جيل جديد من لقاحات السرطان للقضاء على الأورام قبل نشوئها

02 : 00

أصبحت اللقاحات التي تمنع أنواعاً معينة من السرطان متاحة، وهي تستهدف الفيروسات. لكن لا تكون معظم أمراض السرطان فيروسية بطبيعتها. من المنتظر أن تصبح تجربة اللقاح المضاد لمتلازمة "لينش" أول اختبار عيادي على لقاحٍ يهدف إلى منع مرض سرطاني غير فيروسي.

تقضي هذه العملية بضخ أجزاء بروتينية، أو مستضدات، من خلايا سرطانية في الجسم لتحفيز جهاز المناعة ودفعه إلى مهاجمة أي أورام أولية. اليوم، تسعى فِرَق بحثية متعددة، بما في ذلك فريق يموّله "الائتلاف الوطني لسرطان الثدي"، إلى اختبار لقاحات وقائية على أشخاص أصحاء أحياناً لكنهم يكونون معرّضين وراثياً لسرطان الثدي وأمراض سرطانية أخرى. يُفترض أن تعطي اللقاحات أفضل مفعول ممكن لدى أفراد لم يصابوا يوماً بالسرطان.

يجرّب الباحثون في الوقت الراهن استراتيجيات متعددة. يستعمل بعضها مستضدات الورم، وهي مؤشرات جزيئية نادرة تقع في الخلايا السليمة لكنها مليئة بخلايا سرطانية. في المقابل، يستهدف لقاح "لينش" مستضدات جديدة: إنه نوع قوي من المستضدات الموجودة على خلايا الورم حصراً. يستخدم البعض مستضداً واحداً، ويستعمل البعض الآخر عدداً كبيراً منها لتوسيع هامش الحماية من السرطان. لم تتضح بعد أفضل مقاربة ممكنة، ويجد المبتكرون صعوبة في قياس نجاحهم من دون انتظار مرور عقود قبل أن يصاب الأشخاص الأصحاء بالسرطان.






في مطلق الأحوال، تبدو التجارب الأولية واعدة. إذا منعت هذه المقاربة نوعاً من السرطان أو أكثر، يمكن توسيعها لتحقيق هدف طموح تكلم عنه الرئيس الأميركي جو بايدن: تطوير لقاح مستوحى من لقاحات الحمض النووي الريبي المرسال التي كافحت جائحة كورونا لمنع أنواع عدة من السرطان.

يحاول فريق عالِم الأورام والوراثة، إدواردو فيلار سانشيز، من "مركز أندرسون للسرطان" اختبار لقاح أكثر طموحاً، فهو يتألف من فيروسات تم تعديلها كي تنقل الحمض النووي الخاص بـ209 مستضدات جديدة لها علاقة بطفرة انزياح الإطار داخل أورام "لينش". تختلف طريقة تجاوب أجهزة المناعة مع المستضدات الجديدة بين الناس، ولا تنتج مختلف الأورام المجموعة نفسها، لذا يقضي أفضل حل باستعمال مستضدات متنوعة.

يجري العمل على تطوير هذا اللقاح لاستعماله كعلاج بحد ذاته. تستخدمه شركة "نوسكوم" الإيطالية مع علاج مناعي للمصابين بسرطان نقيلي ولحاملي طفرات انزياح الإطار على غرار المصابين بمتلازمة "لينش".

ستبدأ تجربة فيلار سانشيز خلال بضعة أشهر وستعطي اللقاح إلى 45 متطوعاً مصاباً بمتلازمة "لينش"، على أن يُقيّم الباحثون لاحقاً مدى قدرة اللقاح على تحفيز جهاز المناعة وأثره المحتمل على نشوء الأورام الحميدة أو الخبيثة.

إذا بدت النتائج إيجابية، تقضي الخطوة اللاحقة بإطلاق دراسة عشوائية يشارك فيها مئات المرضى وتتراوح مدتها بين خمس وعشر سنوات. يوضح فيلار سانشيز: "تتعدد المنافع المحتملة. لن يُخفّض لقاح السرطان نسبة الخطر بالكامل، لكنه قد يؤثر على وتيرة الفحوصات المطلوبة". حتى أنه قد يُوجّه قرار المرأة حين تفكر بجراحة استئصال الرحم للاحتماء من سرطان بطانة الرحم الشائع لدى المصابات بمتلازمة "لينش".

بغض النظر عن المستضدات التي يفضّلها العلماء، يتوقع عدد كبير منهم أن تكون لقاحاتهم الوقائية المقبلة مستوحاة من لقاحات "كوفيد-19" الرائدة التي تستعمل جزيئة دهنية لنقل الحمض النووي الريبي المرسال إلى المستضدات داخل الخلايا. يكون تصنيع وتسليم لقاحات الحمض النووي الريبي أسهل من اللقاحات الفيروسية أو تلك المبنية على الحمض النووي منقوص الأكسجين، وقد أثبت وباء كورونا أنه خيار آمن بشكل عام وقادر على إطلاق ردة فعل قوية.

يعمل الخبير في علم الوراثة العيادي، ستيفن ليبكين، من كلية الطب في جامعة "ويل كورنيل" على ابتكار لقاحات ضد متلازمة "لينش" ويعبّر عن تفاؤل حذر بالوضع. هو يظن أن اللقاح الذي يُخفّض معدلات أمراض السرطان الأكثر شيوعاً بنسبة الثلث أو النصف لدى عدد كبير من الناس سيكون مفيداً للغاية.

بدأ فريق بحثي يختبر لقاحاً للوقاية من أمراض سرطانية عدة، لكنه لم يختبره بعد على البشر بل اقتصرت تجاربه على الكلاب. خلال تجربة مدتها خمس سنوات، أعطى الباحثون 400 كلب في منتصف العمر لقاحاً يحتوي على 31 مستضداً مأخوذاً من ثمانية أورام سرطانية شائعة لدى الكلاب. تلقّى 400 كلب آخر لقاحاً وهمياً. يرتكز اللقاح في هذه التجربة على مستضدات جديدة من الحمض النووي الريبي، وهي جزيئات لم تخضع لدراسات مكثفة بعد، لكنها تشتق من أخطاء في معالجة الحمض النووي الريبي بدل الطفرات الموجودة في الحمض النووي منقوص الأكسجين. يقول عالِم الكيمياء الحيوية، ستيفن جونسون، من "معهد التصميم الحيوي" في جامعة ولاية أريزونا إن هذه اللقاحات، إذا أثبتت فاعليتها، قد تُسهّل تحقيق هدف البيت الأبيض بتطوير لقاح بشري ضد السرطان.

يدعم بيرت فوغلشتاين المتخصص بعلم وراثة السرطان في جامعة "جونز هوبكينز" ابتكار لقاح شامل للوقاية من السرطان. برأيه، أثبتت تجزئة الجينوم أن عدداً صغيراً نسبياً من الجينات يؤثر على نشوء معظم أنواع السرطان، ما يعني أن عدداً محدوداً من المستضدات قد يعطي حماية واسعة. قد يبدو هذا اللقاح أشبه بالخيال العلمي، لكن يظن فوغلشتاين أن المختبرات قد تنجح في تحقيق هذا الهدف إذا وحّدت جهودها.