داني بهار

اللاجئون منبع فرص في الدول المضيفة

16 أيار 2022

المصدر: Foreign Affairs

02 : 00

عضو في المفوضية الإسبانية لمساعدة اللاجئين تحمل طفلاً أوكرانياً - إسبانيا، نيسان 2022
على مر الشهرَين اللذين تليا الغزو الروسي لأوكرانيا، هرب أكثر من خمسة ملايين مواطن أوكراني من منازلهم وبحثوا عن ملجأ آمن لهم في دول أخرى. إنها واحدة من أسرع موجات الهجرة الجماعية في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية. في المقابل، احتاج خمسة ملايين سوري إلى أربع سنوات لمغادرة بلدهم بعد اندلاع الحرب الأهلية في العام 2011، واحتاج العدد نفسه من الفنزويليين إلى أكثر من أربع سنوات للهرب غداة تفاقم الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في بلدهم بعد العام 2014. لكن من المتوقع أن يزيد عدد الهاربين من أوكرانيا للأسف تزامناً مع استمرار الحرب، وقد ينضم عدد كبير من الرجال الأوكرانيين إلى عائلاتهم بعد بقائهم في بلدهم للقتال في المراحل الأولى من الصراع.

انطلاقاً من تجارب الأفغان، وجماعة الروهينجا، وسكان جنوب السودان، والسوريين، والفنزويليين، ولاجئين من دول أخرى، من المتوقع أن يطلق المجتمع الدولي رداً مزدوجاً على ظاهرة هرب الأوكرانيين. على المدى القصير، سيحشد العالم قوته لتقديم الدعم الإنساني إلى اللاجئين على نطاق واسع (هذا ما يحصل اليوم) بدءاً من لحظة عبورهم الحدود. لكن على المدى المتوسط والطويل، ستبدأ الدول النقاش حول الجهات التي يُفترض أن تتحمّل أعباء الاعتناء بالنازحين الأوكرانيين. سبق وبدأت الحكومات المحلية في بولندا، التي تستضيف حوالى مليونَين ونصف لاجئ أوكراني، بدعوة الدول الأخرى إلى استقبال أعداد إضافية. قد يكون دعم الرأي العام لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين كبيراً جداً، لا سيما مقارنةً بالمواقف العامة من اللاجئين السوريين في العام 2015، لكن تكشف الأبحاث أن هذا الدعم سيتراجع مع مرور الوقت.

يزيد اللاجئون النفقات حتماً، إذ تترافق المساعدات الإنسانية (مواد غذائية، أماكن الإقامة) وخدمات التعليم والصحة الفورية مع تكاليف معيّنة. لكن تشكّل هذه التكاليف استثمارات قصيرة الأمد. على المدى المتوسط والطويل، يقدّم اللاجئون فرصاً هائلة كونهم قادرون على إطلاق نشاطات اقتصادية جديدة قد تعوّض عن النفقات الفورية. هم يحملون أيضاً مهارات جديدة إلى الاقتصادات، ما يؤدي إلى زيادة رواتب سكان البلد. قد يؤسسون الشركات بمعدلات أعلى من السكان المحليين مثلاً، ما يعني خلق فرص عمل جديدة، وقد يقيمون علاقات دولية قادرة على تحسين التجارة والاستثمارات الخارجية، وهو عامل أساسي لإعادة بناء الدول التي تستقبل الهاربين. هذه الظروف كلها تنعكس إيجاباً على نمو الناتج المحلي الإجمالي. لكن لاستغلال كامل قدرات اللاجئين الأوكرانيين، تحتاج الدول المضيفة إلى سياسات تسمح للوافدين الجدد بالمشاركة في الاقتصاد، ما يُسهّل عليهم الاندماج في المجتمع أيضاً.

