فيونوالا ني أولين

ضحايا "داعش" الأطفال بحاجة إلى مساعدة عاجلة

2 حزيران 2022

المصدر: Foreign Affairs

02 : 05

إجلاء أزيديين خلال القتال الدائر حول منطقة مسيطر عليها من قبل ‏‏"داعش" ‏
منذ ثلاث سنوات، استرجع تحالف عالمي من الدول بقيادة الولايات المتحدة معظم الأراضي التي سيطر عليها تنظيم "داعش" في العراق وسوريا. حين هُزِم "داعش" في ساحة المعركة، انتقل العالم لمعالجة ملفات أخرى. لكن لم يتكلم أحد عن مصير أشخاصٍ جاؤوا من الخارج طوعاً أو بالإكراه، بما في ذلك آلاف الأولاد، للعيش تحت حُكم "داعش"، وقد تخلّت عنهم حكوماتهم الآن. في نهاية المطاف، وصل عدد كبير من النساء والأولاد، ومجموعة صغيرة من الرجال، إلى معسكرَي اعتقال في وسط الصحراء، في شمال شرق سوريا، حيث يقبعون اليوم من دون أي مخرج في الأفق. أصبح جزء من سكان المعسكرَين من أتباع "داعش" طوعاً، لكن وقع آخرون ضحية الاتجار بالبشر وعمليات الخداع عبر الإنترنت. كذلك، انضم أولاد إلى "داعش" أو عاشوا في الأراضي التي يسيطر عليها، ثم تهجروا واختاروا العيش تحت حُكم التنظيم أو أُجبِروا على ذلك.

بُنِي مخيّم الهول، وهو الأكبر بين المعسكرَين، من أجل اللاجئين العراقيين في العام 1991. أما مخيّم روج الأصغر حجماً، فقد انشئ في العام 2014، وكان مُصمّماً لاستضافة العائلات الهاربة من العراق. سرعان ما توسّع المخيّمان في العام 2019، بعدما اجتاحت "قوات سوريا الديمقراطية" بقيادة الأكراد بلدة باغوز، آخر معقل لتنظيم "داعش" في سوريا. تختلف التقديرات المرتبطة بالعدد السكاني داخل المخيّمَين، لكن تشير معطيات اليونيسف إلى وجود أكثر من 60 ألف شخص فيهما، وتفوق نسبة النساء والأولاد بينهم عتبة الثمانين في المئة. في مخيّم الهول، يبلغ 50% من السكان أقل من 12 عاماً (حوالى 30 ألف طفل)، وتصل هذه النسبة إلى 55% في مخيم روج، وفق تقديرات "جمعية إنقاذ الطفولة". تستفحل مظاهر الفوضى وانعدام الأمان في المخيّمَين معاً، ويواجه الأولاد هناك مجموعة كبيرة من الأضرار، بما في ذلك العنف، والجوع، والمرض، وغياب التعليم.

يشمل مخيّما الهول وروج مواطنين من 59 بلداً. يأتي معظمهم من سوريا والعراق، لكن جاء أكثر من 11 ألف شخص من دول أخرى أيضاً. مع ذلك، يرفض جزء كبير من تلك البلدان، بما في ذلك بعض الدول الديمقراطية، السماح بعودة مواطنيها إلى ديارهم. بدل التعامل مع مشكلة إعادتهم ومحاسبة من سافروا إلى العراق وسوريا للانضمام إلى "داعش"، تفضّل تلك الدول أن تتخلى عن مواطنيها وتُحمّل مسؤوليتهم لقوات سوريا الديمقراطية التي تفتقر إلى الإمكانات اللازمة لتلبية حاجات المصابين بصدمات نفسية ولا يعترف بها أي بلد كسلطة شرعية. هذا التساهل مع الاعتقال التعسفي الجماعي، لا سيما بحق الأولاد والنساء، يتعارض بكل وضوح مع النظام القانوني الدولي الذي يُفترض أن يحمي حقوق الأطفال.

