باسمة عطوي

من التداعيات الخطيرة للأزمة المالية والاقتصادية

تعليم للأغنياء... وآخر للفقراء!

9 أيار 2022

02 : 00

نسيب غبريل
على بعد أيام من الإنتخابات النيابية التي يُغدق فيها المرشحون بالوعود على الناخبين لجرّهم إلى صناديق الاقتراع، تظاهر أهالي الطلاب في الجامعات الاجنبية للمطالبة بتنفيذ القانون الذي صدر عن مجلس النواب الحالي والذي يُلزم المصارف برد جزء من ودائعهم لكي يتمكنوا من دفع تكاليف تعليم أولادهم. في المقابل تناقلت وسائل الاعلام خبر تكفل أحد المرشحين إلى المجلس النيابي لتعليم 100 طالب من أبناء دائرته الانتخابية في إحدى الجامعات الخاصة في لبنان لدفع الناخبين بشكل غير مباشر للإقتراع لصالحه هذه المرة، بعدما لم يوفق في المرة السابقة في الوصول إلى الندوة النيابية. أما على خط أساتذة الجامعة اللبنانية فهم يلوحون بإستمرار الاضراب من أجل تحصيل حقوقهم من دون أن يحرك أي مسؤول في الجمهورية اللبنانية ساكناً لإنقاذ العام الدراسي لطلاب الجامعة. هذه المشاهد والأحداث التي يتخبط فيها الاهالي والطلاب تُظهر عمق المأزق الذي يعيشونه هؤلاء منذ إندلاع إنتفاضة 17 تشرين وحصول الانهيار الاقتصادي، والذي أعاد شيئاً فشيئاً التعليم في لبنان إلى سابق عهده أي تحوله إلى إمتياز سواء في المدارس أو الجامعات على غرار ما كان في عهد الجمهورية الاولى وخلال الحرب. أي أنه كان حكراً على فئة خاصة ميسورة التي كانت تتمكن من تهريب أولادها بين جولات الحرب كي يتعلموا في المدارس والجامعات الخاصة، أما أبناء الفقراء فكان ملاذهم الوحيد المدارس الرسمية والجامعة اللبنانية. والجدير بالملاحظة أن بعض الجامعات الخاصة المنبثقة عن النظام اللبناني في مرحلة ما قبل الحرب وبعدها، ليس لديها مشكلة في أن يعود التعليم إمتيازاً من جديد.







ما يحصل في القطاع التعليمي من تحولات وإنهيارات هو جزء مما يجري في كل القطاعات الاقتصادية والصحية والاجتماعية الاخرى. لكن الاخطر في الفرز التعليمي الحاصل هو تأثيره على الفرص والمجالات التي كانت تفتحها جامعات لبنان لطلابها في أسواق العمل العربية والخارجية، نتيجة جودة التعليم التي كانت متاحة لنسبة وافرة من طلاب يريد ذووهم الارتقاء في مستوى أبنائهم التعليمي والمهني، ويسمح لهم مدخولهم الوظيفي بدفع تكاليف بذلك. أما اليوم ونتيجة ذوبان القدرة الشرائية لرواتب الموظفين، بات لبنان مهدداً بفقدانه أحد الأعمدة الأساسية التي ساعدت اللبنانيين على مواجهة الأزمات الاقتصادية الماضية أي خسارة اليد العاملة «النوعية» التي تحمل شهادات جامعية «منافسة»، والتي من المفترض أن تساعد في مواجهة الأزمة الحالية بعد أن أصبحت جامعة تلو الأخرى تزف الخبر لطلابها وتفاجئهم في منتصف السنة بزيادات على الاقساط وبالدولار الفريش فقط لا غير.




نمر فريحة



التفاوت في التحصيل العلمي سيبدأ بالظهور

يوضح رئيس المركز التربوي السابق الدكتور نمر فريحة لـ»نداء الوطن» أنه «لو حصلت الأزمة الاقتصادية في بلد آخر، لكانت حكومته قد ركزت على وضع المدرسة الحكومية والجامعة الحكومية لتؤمن أفضل ظروف التعلم للتلامذة والطلاب كي لا يزيد الوضع المالي في معاناة المواطنين». مشيراً إلى أنه «عندنا وحتى قبل الأزمة كان التعليم الحكومي وسيلة إستغلال بيد الطبقة الحاكمة التي لم تتورع عن تعيين كثير من غير الجديرين بالتعليم في المدرسة والجامعة ضمن ثقافة الزبائنية التي إعتمدتها بشكل فاضح منذ ثلاثة عقود»، ويلفت إلى أنه «هكذا تدنى مستوى المدرسة الرسمية التي أضحت ألعوبة بيد بعض السياسيين مع صمت مطلق أو ترحيب من قبل الناس العاديين، أي أهالي التلامذة الذين يهمّهم الزعيم أكثر من مستقبل أبنائهم».

