شاياك سينفوبتا

دور روسيا المفرط في برنامج الهند النووي

3 حزيران 2022

المصدر: The Diplomat

02 : 02

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في مؤتمر التعاون والدفاع الروسي - الهندي
انتهت حقبة العزلة النووية في الهند بفضل اتفاقيات نووية مدنية عقدها البلد مع الولايات المتحدة وحلفائها. لكن تستطيع روسيا رغم كل شيء التأثير على سوق القوة النووية الهندية أكثر من غيرها. لذا جاءت الحرب في أوكرانيا وموجة العقوبات الغربية على الصادرات الروسية لتؤجج المخاوف حول مكانة الهند. إذا قامت الهند بخيار مستبعد وقررت أن تحذو حذو الغرب وتدين تحركات روسيا بصرامة، فقد تزيد المشاكل في الطاقة النووية المدنية الهندية أيضاً، علماً أن هذا القطاع يشكّل جزءاً أساسياً من استراتيجية البلد للحفاظ على أمن الطاقة والانتقال إلى الطاقة النظيفة. نتيجةً لذلك، تتطلب هذه الظروف إعادة تقييم التعاون النووي المدني مع الهند، فضلاً عن تحليل دور الولايات المتحدة في تسهيل إنتاج الطاقة النووية في الهند لتخفيف اتكالها على روسيا.

موّلت الولايات المتحدة أول محطة للطاقة النووية في الهند، ودرّبت العلماء النوويين الهنود بموجب برنامج "الذرة من أجل السلام" الخاص بحقبة الحرب الباردة خلال الستينات. لكن رفضت الهند التوقيع على معاهدة منع الانتشار النووي في العام 1968 على اعتبار أنها تُميّز بين "الضرورات" و"المحظورات" النووية، ثم نفّذت أول تفجير نووي في العام 1974. رداً على ذلك، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الهند وأشرفت على إنشاء "مجموعة الموردين النوويين" (من دون الهند): تنظّم هذه المجموعة من الدول صادراتها النووية لمنع استعمال المواد النووية لتصنيع الأسلحة.

بدأت هذه الجهود بعد ثلاثة عقود تقريباً على تحوّل الهند إلى دولة نووية منبوذة عالمياً. في العام 1998، نفّذت الهند اختبارات نووية إضافية وواجهت المزيد من العقوبات الأميركية.

سرعان ما أدركت الولايات المتحدة قدرات الهند كشريكة استراتيجية. لكن بقيت المخاوف من الانتشار النووي نقطة خلافية في العلاقات الثنائية. بين العامين 2003 و2004، نشأ حوار استراتيجي بين البلدين ومهّد لإبرام الاتفاق النووي المدني بينهما في العام 2008. كان ذلك الاتفاق الأهم على الإطلاق بالنسبة إلى برنامج الهند النووي والعلاقات الهندية الأميركية، فقد أنهى عزلة الهند عبر إضفاء وضعٍ طبيعي على برنامجها النووي، وأنذر بازدهار الروابط الهندية الأميركية بما يتجاوز قطاع الطاقة النووية. اليوم، يمتد هذا التعاون الثنائي إلى مجالات متنوعة مثل الطاقة النظيفة، والمناخ، والصحة، والدفاع، والفضاء. يتبع هذا الاتفاق نموذج "123 اتفاقية" الذي تستعمله الولايات المتحدة لإبرام صفقات نووية مدنية ثنائية مع الدول الأخرى.

كذلك، نقلت الولايات المتحدة ملف الهند إلى "مجموعة الموردين النوويين" لإعفاء البلد وتسهيل مشاركته في التجارة النووية المدنية العالمية. نتيجةً لذلك، عقدت الهند اتفاقيات مشابهة مع اليابان وفرنسا وبريطانيا المنتسبة بدورها إلى "مجموعة الموردين النوويين".

لكن يبقى نظام المسؤولية المدنية عن الأضرار النووية في الهند عائقاً بارزاً أمام الاستفادة من كامل منافع الاتفاق النووي المدني بين الهند والولايات المتحدة. الهند جزء من أنظمة المسؤولية الدولية عن الأضرار النووية، لكن يشمل قانون هندي أقرّه البلد في العام 2010 بنداً يُحمّل موردي التكنولوجيا النووية (مثل المصدّرين الأميركيين إلى الهند) مسؤولية أي حوادث محتملة. صدر هذا القانون بعد تصاعد الضغوط المحلية لتحميل الموردين الصناعيين الأجانب المسؤولية بعد مأساة الغاز في "بوبال" خلال الثمانينات.

سرعان ما أصبح هذا القانون عائقاً أمام موردي المواد النووية الأجانب في الهند. توصّلت الولايات المتحدة والهند إلى اتفاق في العام 2015 لتجاوز بند المسؤولية عبر التأمين ضد المخاطر النووية، رغم مرور سبع سنوات، لكن لا تزال المفاوضات حول العقود التجارية مستمرة بين الموردين الأميركيين والمشغلين النوويين في الهند.

