جاد حداد

أنفاق "سرّية" تربط بين الجمجمة والدماغ

11 أيار 2022

02 : 00

هل تعلم أنك تحمل أنفاقاً في رأسك؟ من الطبيعي ألا تعرف هذه المعلومة لأن أحداً لم يكن يعرفها حتى الفترة الأخيرة! أكد فريق من الباحثين في المجال الطبي وجود هذه الأنفاق التي تربط نخاع عظم الجمجمة ببطانة الدماغ لدى الفئران والبشر في العام 2018.

يكشف البحث الجديد أن هذه الأنفاق قد تشكّل طريقاً مباشراً كي تتدفق عبره الخلايا المناعية من النخاع إلى الدماغ عند حصول أيّ ضرر.

كان العلماء يظنون سابقاً أن الخلايا المناعية تُنقَل عبر مجرى الدم من مناطق أخرى من الجسم للتعامل مع التهاب الدماغ بعد التعرض لجلطة دماغية أو إصابة أو أي اضطراب دماغي. لكن يشير هذا الاكتشاف إلى وجود طريق مختصر لهذه الخلايا منذ البداية.

اكتشف الباحثون هذه الأنفاق الصغيرة حين كانوا يبحثون عن مصدر الخلايا المناعية التي تصل إلى الدماغ بعد الإصابة بجلطة أو بالتهاب السحايا: هل تصل من الجمجمة أم قصبة الساق؟

راقب العلماء نوعاً محدداً من الخلايا المناعية: إنها العدلات أو "المستجيبة الأولى" في فريق المناعة. حين يقع أي خلل، تكون هذه المجموعة من أولى الخلايا التي يرسلها الجسم إلى الموقع المستهدف للمشاركة في تخفيف مسببات الالتهاب.

طوّر الباحثون تقنية لوسم الخلايا بأصباغ الأغشية الفلورية التي تُستعمل لتعقّب الخلايا. ثم ضخوا الأصباغ في تلك الخلايا وحقنوها في مواقع النخاع العظمي لدى الفئران. ثم حقنوا الخلايا التي تحمل علامات حمراء داخل الجمجمة، والخلايا التي تحمل علامات خضراء في قصبة الساق.

بعد استقرار الخلايا في مواقعها، افتعل الباحثون نماذج عدة من الالتهاب الحاد، منها جلطة دماغية والتهاب السحايا والدماغ المستحث كيميائياً.

تبيّن أن الجمجمة تطلق العدلات نحو الدماغ عند التعرّض لجلطة دماغية أو الإصابة بالتهاب السحايا أكثر من قصبة الساق. لكن طرحت هذه النتيجة سؤالاً جديداً: ما هي طريقة تسليم العدلات؟

يقول ماتياس ناريندورف من كلية الطب التابعة لجامعة "هارفارد" ومن مستشفى "ماساتشوستس" العام في بوسطن: "بدأنا نحلل الجمجمة بحذر شديد ونراقبها من جميع الزوايا لنحاول استكشاف طريقة وصول العدلات إلى الدماغ. ثم اكتشفنا القنوات الصغيرة التي تربط النخاع مباشرةً ببطانة الدماغ الخارجية، وهو اكتشاف غير متوقع".

استعمل الباحثون الفحص المجهري الذي يستخدم حجرة مليئة بمحلول للحفاظ على سلامة النسيج المعزول أثناء تحليله، وصوّروا السطح الداخلي من جمجمة فأرة واكتشفوا هناك قنوات وعائية مجهرية ترتبط مباشرةً بنخاع الجمجمة عن طريق الجافية (الغشاء الواقي الذي يغلّف الدماغ).

في الحالات العادية، تتدفّق خلايا الدم الحمراء عبر هذه القنوات من الجهة الداخلية للجمجمة إلى النخاع العظمي. لكنها تنشط لنقل العدلات في الاتجاه المعاكس، من النخاع إلى الدماغ، عند التعرّض لجلطة دماغية.

لكن رُصِدت هذه النتيجة لدى الفئران. للتأكد من تكرار الأثر نفسه لدى البشر، حصل الباحثون على أجزاء من جمجمة بشرية خلال جراحة وصوّروها بالتفصيل.

لاحظ العلماء وجود القنوات نفسها هناك أيضاً، وكان قطرها أكبر من تلك الموجودة في جماجم الفئران بخمس مرات، وهي تقع في الطبقات الداخلية والخارجية للعظام.

منذ اكتشاف هذه الأنفاق الصغيرة للمرة الأولى، حللها الباحثون عن قرب لدى الفئران واستنتجوا في العام 2021 أن الرابط الذي تُشكّله مع النخاع العظمي يعني أن خلايا الدم المتنقلة لا تشتق من مجرى الدم بل ينتجها النخاع المجاور مباشرةً، وهذا ما يجعلها متخصصة وموضعية جداً.

إنه اكتشاف مدهش لأن الالتهاب يؤثر في اضطرابات دماغية كثيرة، وقد يفهم العلماء بفضله معلومات إضافية حول الآليات الناشطة. حتى أنه قد يُسهّل فهم حالات أخرى مثل التصلب المتعدد حيث يهاجم جهاز المناعة الدماغ.

نُشِر الاكتشاف الأصلي في مجلة "علم أعصاب الطبيعة".