ويرى فريحة «انطباق الأمر ذاته على الجامعة اللبنانية التي أضحت ملعباً لمصالح فئة معينة من السياسيين ظناً منهم أنهم يبنون أتباعاً بين الطلاب بدل أن يساعدوا في بنائهم كمواطنين. كذلك هيأوا أتباعاً من ضمن الهيئة التعليمية حيث بات من المعروف مسبقاً من سيكون مدير هذا الفرع وعميد تلك الكلية بحسب الالتزام الحزبي أو التقرب من زعيم معين»، مشدداً على أنه «بالنسبة للمستوى الأكاديمي، عندما تعصف السياسة بالمؤسسة التربوية، تصبح الأكاديميا في الأرض، ولا تعود الأبحاث والإنتاج الفكري ذات قيمة مقابل التزلم والتبخير وباستثناء ثلاث كليات، أضحى وضع الجامعة اللبنانية مزرياً».

يبدي فريحة «خشيته من أن يصل تلميذ المدرسة الرسمية إلى صف البروفيه وهو شبه أمي. وعندما ينجح في الامتحانات الثانوية، سيكون مستواه الفعلي ضعيفاً. بينما من يتخرّج من المدرسة الخاصة (ولا أعمم لأن هناك مدارس خاصة ذات مستوى ضعيف جداً)، سيكون قد تعلم لغة أجنبية تؤهله للتخصص في أي حقل في الجامعة، وأنهى منهجه التعليمي وزيادة عليه، وسينتسب إلى جامعة خاصة ذات مستوى أكاديمي (هنا أيضاً لا نعمّم حيث لدينا جامعات لجمع المال وكسب النفوذ)، ويتخرج بمؤهلات تساعده لإيجاد فرصة عمل في دول الخليج أو في أوروبا. وهكذا سيفرز التعليم الشباب اللبناني إلى مجموعتين، ويوجّه مستقبلهم منذ الآن». ويؤكد فريحة أنه «بعد سنوات قليلة سنرى كيف أن المستوى التعليمي قد دفع ثمن الجهل بكيفية استثمار التربية وتثميرها من قبل أصحاب القرار. وكيف أن الخريجين قد انقسموا إلى فئة متمكنة وقادرة على الحصول على عمل خصوصاً في الخارج، بينما من حرموا من فرصة تعليمية سليمة وبنّاءة سينضمون إلى الأعمال البسيطة أو إلى لائحة العاطلين عن العمل»، مشدداً على «اننا نعيش اليوم حالة غير طبيعية في الحقل التربوي، ونقصد بذلك إستيفاء المدارس والجامعات الخاصة للأقساط من طلابها بـ»الفريش دولار» كلياً أو جزئياً. وأسباب كثيرة وراء هذا القرار الذي اتخذته إدارات المدارس والجامعات المعنية في محاولة لسد العجز الذي تدعي أنها وقعت فيه جراء انهيار قيمة العملة الوطنية».

ويرى أن «هناك شقاً مفهوماً لما تقوم به هذه المؤسسات وهو أنها تحاول تأمين رواتب مقبولة للهيئات التدريسية لديها، وتغطية كلفة الصيانة والخدمات اللوجستية، لافتاً إلى أن «هناك فئة بإستطاعتها تأمين أقساط أولادها في المدرسة والجامعة بالدولار، بينما الأكثرية لا تستطيع ذلك. وهنا يبدأ التفاوت في التحصيل التعليمي يظهر بين أبناء «الطبقة التي لا تستطيع»، مقارنة مع أبناء «الطبقة التي تستطيع»». ويوضح أنه «كانت الحالة هكذا قبل الأزمة الاقتصادية التي نعيشها لكن على مستوى معقول لأن الموظف كان باستطاعته إرسال أولاده إلى المدرسة الخاصة والجامعة الخاصة. أما الآن فالأمر تغيّر جذرياً لأن راتبه السنوي لا يكفي مثلاً لدفع قسط فصل دراسي واحد في جامعة خاصة».

ويختم: «هنا لا يمكن أن نُبرّئ الطبقة الحاكمة مما حصل لأنها دمرت الاقتصاد بفسادها وبالتالي دمرت قيمة الدخل الفردي بالنسبة لمتطلبات التعليم كما غيره من الحاجات الأساسية».



مروان قطب



تراجع التعليم... خسارة تدريجية لفرص العمل

يقارب الخبير الاقتصادي والاستاذ في الجامعة اللبنانية الدكتور مروان قطب تأثير «الدولار الفريش» على فرص التعليم للطلاب من زاوية أخرى، يقول لـ»نداء الوطن» إن «تحول الاقساط الجامعية بالـ»فريش دولار يعني أن الجامعات الخاصة ستكون لفئة محدودة من اللبنانيين وستستقطب فئة من الاجانب وستشهد تراجعاً في أعداد طلابها بسبب عدم الاستقرار السياسي، كما أن هناك جامعات تعمد إلى فتح فروع لها في دول عربية مما سيؤثر سلباً على مستوى التعليم في لبنان»، لافتاً إلى أن «تراجع ميزانية الجامعة اللبنانية سيؤثر على دورها التعليمي وسيرتد سلباً على مكانتها بين الجامعات في العالم، وكل ذلك سينعكس سلباً على فرص عمل خريجيها في السوق العربية ودول العالم، ما يعني خسارة تدريجية لأحد أهم موارد لبنان وهي عائدات المغتربين على المدى الطويل».