يعطي المهاجرون بمختلف أنواعهم مكاسب اقتصادية معينة. لكن تميل الشعوب عموماً إلى تقبّل المهاجرين واللاجئين إذا كانوا يحملون شهادات جامعية. في الاقتصادات الأكثر تقدماً، بما في ذلك الاقتصاد الأميركي، يدعم أكثر من 60% من السكان هجرة أصحاب المهارات العليا. هم محقون لأن المهاجرين الماهرين يفيدون الدول كثيراً. لكن يأتي اللاجئون الذين يفتقرون إلى الشهادات الجامعية ليُكمّلوا اليد العاملة المحلية بطرقٍ تفيد جميع الأطراف. لن يحصل ذلك على حساب السكان المحليين، كما يظن البعض. حللت دراسة دنماركية مثلاً الأثر الاقتصادي لموجات عدة من حركة اللاجئين بين العامين 1991 و2008، وكان 70% منهم لا يحملون أي شهادة جامعية، فتبيّن أنهم يطلقون حركة مهنية تصاعدية للسكان المحليين لأن اللاجئين يميلون إلى العمل في مِهَن يرفض معظم السكان القيام بها، بما في ذلك الأعمال التي تتطلب جهداً جسدياً. بعد بدء تدفق اللاجئين، انتقل السكان المحليون لأداء وظائف أكثر تعقيداً وذات رواتب أعلى. باختصار، تكشف الأبحاث أن أبسط الأشخاص قادرون على المساهمة في الاقتصاد.

قد يصبح الأوكرانيون إذاً ميزة إيجابية في الاقتصادات التي ترحّب بهم وبغض النظر عن مستواهم العلمي. ينطبق ذلك أيضاً على عدد كبير من الروس الهاربين من بلدهم بسبب سياساته الشائكة. لكن للاستفادة من تدفق الوافدين، يجب ألا تكتفي الدول باستقبال أعداد كبيرة من اللاجئين، بل تبدأ بتنفيذ السياسات المناسبة أيضاً.

في المقام الأول، يجب أن تعطي الدول حرية التنقل للاجئين وتسمح لهم بالوصول إلى أسواق العمل. غالباً ما تكون هذه السياسة الأصعب من حيث التنفيذ نظراً إلى النظرة الخاطئة التي يحملها الكثيرون حول المهاجرين، باعتبارهم السبب في سرقة الوظائف من السكان المحليين وتخفيض أجورهم. لكن يؤدي إبقاء اللاجئين خارج سوق العمل أو احتجازهم داخل مخيمات إلى نتائج سلبية. لم تبدأ تركيا مثلاً بمنح اللاجئين السوريين تصاريح عمل قبل العام 2016، أي بعد خمس سنوات على بدء وصولهم إليها. خلال تلك السنوات كلها، اضطر ملايين السوريين المقيمين في تركيا لملازمة منازلهم أو الانخراط في أسواق العمل غير الرسمية. أدت هذه المعادلة إلى خسارة جميع الأطراف، فهي تعني استبعاد أعداد هائلة من الناس القادرين على تقديم مساهماتهم إلى المجتمع التركي. لم يكن اللاجئون العاملون يدفعون أي ضريبة دخل، ما يُصعّب عليهم المساهمة في تحسين الوضع المالي المحلي. سرعان ما ترسّخت حلقة مفرغة. تابع القطاع غير الرسمي في تركيا ازدهاره، ما يعني زيادة مظاهر قلة الكفاءة التي أبطأت النمو الاقتصادي.

في الوقت نفسه، يجب أن تمنح الحكومات إقامة شرعية طويلة الأمد (أو حتى دائمة في الحالة المثلى). سمحت كولومبيا للاجئين الفنزويليين فيها بالاستفادة من خدمات الرعاية الصحية والتعليم وأسواق العمل منذ بدء أزمة اللاجئين تقريباً، لكن بقيت هذه المنافع محدودة لأن تصاريح الإقامة الخاصة في كولومبيا اقتصرت على سنتين. كانت تلك الإقامة قابلة للتجديد، لكن وجد الفنزويليون صعوبة في إيجاد الوظائف لأن أرباب العمل لم يعتبروا هذه الخطوة من التدابير التي تستحق المجازفة. سرعان ما تعلّمت كولومبيا هذا الدرس وبدأت تمنح الفنزويليين صفة الحماية الرسمية لمدة عشر سنوات.

