فرانز ج . مارتي

الانتخابات في عهد "طالبان"... حالة استثنائية بامتياز

13 أيار 2022

المصدر: The Diplomat

02 : 05

إمرأة أفغانية تدلي بصوتها في مركز اقتراع في جلال آباد
في الفترة الأخيرة، انتخب الأفغان المقيمون في أحياء مختلفة من العاصمة كابول ممثلين عنهم، فصوّتوا في صناديق الاقتراع أو رفعوا أيديهم بكل بساطة خلال تجمّعات في المساجد. قد يبدو هذا الوضع طبيعياً في بلدان أخرى، لكنه لافت في أفغانستان لأن حكام "طالبان" الجدد لطالما شيطنوا الانتخابات في الماضي واعتبروها "غير إسلامية".

إنتخابات على طرف كابول

مرّت هذه الانتخابات مرور الكرام ولم يتطرق إليها الكثيرون. ولولا بعض التغريدات من ممثّلي "طالبان"، ما كان أحد ليلاحظها أصلاً.

جرى واحد من هذه الاستحقاقات الانتخابية في 8 آذار، في حي "كالاي مير شيكار"، وهو عبارة عن متاهة من الأزقة الهادئة التي تُطِلّ على التلال القاحلة المجاورة على طرف العاصمة الأفغانية. تفاجأ السكان المحليون (ينتمي عدد كبير منهم إلى أقلية الهزارة العرقية المهمّشة) حين شاهدوا صحافياً يزور منطقتهم بعد أيام قليلة على إجراء الانتخابات.

صرّح شاب كان يملأ أكياساً بلاستيكية باللبن في متجره الصغير لصحيفة "ذا دبلومات": "جرت الانتخابات بطلبٍ من السكان هنا". كان موقفه مشابهاً لتصريحات السكان الآخرين. استفاض أحدهم في الكلام، وهو وكيل واحد من أربعة مساجد في الحي الصغير، فقال: "سبق وقُدّم طلب إجراء الانتخابات قبل سقوط الحكومة الجمهورية الأفغانية [في آب 2021]، لكن طلبت الحكومة السابقة الرشاوى ولم يدفع المرشّح المبلغ المطلوب، ولهذا السبب لم تحصل الانتخابات حينها".

ثم أوضح رجل متقدم في الســـن: "حصلت الانتخابات خلال تجمّع في المسجد. كانت العملية كلها شفافة وقد انتخبنا وكيلنا عبر رفع الأيدي". سُجّل هذا الاستحقاق عبر فيديو حصلت عليه صحيفة "ذا دبلومات".

أضاف وكيل المسجد: "جلبت سلطات "طالبان" صندوق اقتراع. لكن نظراً إلى وجود مرشّح واحد فقط، اكتفينا برفع أيدينا للتعبير عن دعمنا له ولم نحتج إلى الصندوق". من الواضح أن الخطة الأصلية كانت تقضي بحصول الانتخابات عبر صناديق الاقتراع، فقد عرض نور آغا صخيار، الرجل الذي انتُخِب ممثلاً عن حي "كالاي مير شيكار"، مجموعة من أوراق التصويت المطبوعة.

قد يعتبر النقاد ذلك التصويت غير سرّي ويؤكدون على عدم وجود أي مرشّح منافِس، لكن لا يختلف الوضع كثيراً خلال الانتخابات المحلية منخفضة المستوى في الدول التي تحمل تقاليد ديمقراطية راسخة. يبدو أن انتخاب ممثلين عن أحياء أخرى حصل عن طريق الانتخاب السري أيضاً في صناديق الاقتراع.

في مطلق الأحوال، بدا سكان حي "كالاي مير شيكار" سعداء، لكنهم لم يعطوا أهمية كبرى لتلك الانتخابات في الوقت نفسه. عندما قيل لهم إنهم نظّموا على الأرجح أول انتخابات على الإطلاق في إمارة "طالبان"، ابتسم معظم الحاضرين وشعروا بالفخر على ما يبدو لأن حيّهم البسيط شهد على حدث استثنائي من هذا النوع.