ويشرح قطب أن «الازمة على القطاع التعليمي في لبنان بكل مراحله تشتد يوماً بعد يوم وقد تكون لها تداعيات سلبية، لكن الاسباب متعددة منها اللجوء السوري والضغط الشديد على المدارس الرسمية، بالاضافة إلى الازمة السياسية والاقتصادية التي بدأت مع إنتفاضة 2019 وأزمة كورونا التي فرضت على القطاع التعليمي أن يتحول إلى نمط التعليم عن بعد، وإنفجار المرفأ الذي أدى إلى تضرر عدد كبير من المدارس في محيط الانفجار»، لافتاً إلى أنه «حالياً نعاني من أزمة شديدة جداً سببها التضخم الحاصل في الاسعار وتدهور قيمة الليرة اللبنانية وإرتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، والجميع يعلم أن المؤسسات التعليمية يتوجب عليها دفع نفقات بالدولار الفريش في حين أن قيمة رواتب المواطنين تدهورت بصورة كبيرة مما زاد من صعوبة تلبية هذه الاقساط وفقاً لسعر دولار السوق السوداء». يضيف: «موازنات المؤسسات التعليمية تنقسم إلى قسمين، الاول رواتب وأجور والآخر النفقات التشغيلية. والتضخم الحاصل في الاسعار يأكل من ميزانيات المؤسسات مما يدفعها إلى الاعتماد الكلي على الدولار الفريش حتى تتمكن من المحافظة على مميزاتها التنافسية»، لافتاً إلى أن «هذا الامر له تداعيات منها تسرب الطلاب من المدارس والجامعات الخاصة، ولذلك فالتعليم الجيد سيبقى حكراً على الطبقة الميسورة. والمدارس الرسمية سيزداد تراجعها بسبب تراجع إمكاناتها في ظل التضخم الحاصل وستصبح شبه معطلة وستتراجع جودة الخدمات المقدمة بالرغم من الاقبال الكبير عليها». ويختم: «أمام هذه المعضلة لا حل سوى اللجوء الى المنظمات الدولية لجلب الدعم كي لا ينهار النظام التعليمي اللبناني».

كلفة التعليم الرسمي أعلى من الخاص!!

يتناول الخبير الاقتصادي ورئيس مركز الابحاث في بنك بيبلوس نسيب غبريل الهوة التي تتسع بين التعليم العام والتعليم الخاص من ناحية كلفة التعليم الرسمي في لبنان. يقول لـ»نداء الوطن» هناك مشكلة في التعليم الرسمي في لبنان سواء المدارس الرسمية أو الجامعة اللبنانية، كلفة تعليم الطالب في التعليم الرسمي أعلى منها في المدارس والجامعات الخاصة، أما جودة التعليم فلا يمكن القول إنها أقل فقط في التعليم الرسمي لأنه حتى في الجامعات والمدارس الخاصة هناك علامات إستفهام على جودة التعليم في العديد منها (وهذا موضوع آخر)»، لافتاً إلى أن «هناك دراسة للبنك الدولي تظهر أن معدل كلفة الطالب في التعليم العام هي أعلى منها في الخاص، وهذا يظهر الهدر في القطاع الرسمي وضرورة إصلاحه. كما أن هناك فائضاً في التوظيف في المدارس الرسمية والمعاهد والجامعة اللبنانية، وهذا يعني أن التعليم العام يملك المقدرات العلمية والمالية ولكنه يحتاج إلى إصلاح وتنظيم على غرار القطاعات الاقتصادية الاخرى وهذا ما يتم تجاهله من قبل جميع المعنيين».

يضيف: «لا أحبذ الركون إلى طبقية التعليم في لبنان بين أغنياء يملكون الدولار الفريش وبين فقراء لا يمكنهم تعليم أولادهم إلا في القطاع الرسمي، لأن هذا الامر لا يحل المشكلة. والمدارس والجامعات الخاصة تخضع لإقتصاد السوق أكثر من المدارس الرسمية، ومع الوقت ونتيجة تراجع قدرة الاهالي على دفع الدولار الفريش يمكن أن نشهد دمجاً بين الجامعات والمدارس الخاصة في المرحلة المقبلة إستجابة لضغط السوق، مشدداً على أن «ركون القطاع التعليمي لطلب الفريش دولار مقابل الخدمات التي يقدمونها هو إنعكاس لأزمة متواصلة في لبنان منذ عامين ونصف ولا يعيرها المسؤولون والطبقة السياسية العناية اللازمة لحلها، والآن وصلت إلى المدارس والجامعات، وهي نتيجة شح السيولة بالعملات الأجنبية في الاقتصاد اللبناني وعدم إتخاذ أي إجراء لضبط الازمة والعملية الاصلاحية للخروج منها».