ستايسي بيتيجون ‏

الصراع بسبب تايوان قد يطلق حرباً نووية

28 أيار 2022

المصدر: Foreign Affairs

02 : 05

الرئيس الأميركي جو بايدن يتحدث مع نظيره الصيني شي جين بينغ ‏
زاد الغزو الروسي لأوكرانيا احتمال اندلاع حرب نووية، فقد وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته النووية في حالة تأهب قصوى وحذّر من وقوع "عواقب غير مسبوقة" إذا حاولت أي أطراف خارجية التدخل في الحرب. كان مبرراً أن تصل هذه التهديدات باستعمال القوة إلى عناوين الصحف وتثير اهتمام المسؤولين في واشنطن. لكن إذا حاولت الصين غزو تايوان بالقوة وهبّت الولايات المتحدة لمساعدة تايبيه، قد تفوق مخاطر التصعيد المتوقع عتبة الاضطرابات الراهنة في أوروبا.

زاد الغزو الروسي لأوكرانيا احتمال اندلاع حرب نووية، فقد وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته النووية في حالة تأهب قصوى وحذّر من وقوع "عواقب غير مسبوقة" إذا حاولت أي أطراف خارجية التدخل في الحرب. كان مبرراً أن تصل هذه التهديدات باستعمال القوة إلى عناوين الصحف وتثير اهتمام المسؤولين في واشنطن. لكن إذا حاولت الصين غزو تايوان بالقوة وهبّت الولايات المتحدة لمساعدة تايبيه، قد تفوق مخاطر التصعيد المتوقع عتبة الاضطرابات الراهنة في أوروبا.

أجرى "مركز الأمن الأميركي الجديد" محاكاة حديثة للحرب، بالتعاون مع برنامج Meet the Press على قناة NBC، فاتضح أن هذا الصراع قد يخرج عن السيطرة سريعاً. شملت هذه المحاكاة أزمة خيالية في العام 2027، وكانت تهدف إلى تحليل تصرفات الولايات المتحدة والصين في مجموعة من الظروف. أثبتت التجربة أن تحديث الجيش في الصين، وتوسيع ترسانتها النووية، والأهمية التي تعطيها بكين لضمّ تايوان، يعني أن الصراع بين الصين والولايات المتحدة قد يتخذ منحىً نووياً على أرض الواقع.

بكين تعتبر تايوان جمهورية انفصالية. وإذا قرر الحزب الشيوعي الصيني غزو الجزيرة، قد يعجز قادته عن تقبّل الخسارة من دون إضعاف شرعية النظام. لهذا السبب، قد يبدي الحزب الشيوعي الصيني استعداده لأخذ مجازفات كبرى وإنهاء الصراع بشروط مقبولة، ما يعني إقناع الأميركيين وحلفائهم بأن تكاليف الدفاع عن تايوان تفوق منافع التصدي للغزو. تتعدد الوسائل التي تملكها الصين لتحقيق هذا الهدف، لكن قد يكون استخدام الأسلحة النووية الأكثر فاعلية بينها، من وجهة نظر بكين، لإبقاء الولايات المتحدة خارج الصراع.

تحضيرات المعركة بدأت

بدأت الصين منذ عقود تُحوّل جيش التحرير الشعبي إلى "جيش بمستوى عالمي"، كما قال الرئيس الصيني شي جين بينغ يوماً، ما يعني أنه يستطيع هزم أي طرف ثالث يهبّ للدفاع عن تايوان. ترتكز استراتيجية الصين لخوض الحروب على جمع القدرات اللازمة لاستعمال القوة العسكرية التقليدية على بُعد آلاف الأميال لمنع الجيش الأميركي تحديداً من التصدي للهجوم الصيني ضد تايوان. في غضون ذلك، تحصل بكين على نفوذ قسري بفضل ترسانتها النووية المتوسّعة، وقد تحظى بقدرات جديدة لخوض المعارك، ما يزيد مخاطر الحرب والتصعيد.

كانت الصين تملك تاريخياً مئات الأسلحة النووية البرية. لكن رصد علماء نوويون، من "مركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار النووي" و"اتحاد العلماء الأميركيين"، ثلاثة حقول قيد البناء للصواريخ في منطقة "شينجيانغ". وذكرت صحيفة "فاينانشل تايمز" أن الصين اختبرت على الأرجح طائرات شراعية تفوق سرعتها سرعة الصوت كجزءٍ من نظام قصف مداري يستطيع التهرب من الدفاعات الصاروخية وإيصال الأسلحة النووية إلى مواقع في الولايات المتحدة. كذلك، تتوقع وزارة الدفاع الأميركية أن تحصل الصين، بحلول العام 2030، على ألف رأس حربي قابل للتسليم، أي أكثر من العدد الذي تملكه راهناً بثلاثة أضعاف. انطلاقاً من هذه التوقعات، قد يظن القادة الصينيون أن جيش التحرير الشعبي سيحقق خلال خمس سنوات مكاسب تقليدية ونووية كافية لخوض الحرب الرامية إلى ضم تايوان والفوز بها.