يُعتبر مخيّما الهول وروج رمزاً لفشل العالم جماعياً في مراعاة الحاجـات الإنسانية وحقـوق الإنسان بعد سقوط "داعش". سيكون العجز عن إغلاق هذا النوع من معســكرات الاعتقال كفيـــلاً بزعزعة استقرار المنطقة كلها، ولا مفر من أن ينعكس هذا الوضع على أماكن أبعد منها. قد يشعر الأولاد الذين يربون في أجواء البؤس المدقع والظلم بالتهميش الاجتماعي، ما يجعلهم ضحايا مثاليين للجماعات الإرهابية التي تبحث عن مجنّدين فيها. قد ترفض الدول إعادة مواطنيها بحجّة الاحتماء من الإرهاب، لكنها تطلق بهذه الطريقة جولة جديدة من المعاناة والتهميش.

لمعالجة الكابوس المتفاقم في مخيّمَي الهول وروج، يقضي أفضل حل بإرسال المقيمين الأجانب فيهما إلى ديارهم. حصل تقدّم بسيط في هذا المجال، فقد أعادت الولايات المتحدة 27 أميركياً من هناك وقدّمت الدعم اللوجستي والأمني اللازم لضمان نقلهم من الحدود العراقية إلى بلدهم، وتستطيع الدول الأخرى أن تحذو حذوها. كذلك، أخذت أوزبكستان المبادرة ورحّلت 521 شخصاً من المخيّمَين، وأعادت تأهيلهم ودمجتهم في مجتمعهم بعد عودتهم. تنفي جهود أوزبكستان في هذا الملف العذر الذي تستعمله الدول الأخرى حول استحالة إعادة المواطنين بسبب غياب القنصليات في شمال شرق سوريا، كما أنها تثبت إلى أي حد تحتاج عمليات الترحيل إلى دعمٍ من وكالات الأمم المتحدة المتخصصة مثل اليونيسف، إذ تتكل هذه الهيئات على خبرتها لتسهيل جهود الاندماج الاجتماعي وتقديم الدعم اللازم على المدى الطويل.

انتقلت دول أوروبية، مثل ألمانيا والدنمارك، من مواقف رافضة لإعادة المواطنين إلى إرجاع عدد كبير من النساء والأولاد في السنة الماضية، ومن دون مواجهة أي عواقب سلبية. لكن لا تبدي معظم الدول الأخرى استعدادها للقيام بواجبها حتى الآن، وعلى رأسها كندا والنروج اللتان قدّمتا الدعم السياسي والمالي لبرنامج "الأطفال في الصراع المسلّح" التابع للأمم المتحدة (بموجب قرار صادر عن الجمعية العامة، في العام 1997، أنشأ هذا البرنامج مكتباً مستقلاً يُعنى بحماية الأولاد من الأضرار في مناطق الصراع). لكن تثبت تصرفات هذه البلدان أنها تعتبر تدابير الحماية مُصمّمة للأولاد القادمين من دول وصراعات أخرى، ما يعني أن مواطنيها غير معنيّين بها.

من الواضح أن عمليات ترحيل النساء والأولاد ستكون بطيئة ومتقطعة. لكنّ كل يوم إضافي يمضيه أي طفل في هذه الظروف غير الإنسانية يزيد صعوبة إعادة دمجه في مجتمعه. لتسريع هذه العملية، يجب أن تكافئ الأمم المتحدة والدول الملتزمة بإعادة مواطنيها (على رأسها الولايات المتحدة) البلدان التي تطبّق هذه الخطة عبر منحها الدعم السياسي والمالي، مقابل تسمية وفضح الدول التي تمتنع عن فعل ذلك.

تبرز الحاجة في المقام الأول إلى تقييم ممارسات الترحيل والعفو بحق المعتقلين السوريين الذين سمحت لهم "قوات سوريا الديمقراطية" بمغادرة المخيّمَين. انتقل عدد كبير من هؤلاء الأشخاص للعيش في مناطق أخرى من شمال شرق سوريا، بينما عاد آخرون إلى الأراضي التي يسيطر عليها النظام السوري. يبدو أنهم ضمنوا إطلاق سراحهم بموجب اتفاقيات مبهمة وغير رسمية قد تقتصر في حالات كثيرة على دفع الرشاوى إلى حرس "قوات سوريا الديمقراطية". انطلاقاً من مبادئ الأمن وحُكم القانون، يجب أن تنكشف الصفقات التي أبرموها مع النظام السوري أو "قوات سوريا الديمقراطية"، ومن الضروري أيضاً أن ينشأ نظام لمتابعة تلك العائلات والتأكد من وضعها، تزامناً مع تقييم مخاطر التطرف والعودة إلى صفوف "داعش".

