السنيورة: لاسترجاع الدولة وقرارها الحر

16 : 07


رأى رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة أن "نتائج الانتخابات النيابية كانت مفاجئة ‏للجميع، إذ كانت التوقعات بأن الفرق قد يكون على أصوات قليلة، ‏والتقدير كان أن الفئات المنتمية إلى حزب الله والأحزاب المؤتلفة معه ‏سوف تكون لها الأفضلية بعدد من الأصوات القليلة أكثر مما سيحصل ‏عليه النواب السياديون. ولكن الأمر انقلب إلى عكس ذلك. إذ كانت ‏النتيجة أن القوى السيادية والتغييرية حصلت على أكثرية بحدود 68 ‏مقعداً مقابل حوالي 60 نائبا للفريق الآخر في مجلس النواب. وانجلت ‏المعركة الانتخابية عن سقوط ذريع لعدد من الرموز الأساسية التي ‏كانت تمثل ما يسمى خط الممانعة والتي لها علاقة بحزب الله والنظام ‏السوري".‏

‏ ‏

واعتبر في حديث الى قناة "الحدث" أن "هذا الأمر يحمل معه دلالات ‏كثيرة حول تغير القناعات والمزاج لدى اللبنانيين ولدى المسلمين أيضا ‏بشأن المشكلة الأساس، وهي التي تقضي بوجوب التركيز أيضا وفي ‏هذه المرحلة الخطيرة على موضوع استعادة الدولة اللبنانية من ‏خاطفيها"، مشيرا الى أن "الهيمنة التي يمارسها حزب الله والأحزاب ‏المؤتلفة معه على الدولة اللبنانية وعلى سياساتها وعلى قرارها الحر ‏وعلى إداراتها وأجهزتها قد أدت في المحصلة إلى ممارسات حصلت ‏وتفاقمت على مدى السنوات القليلة الماضية، بما نتج عنه اختلال كبير ‏في التوازنات الداخلية، وكذلك أيضا في التوازنات الخارجية لسياسة ‏لبنان الخارجية وعلاقة لبنان بمحيطه العربي وبالعالم. وهي التي أدت ‏بدورها إلى تأثيرات سلبية كبرى على أكثر من صعيد وطني وسياسي ‏واقتصادي ومعيشي".‏

‏ ‏

ورداً على سؤال عن دعمه بعض القوائم الانتخابية بعيدا عن النتائج ‏التي حققتها، قال السنيورة: "في الواقع أنا دعمت سبعة لوائح انتخابية ‏في سبع مناطق لبنانية. وقد فاز من تلك اللوائح وبإسهام من هذا الدعم ‏سبعة حواصل انتخابية بما مكن تلك اللوائح من الفوز بتلك المقاعد ‏النيابية. واحد في لائحة: "بيروت تواجه"، واثنان في لائحة: "لبنان ‏لنا" في الشمال الثانية، وواحد في لائحة زحلة السيادة، واثنان في ‏لائحة القرار الوطني المستقل في البقاع الغربي وراشيا، وواحد على ‏الأقل في لائحة: "وحدتنا في صيدا وجزين".‏

وقال: "الآن اعتبر أنه وقد انتهى الجهاد الأصغر، فقد بدأ الجهاد ‏الأكبر. ومن ثم، فإن المطلوب الآن استيعاب هذه النتائج ودراستها ‏بهدوء وتبصر ومن منطلقات وطنية وسيادية بعيدا من فورات ‏الابتهاج. يجب أن ننظر إلى أن هناك استحقاقات أساسية قادمة تبدأ ‏بموضوع انتخاب رئيس مجلس النواب ونائب الرئيس، وكذلك أيضا ‏بمن سيكلف أن يكون رئيس الحكومة الجديدة لتأليفها، وكذلك انتخاب ‏رئيس الجمهورية الذي ينبغي أن يحصل خلال الأربعة أشهر القادمة. ‏وبالتالي يجب التنبه إلى أنه عندها أيضا سوف يكون على الحكومة ‏اللبنانية في ذلك الوقت أن تستقيل وأن تتألف بعدها حكومة جديدة. هذا ‏بالإضافة إلى التنبه إلى جملة من المسائل والقرارات الهامة التي على ‏الحكومة اللبنانية أن تحدد مواقفها وقراراتها بشأنها وتتعلق بالشؤون ‏السياسية والاقتصادية والمالية والمعيشية المتفاقمة".‏

