ريتا ابراهيم فريد

Coup de Marteau لسيرج الجميّل...فنّ من رحم المسامير والخيوط

14 أيار 2022

02 : 00

سيرج الجميل وخلفه تصميم Voyage
بدأ الأمر بـ"دقّة"، وتوالت الدقات. حتى تحوّلت دقة المطرقة فوق المسمار الى دقة قلب، كما يقول سيرج الجميّل في فيديو نشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي. سيرج فنان لبناني شاب، خرّيج هندسة داخلية، حاول البحث عن طريقة مميّزة تساعده على تفريغ طاقاته الإبداعية. فكان مشروع "Coup de Marteau" الذي ابتكره كعمل فنّي يدوي، يصنع من خلاله تصاميم ولوحات مستعيناً بالخيوط والمسامير والخشب. في حديث لـ"نداء الوطن"، تحدّث سيرج عن مشروعه وعن أهمية الطاقات الإبداعية اللبنانية في دعم الإقتصاد الوطني.

ابتكرتَ أسلوباً خاصاً بك في العمل الفني. لماذا وقع اختيارك على المسامير والخيوط بالتحديد؟

أنا أنتمي منذ سنوات الى "حركة الافخارستيا للشباب"، حيث كنّا نصمّم لوحات وقطعاً دينية كثيرة بالمسامير والخيوط. وهو عمل منتشر بكثرة بين الشباب في المخيّمات والنشاطات الدينية أو الكشفية. ولطالما كان يتمّ تسليمي مهمّة هذا العمل، لأني بطبعي أحبّ الفنّ.

لكن منذ حوالى ثلاث سنوات، كنتُ أخطّط لتأسيس عمل مميّز خاصّ بي. فبدأتُ البحث عن نقاط القوّة التي أمتلكها. وانتبهتُ الى أنّي أجيد العمل في هذا النوع من التصاميم وأحبّه. فسعيتُ الى تطوير معرفتي فيه وابتكار أساليب مميّزة كي أكون مبدعاً. ولم أكن أتخيّل أن الأمر سيتطوّر بهذه السرعة. فقد بدأت الفكرة بتشجيع من الأهل والأصدقاء، ثم لاقى المشروع انتشاراً واسعاً ونال إعجاب الكثيرين وحصد دعماً كبيراً.

عادةً تكون هناك علاقة قويّة بين الفنان وبين أدوات عمله. كيف تصف علاقتك مع الخيوط والمسامير والخشب؟


علاقتي بدأت مع الخشب منذ صغري، إذ كنتُ أحبّ "شغل الخشب" وكل ما هو مرتبط به. فكنتُ آتي بخشبة عادية وأبدأ الحفر والنحت بها كي أحوّلها الى شكل مميّز. كما أنّي أعشق الألوان، وتربطني علاقة رائعة مع الخزانة التي أضع فيها الخيوط الملوّنة وأدوات العمل. هي خزانة قديمة قمتُ بترميمها. أهتمّ بها باستمرار، وأحاول قدر الإمكان أن أحافظ على ترتيبها، رغم يقيني بأنّ الفنان بحاجة أحياناً الى القليل من الفوضى.

لديّ أيضاً المطرقة الخاصّة بي والتي لا يمكنني أن أستخدم سواها. وبالرغم من أنّها أصبحت اليوم "تعبانة"، فهي المطرقة نفسها التي بدأت معي، لكني أريدها أن تكمل معي. لا يمكنني العمل إلا بهذه المعدّات التي باتت صديقة ورفيقة لي.

أودّ أن أشير أيضاً الى العلبة. فمشروعي هذا بدأ بعلبة صغيرة قبل أن أفتتح المشغل. حينها كنتُ ما زلتُ في مرحلة اكتشاف الأدوات التي أحتاج إليها، فكنتُ أجمعها داخل هذه العلبة التي كانت ترافقني أينما ذهبت، وما زلتُ أحتفظ بها حتى اليوم.