كيف هيمنت روسيا على السوق الهندية؟

يعود التعاون النووي بين الهند وروسيا إلى فترة الستينات أيضاً. على غرار الولايات المتحدة، قدّمت موسكو خلال ذلك العقد مساعدات نووية علمية وتقنية إلى الهند. لكن بعد الاختبارات النووية في العام 1974، أصبحت الردود الأميركية والسوفياتية متباعدة جداً. وافق الاتحاد السوفياتي على تقديم إمدادات الماء الثقيل إلى الهند لصالح مفاعلات بَنَتها كندا، وبقيت موسكو جهة أساسية لضمان استمرار البرنامج النووي الهندي طوال الثمانينات والتسعينات عبر توفير إمدادات الوقود خلال العزلة النووية العالمية التي شهدها البلد. كذلك، أبرمت الهند اتفاقيات مع الاتحاد السوفياتي ثم روسيا لبناء مفاعلَين للماء الخفيف المضغوط. وبحلول العام 2018، وافقت روسيا على تقديم الإمدادات اللازمة لبناء ستة مفاعلات أخرى في الهند.

تسيطر الصادرات الروسية على سوق التصدير العالمية في قطاع الطاقة النووية المدنية. ورغم قرار الولايات المتحدة بتطبيع برنامج الهند النووي المدني، كانت روسيا المستفيدة الكبرى من سوق الموردين النوويين الأجانب في الهند. يتعلق جزء من السبب بخليط من الروابط التاريخية الآنف ذكرها، وسياسة تسويقية مكثّفة للصادرات عن طريق الشركة الروسية "روس آتوم"، واتفاقيات تهدف إلى تجاوز عائق نظام المسؤولية النووية في الهند. على المستوى العالمي، تطرح روسيا حُزَماً من الاتفاقيات (وقود، تكنولوجيا، مخلّفات) لتصريف صادراتها النووية بشروط مالية جاذبة، بينما يطبّق الموردون الأميركيون مقاربة "انتقائية". في العام 2014، تمكنت روسيا من متابعة عمليات التصدير المُخطط لها إلى الهند رغم القانون الهندي المرتبط بالمسؤولية المدنية عن الأضرار النووية عبر إضافة بنود تأمين المسؤولية إلى عقدها.

لم تكن روسيا الدولة الوحيدة التي تتجاوز عائق المسؤولية، فقد أبرمت فرنسا أيضاً اتفاقاً لبناء المفاعلات في الهند، في العام 2022. تؤكد هذه العقود التجارية التي تعقدها الدول الأخرى تأخّر الولايات المتحدة في تصدير التكنولوجيا اللازمة لتلبية حجم الطلب الهندي. لهذا السبب، تستطيع واشنطن أن تتعلّم من تجربة روسيا وفرنسا لتسريع المفاوضات بين الموردين الأميركيين والهند خلال المرحلة المقبلة. وإذا كانت الولايات المتحدة تطمح إلى تصدير تقنيتها النووية، يمكنها أن تُصمّم قواعدها الخاصة لمراقبة الصادرات النووية. تأتي هذه القواعد لتستكمل التدابير الموصى بها على المدى الطويل لزيادة الصادرات النووية الأميركية إلى الهند وجميع أنحاء العالم.

نحو تقوية التعاون النووي بين الهند والولايات المتحدة

بعيداً عن عائق المسؤولية، يتعلق عامل أساسي آخر لتقوية الروابط بين الهند والولايات المتحدة بتسهيل طريقة تنفيذ رؤية الهند لتصدير مفاعلات الماء الثقيل والمضغوط الناشئة محلياً إلى الخارج. في الوقت الراهن، تمنع قواعد "مجموعة الموردين النوويين" الهند من تحقيق هذه الرؤية، وتبدو فرص الهند للانضمام إلى تلك المجموعة في المستقبل القريب مستبعدة بسبب إصرار الصين على إعاقة هذه الجهود.

لكن يمكن تسهيل تصدير هذه المفاعلات الهندية عبر وضع إطار عمل مشابه للاتفاق بين الهند وروسيا وبنغلادش، حيث دعمت الهند وروسيا معاً بناء مفاعلات جديدة في بنغلادش وشاركت الولايات المتحدة في تطوير مفاعلات الماء الثقيل والمضغوط. قد تظهر تعقيدات كثيرة عند تنفيذ هذه الخطة، لكن يستطيع هذا الشكل من التعاون أن يُخفف اتكال الهند على روسيا. تسيطر روسيا على قطاع تخصيب اليورانيوم العالمي، لكن تسمح مفاعلات الماء الثقيل والمضغوط بالاستغناء عن عمليات التخصيب المكلفة.

أخيراً، كشفت الحرب في أوكرانيا مجموعة عوائق تمنع تلاقي المصالح الأميركية الهندية. قد تكون الروابط الثنائية قوية، لكن تبرز اختلافات واضحة في طريقة الرد على العدوان الروسي. ونظراً إلى أهمية الاتفاق النووي بين الهند والولايات المتحدة، والدور الجيوسياسي البارز للطاقة النووية المدنية في البلدَين معاً، ونزعة الولايات المتحدة إلى تسهيل توسّع الصادرات النووية المدنية الروسية، حان الوقت للاستفادة من إطار العمل الذي يطرحه الاتفاق النووي وتفعيله بطريقة عملية. قد يسمح تكثيف التعاون النووي المدني بين الولايات المتحدة والهند بتخفيف اتكال نيودلهي على روسيا ومساعدة واشنطن في تشكيل ائتلاف أوسع من الشركاء لإدانة التحركات الروسية.