‏ ‏

وتابع: "في هذا الشأن، أنا أعتقد انه يجب أن يكون الاتجاه بداية في ‏ضرورة أن نستوعب جميع الدروس الماضية والحالية التي أدت إليها ‏الممارسات السياسية التي حصلت خلال العقد الماضي، والتي أدت إلى ‏تشرذم وتفكك مجموعة 14 آذار، وما جرى بعدها بنتيجة التسوية ‏الرئاسية التي حصلت في العام 2016، وأيضا ما نتج عن صدور ‏قانون الانتخاب السيء والشرير الذي حصل في العام 2017، وما ‏ادى إليه ذلك كله من تداعيات ومضاعفات سلبية على المشهدين ‏الوطني والسياسي في لبنان. الأهم الآن أن يصار إلى تفهم طبيعة ‏وخطورة هذه المرحلة، وهو ما يقتضي بالقوى السيادية إلى ضرورة ‏التخلي عن الشخصانيات والمطامع الشخصية والحزبية التي أسهمت ‏في حصول ذلك السقوط الذريع الذي حصل لمجموعة قوى 14 آذار. ‏ومن ذلك أيضا، ضرورة التفهم لأمر أساسي ومهم ويتركز في وجوب ‏أن نتعالى على الخلافات الصغيرة، وأن نحرص على التمييز ما بين ‏التناقضات الأساسية والتناقضات الثانوية في علاقات تلك القوى مع ‏بعضها بعضا وعلاقتهم مع الآخرين، ومن ثم التركيز على المسألة ‏الأساسية وهي الدولة اللبنانية وأهمية استعادتها من خاطفيها. لأنه ‏وفعليا هنا تكمن المشكلة الأساسية في لبنان، وهي بالفعل مشكلة ‏سياسية، وهي التي أدت إلى استشراء الفساد السياسي وإلى زيادة حدة ‏ضغوط المحاصصة والزبائنية والطوائفية على الدولة اللبنانية".‏

واكد ان "هذا يقتضي من جميع تلك القوى أن تخرج في ممارساتها من ‏هذه المآزق الصغيرة، وأن تخرج مما يسمى ممارسات الأزقة ‏والزواريب السياسية الصغيرة التي أدت إلى نشوب الخلافات بين تلك ‏الجماعات السيادية. وبالتالي أدت إلى تشرذم وتشظي جميع تلك الفئات ‏السيادية في لبنان وبالتالي إلى فشلها. هذا ما يوجب علينا جميعاً ألا ‏نكرر تلك الأخطاء، وأن يكون عملنا وجهدنا وهدفنا واضحا من أجل ‏جمع هذه المجموعات السيادية على إطار وبرنامج سياسي يؤدي إلى ‏التركيز في ممارساتهم السياسية على القضية الأساس لجهة استرجاع ‏الدولة واستعادة قرارها الحر، وكذلك التركيز على المسائل الأساسية ‏التي تتعلق بالصعد الوطنية والسياسية والاقتصادية الأساسية، والبدء ‏باعتماد السياسات والإجراءات الإصلاحية اللازمة لإخراج لبنان من ‏أزماته".‏

‏ ‏

وعما إذا كان يدعو إلى تشكيل جبهة موحدة، قال: "يجب أن يكون ‏التركيز الأساسي قائما على إدراك حقيقة أساسية، وهي أنه لا يمكن أن ‏تتحقق في لبنان المعافاة الاقتصادية والمعيشية للبنان وللبنانيين من ‏دون استعادة سيادة الدولة اللبنانية واستعادتها لقرارها الحر. وهذا ‏يقتضي أن تجتمع تلك الفئات السيادية حول برنامج عمل وأهداف ‏أساسية وقابلة للتحقيق بشأن المواضيع الأساسية. وهذا ما أشرت إليه ‏بضرورة التمييز ما بين التناقضات الأساسية والتناقضات الثانوية في ‏علاقات القوى السيادية بين بعضها بعضا. لأنه إذا فشلنا في ذلك، فإننا ‏سنجد أنفسنا نغوص مرة جديدة في مستنقع عميق لا أمل في الخروج ‏منه. وسوف نصل إلى حالة يجري فيها حرف الانتباه لدى تلك ‏المجموعات وإشغالها في عمليات تسابق محموم لتحصيل مكاسب ‏صغيرة وعلى مواقع معينة، وذلك بعيدا عن المسائل والقضايا ‏الأساسية. وبالتالي يغيب عن بالها عندها القضايا الأساسية التي ينبغي ‏التركيز عليها وإيجاد الحلول المستدامة لها".‏