في لعبة محاكاة الحرب الجديدة، تولى أعضاء في الكونغرس، ومسؤولون حكوميون سابقون، وخبراء في هذا الملف، اتخاذ قرارات حاسمة بشأن الأمن القومي في الصين والولايات المتحدة، وسرعان ما استنتجت هذه التجربة أن الحرب الأميركية الصينية المحتملة قد تتفاقم سريعاً. تبيّن مثلاً أن البلدَين قد يتشجّعان على استهداف القوات العسكرية في أرض الخصم. كانت هذه الضربات مدروسة في اللعبة لتجنب تصعيد الوضع. حاول الطرفان الحفاظ على توازن شائك عبر الاكتفاء بمهاجمة الأهداف العسكرية. لكن تجاوزت تلك الهجمات الخطوط الحمراء للبلدَين وأطلقت جولة اعتداءات متبادلة، فتوسّع بذلك نطاق الصراع وزادت حدّته.

خلال تجربة المحاكاة، أطلقت الصين أيضاً هجوماً استباقياً ضد قواعد أميركية مهمة في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ. استهدفت تلك الاعتداءات غوام لأن القاعدة الموجودة فيها تُعتبر أساسية لتنفيذ العمليات العسكرية الأميركية في آسيا، وقد اعتبرها الفريق الصيني هدفاً مناسباً لأنها لا تقع في الولايات المتحدة وتبقى عواقبها أقل من تداعيات مهاجمة أهداف محتملة أخرى. رداً على ذلك الهجوم، استهدفت الولايات المتحدة السفن العسكرية الصينية في الموانئ والمنشآت المحيطة بها، لكنها امتنعت عن إطلاق هجمات أخرى ضد بر الصين الرئيسي. لكن اعتبر الطرفان تلك الاعتداءات هجوماً ضدهما. وبدل التعبير عن مخاوفهما، برّر كل فريق تحرّكاته باعتبارها حاجة عسكرية محدودة بطبيعتها ووضعها الطرف الآخر في الخانة نفسها. أدت الردود على الضربات الأولية إلى تصعيد الوضع حين ردّ الفريق الأميركي على التحركات الصينية عبر استهداف بر الصين الرئيسي، ثم ردّ الفريق الصيني على ضربات واشنطن عبر مهاجمة مواقع في هاواي.

نحو حقبة جديدة

توصّلت محاكاة الحرب إلى استنتاج مقلق آخر: أدركت الصين أنها تحتاج إلى التهديد باستعمال الأسلحة النووية منذ البداية لمنع وصول أي دعم خارجي إلى تايوان. تكرر هذا التهديد على مر المحاكاة، لا سيما بعد تعرّض بر الصين الرئيسي للهجوم. أحياناً، كانت الجهود الرامية إلى إضعاف عزيمة واشنطن وتشجيعها على الانسحاب من الصراع تحظى باهتمام الفريق الصيني أكثر من غزو تايوان بحد ذاته. لكن وجدت الصين صعوبة في إقناع الولايات المتحدة بمصداقية تهديداتها النووية. على أرض الواقع، قد يؤثر تغيّر الوضع النووي ومستوى جهوزيته في الصين على آراء الدول الأخرى، ما يعني أن تهديداتها النووية قد لا تُعتبر جدّية نظراً إلى عقيدتها المعلنة بشأن الامتناع عن شن أول ضربة نووية، وحجم ترسانتها الناشئة، وافتقارها إلى الخبرة اللازمة لإطلاق تهديدات نووية. هذا الوضع قد يدفع الصين إلى تفجير سلاح نووي بطريقة استباقية لزيادة مصداقية تحذيراتها.

