّحافة الحُرَّة تنبع من المؤسَّسات الصّحافيَّة أولاً، لأنّ الصّحافيّ يبحثُ عن المستوى المعيشيّ اللائق، وإذا لم يتأمَّن ذلك من المؤسَّسة التي يعمل فيها، يلجأ إلى طرقٍ أُخرى، وبالتَّالي يصبحُ مُرتهنًا وقلمه مأجوراً، كما أنّ هناك مؤسسات مُرتهنة لمُموّليها".

ويشيرُ أبي نجم إلى أنّ التمويل هو مَن يتحكَّم بالصحافيّ من جهة أو بالمؤسّسة الإعلاميّة من جهةٍ أُخرى، فبمقدار ما يكون التمويل بعيداً مِن الأهداف السياسيّة، تكون الصّحافة حُرّة، وعندما يكون التمويلُ سياسياً، تفقد الصحافة هامشًا كبيرًا من حريَّتها".



تبقى الدّعوة إلى اتّباعِ مسارٍ إصلاحيّ حقيقيّ، يُعيدُ للإعلام دوره الرّياديّ في خدمة المُجتمع، بعيداً من كلّ الارتهانات والمحسوبيّات والتضييق الّذي قد يلحق بالصحافيّ... فيكسر بذلك حاجزَ الخوف ولا يكسر قلمَه الحرّ.

MISS 3