لا تبدو بداية تعامل الولايات المتحدة والدول الأوروبية مع اللاجئين الأوكرانيين واعدة اليوم. أعلن البيت الأبيض أنه مستعد لاستقبال حتى 100 ألف منهم (إنه عدد منخفض على نحو مخجل) عبر نظام الإفراج المشروط لأغراض إنسانية، وهو يفرض على اللاجئ أن يكون له كفيل أميركي ويحصر مدة إقامته بسنتين. في المقابل، أعطت أوروبا إقامة مدتها سنة واحدة ويمكن تجديدها لمدة تصل إلى ثلاث سنوات. لكنّ طبيعة هذه التدابير الموقتة تمنع الأوكرانيين من المشاركة في الاقتصاد بالشكل المناسب، ما يعني إضعاف قدراتهم الإجمالية.

لكنّ منح اللاجئين مكانة طويلة الأمد يبقى جزءاً بسيطاً من الحل. لتسخير قوة اللاجئين بأفضل الطرق، يجب أن تتولى البلدان المضيفة، وحتى الدول المانحة عن طريق وكالات الإغاثة الأجنبية أو مؤسسات متعددة الأطراف مثل البنك الدولي، تمويل مشاريع تحديث المدارس والمستشفيات والطرقات وحتى أنظمة الاتصالات. كذلك، يجب أن تقدّم الحكومات ائتمانات ضريبية إلى الشركات في المناطق التي يتركّز فيها اللاجئون لتوظيف عدد إضافي من العمال، علماً أن جزءاً كبيراً منهم قد يكون من الوافدين الجدد.






هذا ما قامت به الحكومة الكولومبية في العام 2018، حين قدّمت خطوط ائتمان بقيمة 30 مليون دولار إلى القطاع الخاص لتمويل استثمار الرساميل في مناطق تشمل أعداداً كبيرة من المهاجرين الفنزويليين. لكن يجب أن تكون المبالغ أكبر من تلك التي خصّصتها كولومبيا كي تعطي مفعولها. يُفترض أن تحاول الحكومات أيضاً الجمع بين اللاجئين وأرباب العمل عبر تغيير مواقع اللاجئين طوعاً ونقلهم إلى مناطق تحتاج إلى مهاراتهم. تترافق هذه البرامج كلها مع تكاليف مسبقة، لكن تستحق هذه الاستثمارات العناء. الاندماج يصنع العجائب كونه يُسهّل تحوّل اللاجئين إلى أعضاء منتجين في بلدانهم الجديدة.

هذه العملية قد تساعد أوطان اللاجئين أيضاً. في بداية التسعينات، استقبلت ألمانيا 700 ألف نازح من يوغوسلافيا. تكشف الأبحاث أن القطاعات التي قدّمت أفضل أداء في دول يوغوسلافيا السابقة خلال السنوات اللاحقة هي القطاعات التي عمل فيها هؤلاء اللاجئون أثناء وجودهم في ألمانيا. هم يدينون جزئياً للمعارف والممارسات التي اكتسبوها هناك. كذلك، أنشأ 1.4 مليون لاجئ فيتنامي وصلوا إلى الولايات المتحدة بين العامين 1975 و1994 شبكات تجارية دولية انعكست إيجاباً على الاستثمارات الأميركية في فيتنام وعلى العلاقات التجارية بين البلدَين. إذا كان العالم يهتم فعلاً بإعادة بناء أوكرانيا، فيجب أن يسعى إذاً إلى دمج اللاجئين الأوكرانيين في الدول الأخرى قدر الإمكان بدل السير في الاتجاه المعاكس.

باختصار، يجب أن تنشغل الدول بالترحيب بالأوكرانيين الهاربين. يُفترض أن تقوم بذلك خدمةً لمصلحة اللاجئين الذين يحتاجون إلى الأمان والاستقرار، لكنه تدبير مهم أيضاً للدول المضيفة. إنها خطوة أساسية من أجل مستقبل أوكرانيا واللاجئين عموماً، فتستفيد هذه الجماعات حينها من نظامٍ مُصمّم لاستقبال النازحين ومساعدتهم على تحقيق الازدهار.