على صعيد آخر، يجب أن توضع آلية معينة لتأمين وثائق قانونية للأولاد في المخيمات. لإطلاق هذه العملية، يحتاج النظام المعمول به إلى دعم "قوات سوريا الديمقراطية"، بالإضافة إلى الدول الملتزمة بهذه المبادرة. ولإضفاء الشرعية اللازمة على هذه الآلية، يجب أن تطبّقها منظمات الأمم المتحدة التي تتمتع بالخبرات المطلوبة، أبرزها اليونيسف، والمنظمة الدولية للهجرة، ووكالة الأمم المتحدة للاجئين. يجب أن يحصل كل فرد في المخيّم على شكلٍ من الوثائق المدنية. وإذا ترافقت هذه العملية مع موارد مناسبة ودعم أمني كافٍ للحفاظ على سلامة الموظفين، يُفترض أن تقدّم الأمم المتحدة أيضاً فحوصات الحمض النووي في الدول التي تطلبها للتأكد من نَسَب الأولاد أو جنسياتهم. قد تبدو معاملات التسجيل معقدة للوهلة الأولى، لكنها الطريقة الوحيدة لمنح مكانة قانونية لهؤلاء الأولاد والاعتراف بهم تمهيداً لحمايتهم بموجب القانون.

يستحق عدد كبير من سكان المخيّمات الحماية الدولية على الأرجح، أو حتى صفة اللجوء، لأنهم يستطيعون إثبات تعرّضهم للاضطهاد. يُعتبر الأولاد والنساء اليزيديون في المخيمات خير مثال على ذلك. تستطيع الوكالات المتخصصة تقديم المساعدة لحماية المؤهلين لأن "قوات سوريا الديمقراطية" ليست دولة متعارف عليها، وهي غير مُلزَمة باتفاقية العام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين (هذه الاتفاقية تمنح اللاجئين خيار الانتقال الآمن إلى بلد ثالث).

أخيراً، يجب أن تقوم الدول باستثمارات إنسانية هائلة لتأمين حياة كريمة للأولاد في تلك المخيمات. يُفترض أن تقدّم الجهات المانحة خدمات مناسبة في مجال الرعاية الطبية، وإعادة التأهيل، والدعم النفسي، والتعليم. وبالتعاون مع وكالات مثل اليونيسف ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، يجب أن تُطوّر تلك الدول أيضاً برامج لاجتثاث ظاهرة التطرف وسط الأطفال وتلبية حاجات الأولاد وعائلاتهم. في بعض الحالات، قد يضطر المعنيون لاتخاذ قرارت صعبة وإبعاد الطفل عن والدَيه خدمةً لمصلحته، لكن يُفترض أن يبقى فصل الأولاد عن أهاليهم الملجأ الأخير بشكل عام، ما يعني عدم اللجوء إلى هذا الحل إلا بعد فشل الوسائل الأخرى في الحفاظ على ترابط العائلة.

باختصار، لا تزال منطقة شمال شرق سوريا أشبه بقنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة. حتى الآن، تنشغل بقية دول العالم بأحداث أوكرانيا، لكنها تتجاهل هذه المخيمات رغم المخاطر التي تطرحها. طالما تبقى هذه المخيمات موجودة، لن تكون مجرّد بيئة حاضنة للكوارث الإنسانية بل إنها ستطرح مشكلة أمنية دائمة. من خلال حرمان الأولاد من طفولتهم واعتبارهم غير مستحقين للحماية القانونية، لا مفر من زرع بذور صراعٍ عنيف ودائم في المنطقة. في هذه الحالة، سيضيع جيل كامل من الأبناء بسبب أخطاء آبائهم.


MISS 3