كيف وصلت "طالبان" إلى مرحلة تنظيم الانتخابات؟

أوضح صخيار لصحيفة "ذا دبلومات": "حين طلب مني الناس هنا أن أصبح ممثّلاً عن حيّهم، حاولتُ منذ أكثر من سنة أن أُنتَخب كوكيل لهم. لكن رغم جميع الجهود التي بذلتُها، لم تحصل أي انتخابات في عهد الجمهورية السابقة". لكن بعد إسقاط الجمهورية الأفغانية على يد "طالبان" خلال عملية هجومية خاطفة في آب 2021 وعودة الحركة إلى السلطة، انتظر صخيار لبعض الوقت لرؤية ما سيحصل في المرحلة الجديدة.

أضاف صخيار: "لاحظتُ بعد فترة أن عناصر "طالبان" راجعوا أنظمة الانتخابات وأعادوا إصدارها لانتخاب وكلاء الأحياء وأنهم أحدثوا تعديلات بسيطة. لهذا السبب، حاولتُ كسب الأصوات مجدداً وحققتُ هدفي أخيراً".

أكد نعمت الله باركزاي، مدير المطبوعات في بلدية كابول، على إقدام إدارة "طالبان" الجديدة في البلدية على مراجعة قواعد الانتخابات القديمة لاختيار ممثّلي الأحياء من دون إحداث تعديلات كبرى: "بشكل عام، أضفنا مجموعة متطلبات أخرى يُفترض أن يلبّيها المرشحون. يجب أن يكونوا مثلاً مسلمين صالحين، ويُمنَع ترشّح كل من عمل في جهاز الاستخبارات التابع للحكومة السابقة". ذُكِرت هذه المعلومات في نسخة من القانون الذي يحمل شعار "طالبان"، وقد عرضه باركزاي أمام صحيفة "ذا دبلومات". وُضِعت علامات تحت التعديلات البسيطة الملحقة بالقانون.

أضاف باركزاي: "نحن نحرص بكل بساطة على أن يكون ممثّلو الأحياء مناسبين ونزيهين".

حين سُئِل هذا الأخير عن الأشخاص المؤهلين للمشاركة في التصويت، أوضح أن كل منزل في الحي (منطقة مُحددة مسبقاً تشمل حوالى 500 منزل) يستطيع الإدلاء بصوت واحد. يحق للأسرة أن تختار الفرد الذي سيدلي بصوته. يجب أن يكون هذا الشخص فوق عمر الثامنة عشرة بكل بساطة. كذلك، أكد باركزاي صراحةً على احتمال أن تصوّت المرأة. بحلول منتصف شهر آذار، تم انتخاب حوالى 40 ممثلاً جديداً عن الأحياء في كابول.

عندما سُئل باركزاي عن السبب الذي دفع "طالبان" إلى تنظيم انتخابات ممثلي الأحياء في كابول بعدما حرصت الحركة سابقاً على شيطنة مفهوم الانتخابات، كان جوابه براغماتياً فقال: "يجب أن ينشأ رابط معيّن بين الشعب وإدارة المدينة، وكان عدد من الأحياء يفتقر إلى الوكلاء أو استقال الشخص الذي يشغل هذا المنصب. لهذا السبب، اضطررنا لإيجاد ممثلين جدد، ويجب أن تحظى هذه الشخصيات بقبولٍ من الناس. لذا يجب أن ينتخب الشعب وكيله بنفسه".

اعتبر صخيار المنصب الذي يشغله اليوم أداة لتقوية علاقته مع الناس وتقاسم مشاكل الحي مع السلطات تمهيداً لإيجاد الحلول المناسبة. غالباً ما يهتم أصحاب هذا المنصب بمسائل يومية عادية لكن ضرورية، منها تنظيم عملية تنظيف المزاريب التي تبقى مفتوحة في معظم الأوقات في مختلف شوارع كابول.

يوضح صخيار: "كل يوم أحد، يجتمع ممثلو الأحياء مع سلطات "طالبان" في المدينة لمناقشة مواضيع متنوعة. حتى الآن، لم تقع أي مشاكل ويحرص المسؤولون في "طالبان" على التعاون معنا بأفضل الطرق".

