سامي الهاشم

شعب لا يثور

1 حزيران 2022

02 : 00

نحن شعبٌ بلا دم، فقدنا العنفوان والكرامة، اعتدنا على الذلّ والمهانة،

نحن شعبٌ مُحبط لا يستطيع القيام بأيِّ شيء، يقبل كلَّ أنواع الظلم من دولته، شخصيَّته محطَّمة، أصبح رقماً، إن لم نقل صفراً على الشمال، إذاً، نحن شعبٌ لا يثور!

نحن شعبٌ مخدَّر، مُبنَّج، لا يتأثّر بشيء ولا ينفعل من شيء،

ينتظر أمام الفرن ليشتري ربطة خبزٍ،

يقف في الصف على مقربة من محطّة البنزين كي يحصل على 10 أو 15 ليتراً،

يُستَقبل في المستشفى أو لا يُستَقبل، حسب قدرته على الدفع،

يقف كالشحّاذ في المصرف ليحصلَ على حفنة من الدريهمات، هذا إذا حصل،

يدفع أكثر من معاشه قيمة فاتورة المولِّد الكهربائيّ،

لا يجد الدواء في المستشفى،

هذا بعضٌ من معاناته، ومع ذلك، هو لا يتأثَّر ويُعوِّض عن ذلك «بشويِّة دق ونق» «وبشويِّة مسبّات من العيار الثقيل»على المنظومة الفاسدة. ومؤخَّراً، صدر بيان واضح عن جمعيَّة المصارف مفاده أنَّ الحكومة شطبت أموال المودعين بشخطة قلم في «خطّة التعافي»، وعليه نطرح سؤالاً: لو حصل هذا الأمر في أيِّ بلدٍ آخر، فهل كان الشعب يصمت ويتحمَّل كارثة خطّة التعافي التي تُختصَر بخطّة الإجرام والظلم والكفر، أو بخطّة الغباء والجهل وانعدام الضمير؟!

هل نُدرك ما معنى شُطِبَت أموالنا وجنى عمرنا بشخطة قلم؟ هل نُدرك أنَّ تعبنا وعرقنا وسهرنا وكدَّنا أمور ذهبت أدراج الرياح؟ هل نُدرك أنّنا وصلنا إلى حافَّة المجاعة والعوز؟

كلّا، صمتنا على الخبر، وكأنَّه لم يكن، دليل قاطع على أنَّنا غير موجودين وغير مدركين! لو كنّا موجودين ومدركين، ومن غير نوعٍ من الناس، لَكنّا في اليوم ذاته، نزلنا إلى الشارع بالملايين، من ابن السنة إلى ابن المئة، وبقينا في حالة عصيان مدنيّ، حتى إسقاط الحكومة التي وافقت على القرار المشؤوم؛ شرط ألاّ يكون النزول إلى الشارع للتخريب والهدم والحريق وعلى أن يكون مطلبنا واضحاً وصريحاً:

1. عدم المسّ بأموال المودعين وإعادتها لهم بأسرع وقت،

2. توحيد سعر الدولار،

3. منع الإتِّجار بالعملات الأجنبيّة.

- علَّمنـا السياسيّون مفردات جديدة: المنصَّة، الصيرفة، السوق السوداء، التعاميم المصرفيّة، “capital control”,”haircut”, “fresh money»... فشكراً لهم.

- علَّمتنا المصارف على أبشع عمليّة نهب، عمليّة لا مثيل لها في العالم، ولا يقبلها أيُّ عقلٍ: فإذا أردت أن تبيع ألف دولار مثلاً، فيشترونها منك بسعر 8,000 ل.ل. الدولار، وإذا أردت، في اللحظة ذاتها أن تشتري مائتي دولار فيبيعونك إيّاها على أساس سعر الصيرفة بـ 24,000 ل.ل. فتكون قيمة الأموال المنهوبة وعلى عينك يا تاجر 16,000ل.ل. في الدولار الواحد!

- علَّمنا حاكم مصرف لبنان أن نبيعَ كميَّة من الدولارات في السوق السوداء ونشتري بثمنها دولارات من المصرف على سعر المنصّة، ونجني أرباحاً من ذلك، بعبارة أخرى: نسرق بعضنا بعضاً!

- أمّا ثالثة الأثافي فهي عندما جاءت الحكومة الفاشلة ببدعة خطّة التعافي (الله لا يعطين ولا عافية)، التي هي الضربة القاضية على اللبنانيّين أو رصاصة الرحمة في رؤوسهم!

فيا أيّتها الحكومة «الجزيلة الاحترام»، أفضل أن تقتلينا بالرصاص الحي من أن تنهبي أموالنا بشخطة قلم ونموت موتاً بطيئاً من الظلم والقهر والغباء وربّما من الجوع!

ومع هذا كلِّه وغيره من الكوارث والنكبات، الشعب لا يثور ولا يحرِّك ساكناً مهما بلغت خسائره!

خلاصة الكلام: حكّام جَهَلة ومستبدّون أين منهم نيرون وقره قوش... وشعب مُصاب بالشلل الكلّي وبالعقم المنطقي ولا يحاسبهم، بل يكافئهم بعودتهم إلى السلطة التشريعيّة بالعشرات!

نجّانا الله من شرِّهم وأبقى لنا لبنان وأبقانا في هذا اللبنان.