كيف تشعر حين تحوّل المواد الجامدة الى أشكال وتصاميم جميلة؟

أشعر تجاه أي قطعة أصمّمها وكأنّي أقوم بهذا العمل للمرة الأولى، حتّى لو كنت قد صمّمتُ الكثير من القطع المشابهة لها. فأنا أحوط جميع القطع واللوحات بالكثير من الحب. أنظر إليها وأراقب تفاصيلها. هذا ما يميّز العمل اليدوي عن ما تقوم به الآلات. فهُنا لكلّ قطعة فرادتها ومميّزاتها، كما نقاط قوّتها ونقاط ضعفها.

من اللافت أنّ هناك تنوّعاً في العمل الذي تقدّمه، بين تصاميم المناسبات الدينية وصور القديسين، وبين اللوحات الخاصة بالمواليد الجدد وغيرها... من أين تستوحي مواضيعك؟

أستوحيها من الحياة اليومية. فعملي بحدّ ذاته تحوّل الى نمط حياة. وعند رؤيتي أي غرض أو مشهد، بتّ أتخيّل فوراً كيف يمكنني تجسيده بطريقتي الخاصة ومن خلال فني. مثلاً، ارتديتُ ذات مرة ربطة عنق "papillon" في أحد الأعراس. راقبتُها وفكّرت كيف سأجسّدها وأي نوع من المسامير سأختار لها مع الألوان المناسبة، وبالفعل قمتُ بذلك وبدأتُ العمل على هذه التصاميم.

مع الإشارة الى أنّي درستُ الهندسة الداخلية في الجامعة. وكان من ضمن أهدافي كيفية دمج اختصاصي الجامعي مع شغفي بالفنّ. من هُنا، هناك توجّه واضح في اختياري للمواضيع، حيث أني أسعى للتوسّع في التقنية التي أعتمدها، وأن أدخلها الى المنازل حتى تصبح أليفة مع حياتنا اليومية.

خريطة العالم "Voyage" هي من بين أعمالك اللافتة التي استوقفتنا. ما قصّتها؟

الى جانب عملي، أنا مولع بالسّفر وباكتشاف أماكن وحضارات وثقافات جديدة. هذه الخريطة توجّهتُ من خلالها الى كل من يشبهني في ولعي بالسفر، والى كل من وضع نصب عينيه أهدافاً كبيرةً يسعى الى تحقيقها.

هي خريطة كبيرة للقارات، قياسها حوالى متر ونصف. وهي أول مشروع نفّذته في إطار الدمج بين دراستي الجامعية وبين شغفي بالفن. ويمكن لكل من يمتلك هذه الخريطة أن يضع "pins" في مكان البلدان التي زارها. فحين نرى أمامنا أهدافنا التي تحقّقت، نسارع الى وضع أهداف جديدة.



من تصاميم سيرج الجميّل


برأيك هل يمكن لهذه المبادرات الفردية والإبداعية أن تشكّل عنصراً أساساً في دعم الاقتصاد اللبناني؟

بالطبع. فنحن في لبنان لدينا طاقات إبداعية ومواهب فنّية غير موجودة في بلدان أخرى.

لذلك نلاحظ أنّ هناك طلباً كبيراً على الأعمال اليدوية والفنية اللبنانية. التصدير الى الخارج مهمّ جداً، فبالإضافة الى أنه يساهم في انتشار الفنان اللبناني وتوسيع شهرته كي يصبح معروفاً عالمياً، لكنه مفيد جداً في دعم الوضع الإقتصادي الصعب الذي نعيشه اليوم. لا بدّ من الإشارة هُنا الى أني تلقيتُ دعماً كبيراً من المغتربين اللبنانيين.

كيف يمكن لعملك أن يساعدك على التفلّت من الواقع الصعب الذي نمرّ به اليوم؟

العمل بحدّ ذاته يشكّل خروجاً من الواقع، شرط أن يكون عملاً نحبّه. في البداية كان هدفي أن أخلق لنفسي مهنةً لا تلزمني بوظيفة أو بدوام معيّن. لكنّي "علقت" بهذا العمل الذي يشغلني 24 على 24 (ضاحكاً). يجب أن تكون مهنة الإنسان نابعة من شغف وحب، وإلا يتحوّل عمله الى سجن. حين أتوجّه الى ورشتي الصغيرة وأجلس بين المسامير والخشب والألوان، أشعر بالراحة النفسية، حيث أني أجد هُنا عالمي الخاص الذي أرتاح فيه.