محمد الصفدي

"لا مفرّ من انتخاب الرئيس بري"

30 أيار 2022

02 : 00

إنتهت الإنتخابات النيابية الى انتاج تغييريين عبّروا عن عدم رضا شريحة كبيرة من الناس، وعن ارادتهم بالتغيير. لكن الانتخابات هذه انتهت ايضاً الى مزيد من تثبيت للطائفية السياسية بسبب قانون الانتخاب الحالي الذي كرّس التنافس بين المكونات المذهبية المتمثلة بالاحزاب والتيارات والاشخاص، فظهرت الحصص متقدمة على البرامج ولبنان في خضم ازمات وانهيارات غير مسبوقة. لكن التسابق الطائفي والمذهبي فعل فعله. فرغم الخروقات التي حققها مستقلون الا ان الفريقين المسيحيين الاقوى تمثيلاً تقاسما الحصص الاكبر على مساحة لبنان.

أما اصوات السنّة فتشتتت ضمن افرقاء عدة بين المستقلين والتغييريين بسبب الادارة غير الموفقة من الفريق الذي كان الاقوى سنّياً، وبقي المزاج الشيعي في خانة الثنائي بحيث لم يفز اي مرشح من خارجه.

نتائج لا بد من الاعتراف انها حقّقت خرقاً محدوداً في مرمى التقليديين لصالح التغييرالمنشود، خصوصاً لجهة محاولات كسر الاحتكار في التمثيل، وإن لم يتحقق الهدف الشامل في هذا الاطار.

وهكذا، اقفلت بورصة الانتخابات النيابية ولمدة اربع سنوات مقبلة على استقرار شعبي كان مرتقباً في اسهم الثنائي الشيعي، مما ثبّت اسم الرئيس نبيه بري كمرشح وحيد لرئاسة المجلس النيابي الجديد في ظل التمثيل المقفل شيعياً، الذي لن تغيره المواقف السياسية والاعتراضات مهما اشتدت وكبرت دائرتها، لا بل ستبقى في اطار المزايدات التي تؤجج الاحتقان، على اعتبار ان القدرة على التغيير معدومة في الوقت الحالي.

وانطلاقاً ممّا تقدّم، مستنداً الى خبرتي في السياسة اللبنانية التي ارتكزت ومنذ ثلاثين عاماً على التقاسم الطائفي والمذهبي، وحرصاً على الاستقرار في هذه المرحلة الصعبة التي يعرف الجميع مدى خطورتها، ان من الداخل حيث يتسارع الانهيار، او من الخارج حيث تشتدّ الصراعات في محاولات لفرض انظمة عالمية جديدة لن يستطيع لبنان ان يفرض نفسه وطناً سيداً مستقلاً من ضمنها، ان لم نتمكّن في هذه المرحلة من ان نحافظ عليه، اقلّه متماسكاً.

اذاً، المجلس النيابي الجديد الذي أنتج نوعاً من التوازن بين القوى حافظ، شئنا ام أبينا، على التمثيل الشيعي في يد الثنائي، وأسمح لنفسي بالقول هنا إن ما نمرّ به يتطلّب وجود رجل في رئاسة المجلس يستطيع أن يمسك بمسؤولية إنقاذ البلاد من الانهيار، والحؤول دون الشرخ العمودي الكبير بين مكونات لبنان، وبالتالي تأمين الانتقال الهادئ وعبر الحوار الى نظام جديد.

وهنا اقدّر تماماً ما يفكر به الرافضون لإنتخاب الرئيس نبيه برّي لولاية سابعة، وأُدرك الحاجة الى التغيير والتجديد، لكن الإستقرار حاجة اساسية لمواجهة ما ينتظر لبنان من انهيارات حتمية وقرارات مصيرية، وما سيرافقها من متطلبات ادارة التناقضات وحفظ التوازنات وفتح ابواب الحوار والتلاقي.

صحيح انني لا أرى في دولة الرئيس نبيه برّي صورة رجل التغيير والتحديث، وهي مهمّة الجيل الجديد من السياسيين واللبنانيين عموماً، لكنني أرى اننا في مرحلة انتقالية صعبة تتطلّب ان يكون على رأس المجلس النيابي رجل إعتدال وحكمة ووطنيّة. رجل مخضرم ستقع عليه في المستقبل القريب جداّ مهمّة إدارة التناقضات ومنع الأزمات من أن تسد أفق التواصل بين اللبنانيين، والعمل على شقّ قنوات التواصل بين جيلين ومرحلتين، وبين مجموعات من القوى السياسية المتفاوتة في احجامها والمشرذمة حول مشروع الدولة.

فهل المطلوب ان نخرج من الأزمة ام ان نفجّرها في انفسنا؟

لا انتظر الجواب لأنني أثق بوعي اللبنانيين، لذا اناشدكم كأي لبناني حريص على امن بلاده وسلمها الأهلي واستقرارها، أن نسحب فتائل التفجير والتحديات المستحيلة، ونعود الى الواقعيّة السياسية لنسيّر شؤون مؤسساتنا الدستورية والحكومية ونسلك طريق الحوار في البحث عن الحلول لوقف الانهيار ونزيف الهجرة وشبح الفقر.

إن الحوار يكون بين من هم على خلاف أو خصام، شرطه ان يعترف المتخاصمون بوجود بعضهم البعض وأن يقبلوا ويحترموا إرادة بعضهم البعض. لقد اختارت الطائفة الشيعيّة الرئيس نبيه بري ممثّلاً عنها في الموقع الأول الذي يعود اليها وفقاً لنظامنا السياسي، فلنحترم هذا الخيار ولنجعله خياراً لبنانياً، ولا مانع لاحقاً من البحث في تغيير نظامنا وتطويره بما يلبّي طموح الجيل الجديد ومتطلبات قيام دولة عصريّة. نحن بحاجة الى الاستقرار والى الإصلاح ويمكننا أن نحقق الهدفين شرط ان لا نجعل منهما نقيضين بل نحوّلهما معادلة وطنيّة ايجابيّة.

وبصراحة لا ارى، في المرحلة الراهنة، افضل من الرئيس «نبيه برّي» لقيادة دفّة المجلس النيابي من ضمن سفينة الوطن المترنّحة!

MISS 3