كذلك، قد تحاول الصين إثبات قوتها النووية بسبب القيود المفروضة على قدراتها الهجومية التقليدية وطويلة المدى. بعد خمس سنوات من الآن، ستتراجع قدرة جيش التحرير الشعبي على إطلاق اعتداءات تقليدية، بما يتجاوز "سلسلة الجزر الثانية" في المحيط الهادئ. وإذا عجزت الصين عن استهداف الأراضي الأميركية بالأسلحة التقليدية، قد تجد صعوبة في فرض تكاليف كبرى على الشعب الأميركي. حتى مرحلة معينة من تجربة المحاكاة، شعر الفريق الأميركي بأن ترسانته النووية القوية تكفي لمنع تصعيد الوضع ولم يصدّق التهديدات الصينية. نتيجةً لذلك، شعرت الصين بأنها تحتاج إلى تصعيد الوضع بدرجة كبيرة لتوجيه رسالة مفادها أن الأراضي الأميركية ستصبح بخطر إذا لم تتراجع واشنطن. ورغم سياسة الصين المعلنة حول الامتناع عن شن أول ضربة نووية، أقدمت بكين خلال تجربة المحاكاة على تفجير سلاح نووي قبالة ساحل هاواي لإثبات جدّيتها. أدى ذلك الهجوم إلى دمار محدود نسبياً، فقد عطّل النبض الكهرومغناطيسي الأجهزة الإلكترونية في السفن المجاورة لكنه لم يؤثر على الدولة الأميركية مباشرةً. انتهت محاكاة الحرب قبل أن يردّ الفريق الأميركي على الهجوم، لكن كان أول استخدام للأسلحة النووية منذ الحرب العالمية الثانية ليطلق رداً مشابهاً على الأرجح.

مع ذلك، تختلف المسارات التي تقود إلى التصعيد النووي خلال أي صراع بين الولايات المتحدة والصين عن تلك التي شهدتها حقبـــــة الحـرب الباردة. كان الأميركيــون والســــــوفيات يخشــون حينها وقوع هجـوم نووي مفاجئ، مـا يؤدي إلى تسريع التبادلات الاستــــــراتيجية الشــاملة. لكن قد تستعمل بكين الأسلحة النووية على نطاق أضيق خلال أي مواجهة مستجدة بسبب تايوان لإثبات قوة عزيمتها أو لتحسين فرص انتصارها في ساحة المعركة. لا يمكن توقّع مسار الحرب بعد استخدام هذا النوع من القوة النووية الدقيقة، ولا يمكن تقييم مدى قدرة الولايات المتحدة على منع التصعيد تزامناً مع تحقيق أهدافها.

تدابير وقائية محدودة

تستخلص لعبة محاكاة الحرب درساً واضحاً مفاده أن الولايات المتحدة تحتاج إلى تقوية قدراتها التقليدية في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ كي لا تعتبر الصين غزوها لتايوان خطوة تكتيكية مدروسة. لتحقيق هذا الهدف، يجب أن تلتزم واشنطن بالحفاظ على تفوّقها العسكري التقليدي عبر زيادة مخزون الذخائر طويلة المدى وتكثيف استثماراتها في المعدات المستعملة تحت البحر. كذلك، يُفترض أن تتمكن الولايات المتحدة من تنفيذ عمليات هجومية في أول وثاني جزيرة من سلسلة الجزر المستهدفة رغم تعرّضها للهجوم. تتطلب هذه الخطوة الوصول إلى قواعد جديدة لتوزيع القوات الأميركية، وزيادة فرص نجاتها، وتمكينها من الدفاع عن تايوان في وجه الاعتداءات الصينية.

في غضون ذلك، يجب أن تطوّر الولايات المتحدة شبكة متكاملة من الحلفاء المستعدين للمشاركة في الدفاع عن تايوان. يُعتبر الحلفاء ميزة غير متكافئة في هذه الحالة، إذ تستفيد الولايات المتحدة من مجموعة شركاء على عكس الصين. كذلك، يُفترض أن تقوّي واشنطن خططها الاستراتيجية وعملياتها بالتعاون مع أبرز الحلفاء لإثبات قوة عزيمتها أمام الصين. كجزءٍ من هذه الخطط، يجب أن يطوّر الأميركيون وحلفاؤهم استراتيجيات عسكرية تضمن الفوز في الحرب لكن من دون تجاوز الخطوط الحمراء الصينية. أخيراً، شددت تجربة المحاكاة على صعوبة هذه المهمة، لكنها لم تُحلل التعقيدات المرافقة لتطوير استراتيجيات عسكرية تشمل الأهداف الاستراتيجية والقدرات العسكرية الخاصة بدول متعددة.

في المرحلة المقبلة، يجب أن يدرك المخططون العسكريون في الولايات المتحدة وحلفاء واشنطن في الخارج أن الصين قد تفكّر بجميع خياراتها التقليدية والنووية في حال اندلاع صراع بسبب تايوان. في غضون ذلك، لم تعد الولايات المتحدة تملك وقتاً طويلاً لتعزيز نظام الردع وإقناع الصين بأن غزو تايوان لن ينجح. تتعلق أكبر المخاطر المطروحة بامتناع الأميركيين وأصدقائهم حول العالم عن اقتناص هذه الفرصة واتخاذ الخطوات المناسبة. قد يفوت الأوان على التحرك بعد سنة أو سنتين.


MISS 3