تــــــداعــــــيــــــات أخــــــرى؟

لم يتّضح بعد مستوى التداعيات المرتقبة بعدما قررت "طالبان" السماح بتنظيم انتخابات ممثّلي الأحياء في كابول.

يقول باركزاي: "في بلدية كابول، تقتصر الانتخابات على وكلاء الأحياء ولا تختار أي مسؤولين آخرين". وعند سؤاله عن احتمال أن تتكرر انتخابات كابول في بلدات أخرى، أو على مستوى الولايات أو المحافظات، أو على الصعيد الوطني ككل، رفض التعليق على الموضوع لأن هذه المسألة تبقى خارج صلاحياته. كذلك، لم يصدر أي جواب على رسائل متعددة تلقاها متحدثان باسم "طالبان" على المستوى الوطني طوال أسابيع عدة لتوضيح هذه المسألة.

في مطلق الأحوال، يخطئ من يعتبر انتخاب ممثلي الأحياء في كابول بداية لعهد "طالبان" الديمقراطي. في هذا السياق يقول إبراهيم بحيص، مستشار متخصص بشؤون أفغانستان في "مجموعة الأزمات الدولية": "حتى الآن، تعارض حركة "طالبان" نشوء إمارة مبنية على الانتخابات بشكلٍ قاطع. بما أن الانتخابات تبقى نقيضاً للمبادئ التي تتمسك بها "طالبان"، يصعب أن تنظّم الحركة أي نوع من الانتخابات البلدية بلا مبرر. لهذا السبب، تستعمل "طالبان" هذا النوع من الاستحقاقات على الأرجح لاختبار منافع الانتخابات في مناصب أدنى مستوى في حكومتهم".

عبّر أندرو واتكينز، خبير مرموق في الشؤون الأفغانية في المعهد الأميركي للسلام، عن أفكار مشابهة فقال: "بفضل هذه الانتخابات البلدية منخفضة المستوى، تُقيّم "طالبان" على الأرجح ردة فعل المجتمع الدولي وتختبر مدى قدرة هذه المبادرات على منحها الإشادة باعتبارها حريصة على توسيع هامش "الحُكم الشامل". أو ربما تريد الحركة تحسين مكانتها وسط سكان المدن حيث تتراجع تجاربها كسلطة ناشطة. حتى أن "طالبان" قد ترغب في طرح أشكال مقبولة ثقافياً من الحُكم التمثيلي، أو تدّعي فعل ذلك على الأقل، أمام أعضائها ومناصريها. لكن لم يتّضح بعد إلى أي حد تُحقق هذه التجربة الظاهرية أياً من تلك الأهداف".

بغض النظر عن الدوافع الكامنة وراء الانتخابات، يبقى هذا الاستحقاق حالة استثنائية حتى الآن، أو لم تصدر على الأقل أي تقارير عن إجراء انتخابات مشابهة في أماكن أخرى. أكدت مصادر مطّلعة في مدن أفغانية كبرى، في شهر آذار، على إقدام "طالبان" على تعيين ممثلين عن الأحياء بشكلٍ أحادي الجانب وعدم السماح بانتخابهم.

استخف أحد مناصري "طالبان" بمعنى انتخاب ممثلي الأحياء، فذكر أن هؤلاء المسؤولين يتولون مهامّ إدارية بكل بساطة ولا يستطيعون تشريع القوانين. حتى أنه اعتبر انتخاب المشرّعين مستحيلاً لأن القانون، من وجهة نظر "طالبان"، يحمل طابعاً دينياً مقدساً ولا يمكن أن يُعدّله الناس.

أمام هذا الوضع، لا يمكن اعتبار انتخاب ممثلي الأحياء في كابول مؤشراً على استعداد "طالبان" لتغيير مقاربتها في حُكم البلد. نظراً إلى نشاطات الحركة الداخلية المبهمة، لا تزال هذه المقاربة غامضة في معظمها لكنها استبدادية وتوتاليتارية بكل وضوح. مع ذلك، تثبت الانتخابات الأخيرة أن "طالبان" قد تبدي استعدادها أحياناً للجوء إلى حلول براغماتية في المجالات التي لا تحمل أهمية كبرى.


MISS 3