اضاف: "وجدنا الآن السيد حسن نصر الله يقول لنا تعالوا لنركز الآن ‏على القضايا المعيشية بعيدا من القضايا السيادية المتعلقة بالدولة ‏وسيادتها، وهو يقصد من ذلك تغييب المسألة الأساسية العائدة للدولة ‏اللبنانية ولقرارها السيادي الحر، وبالتالي ان نكتفي عندها بمعالجة ‏ظواهر المشكلات ولا نتطرق للأسباب الحقيقية لتلك المشكلات ‏والمآزق. نحن ندرك أنه لا يمكن الخروج من هذه المآزق إلا بالتركيز ‏على الأمور الأساسية وعلى جوهر المشكلات، وذلك من دون أن نغفل ‏الظواهر المتمثلة بما يعانيه المواطن من أزمات معيشية. انه ومن ‏ضمن هذه المقاربة الشمولية للمشكلات تكون عندها إمكانية لاستعادة ‏ثقة اللبناني بالغد، وأيضا ثقة المجتمعات العربية والدولية بلبنان ‏وباللبنانيين، وبالتالي إمكانية أن يسلك لبنان طريق المعافاة الصحيحة. ‏وهذا الامر وفي جوهره هو مسؤولية تلك القوى السيادية، إذ يتوجب ‏عليها أن تستنهض نفسها وتتعاون في ما بينها من أجل الخروج من هذه ‏المآزق المتكاثرة والمتفاقمة في لبنان".‏

‏ ‏

وأعلن ان "على الجميع أن يتبصر ويتصرف بكثير من الوعي لطبيعة ‏المشكلات التي أصبحت تطبق على لبنان، وكذلك طبيعة المرحلة التي ‏أصبحنا في خضمها الآن. هناك فكرة أعجب بها الكثيرون وتتركز ‏بمقولة: "كلن يعني كلن". وهذا الامر أدى إلى "تجهيل الفعل وتجهيل ‏الفاعل". والطريق الصحيح لمعالجة تداعيات هذه المقولة تكون في ‏وجوب أن ينطلق الجميع من مبدأ أساسي، وهو ألا تكون هناك حصانة ‏على أي مجموعة او فرد كانت له مسؤولية عما حصل في الماضي، ‏والتي تكون قد تسببت بسوء إدارة او هدر. إننا باعتماد هذا المبدأ يمكن ‏أن نريح الجميع في أنه لا يجوز أن تكون هناك حصانة على أي ‏مرتكب في أي أمر يعود إلى إدارة الشأن العام أو المال العام. وبناء ‏على ذلك، تكون هذه القاعدة وتطبق بحزم ومثابرة على أساس ‏المحاسبة والمساءلة المؤسساتية وليست على أسس محاسبة إعلامية ‏وشعبوية يكون القصد منها الاقتصاص من الخصوم السياسيين. وبذلك ‏تتحقق الحوكمة الصحيحة في إدارة شؤون الدولة".‏

وقال: "انطلاقا من اعتماد هذا المبدأ، يجب أن يعود التركيز لدى ‏القوى السيادية على الأمور الجامعة في ما بينها لأنه إذا استمرت ‏التناقضات الصغيرة تحكم علاقاتهم بين بعضهم بعضا، فإن ذلك سوف ‏يؤدي إلى الشرذمة والتفتت والتباعد داخل هذا الصف السيادي. هذا ‏مع العلم أن قوى الطرف الآخر هي بالفعل أكثر انضباطا ووحدة فيما ‏بينها لأن هناك من يدير هذه العملية التوحيدية في ما بينها، وهناك كما ‏يقال قائد الاوركسترا الذي لديه الصلاحية لحسم الأمور. وبالتالي ‏وحتى إذا لم تتوفر لدى هذا الفريق الممانع الأكثرية المطلقة الآن في ‏مجلس النواب، فإن هناك إمكانية لتوحيد مواقفه، وربما تصبح لديه ‏الأكثرية الفعلية بنتيجة تضامن أعضائه بين بعضهم بعضا. هذا ولا ‏سيما أن هناك تناقضات يجري تضخيمها لدى الفريق السيادي ويسعى ‏الآخرون إلى تضخيمها ومفاقمتها، وينزلق بعض السياديين نحو ‏متاهاتها، وبالتالي يصار في المحصلة إلى شرذمة الفريق السيادي، ‏وعندها لا تستطيع هذه القوى السيادية أن تتصدى لتلك المحاولات ‏التي تتقصد بعثرتها وحرفها عن متابعة مسيرتها الإصلاحية الشاملة".‏

‏ ‏

ودعا الى "أن تكون هناك نظرة وطنية حقيقية مستوعبة لكل التجارب ‏والأخطاء وتكون الأمور واضحة لدى الجميع إلى أهمية أن يتمتع ‏اعضاؤها بالرؤية والإرادة، وأن تكون لديها القيادية والشجاعة ‏والصدق في التعامل مع كل هذه الأمور الطاغية. كل هذه القضايا ‏يجب أن تكون واضحة للجميع، إذ يجب عليها أن تنهض سوية، وأن ‏تؤمن بأن لديها القدرة على استنهاض اللبنانيين نحو إيجاد حلول حقيقية ‏لهذه المشكلات المتفاقمة على أكثر من صعيد وطني وسياسي ‏واقتصادي ومعيشية، توصلا إلى استعادة الدولة اللبنانية. وإلا وفي ‏حال استمر التقاعس والانكفاء، فإننا سوف نعود إلى الخلافات التي لا ‏طائل منها، وبالتالي لا يمكن لها أن تكون هذه القوى قادرة على ‏التصدي لهذه المآزق الكبرى".‏

وشدد على "التنسيق والتواصل والتفاهم المستمر على الأولويات لدى ‏القوى السيادية في ما خص هذه المواقع. وبالتالي أن تكون هذه الأمور ‏متفاهم عليها لدى الجميع لأنه ما لم يكن هناك تنسيق وتعاون، ويكون ‏ذلك مبنيا على فهم طبيعة المرحلة وطبيعة المشكلات، وعلى تحديد ‏دقيق للأولويات، فإن ذلك سوف يكون مستحيلا وسيدخل لبنان عندها ‏في متاهات تزيد من حدة المعاناة وبالتالي إلى المزيد من التراجع ‏والانهيارات".‏

وأشار الى ان "الاطراف التي ينبغي ان تمثل هي الفئات التغييرية ‏والفئات المؤمنة بالتغيير وباستعادة سيادة لبنان ولقراره الحر ولحوكمة ‏إدارته الحكومية وباحترام مصالح لبنان واللبنانيين في علاقاتهم مع ‏أشقائهم وأصدقائهم واحترام الشرعيتين العربية والدولية". ‏

وقال: "لقد أظهرت طبيعة النتائج التي انجلت عنها الانتخابات، أن ‏هناك مجموعة من النواب التي يمكن أن تنضوي وتتفق على موقف ‏سياسي أساسي ومن ضمنها القوات اللبنانية والكتائب والحزب التقدمي ‏الاشتراكي واللقاء الديموقراطي والمجموعات السيادية التي تنتمي إليها ‏مجموعة كبيرة من التغيريين والمؤمنين بهذه المبادئ، وتكون ‏الممارسة الفعلية قائمة على الالتزام بهذه المبادئ وتكون ممارساتها ‏قائمة على التعالي على التناقضات الثانوية. هذا هو جوهر المشكلات ‏التي يعاني منها لبنان، وبالتالي تكون ضرورة العودة إلى التصويب ‏على ما يسمى حقيقة المشكلات في المواضيع السياسية الأساسية، ‏والذي يجب علينا أن نعطيها الأهمية وأن يتركز العمل على استعادة ‏الدولة اللبنانية لقرارها الحر بوجود دولة واحدة على جميع الأراضي ‏اللبنانية، بعيدا عن ازدواجية السلطة وعن ممارسات الهيمنة التي ‏يمارسها حزب الله ومن ورائه إيران من دون أي إغفال للقضايا ‏الحياتية والمعيشية التي يئن اللبنانيون من أوجاعها".‏

وعن سلاح حزب الله، قال السنيورة: "ان المشكلات المعيشية لدى ‏اللبنانيين هي طاغية إلى حد كبير. ولكن علينا ان ندرك أن التوصل إلى ‏حلول لهذه المشكلات الطاغية لا يمكن أن يحصل إذا لم يتواكب معها ‏الإجراء والتقدم على مسارات المعالجات الأساسية للقضايا التي أدت ‏إلى هذه الانهيارات، وبالتالي وفي حال انتفاء ذلك تكون هذه ‏المعالجات مقتصرة على معالجة مظاهر المشكلات وليس معالجة ‏جوهرها، وبالتالي تصبح هذه المعالجات قاصرة عن إيجاد الحلول ‏الحقيقية والدائمة لهذه المشكلات، لا بل ويؤدي إلى المزيد من تضييع ‏الجهود والتفريط بالفرص التي قد تتاح الآن للبنان واللبنانيين".‏

MISS 3