محمد دهشة

الفلسطينيّون ينجحون في سياسة "النأي بالنفس": مصلحة التحرّكات تقتضي ذلك

ثورة بـ"القرع على الطناجر" في صيدا وطلّاب المدارس يتقدّمون المشهد

6 تشرين الثاني 2019

02 : 00

تظاهرة حاشدة لطلاب المدارس في صيدا
تراقب القوى السياسية والشعبية الفلسطينية، باهتمام بالغ ما يجري من حراك احتجاجي في لبنان منذ ثلاثة أسابيع تقريباً، تلتزم الحياد الايجابي على قاعدة أن لبنان يمر بقطوع سياسي وشعبي جديد يتطلب المزيد من اليقظة والحذر، مع التمنيات أن يتعافى سريعاً لينعكس ايجاباً على الواقع الفلسطيني الذي يئن تحت وطأة الفقر والجوع وضيق العيش.


تراقب القوى السياسية والشعبية الفلسطينية، باهتمام بالغ ما يجري من حراك احتجاجي في لبنان منذ ثلاثة أسابيع تقريباً، تلتزم الحياد الايجابي على قاعدة أن لبنان يمر بقطوع سياسي وشعبي جديد يتطلب المزيد من اليقظة والحذر، مع التمنيات أن يتعافى سريعاً لينعكس ايجاباً على الواقع الفلسطيني الذي يئن تحت وطأة الفقر والجوع وضيق العيش. على مدى عقد ونيف من الزمن، مرت القوى الفلسطينية في لبنان في قطوعات عديدة، بدءاً من جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005، والاصطفاف السياسي العمودي الذي أعقبها، مروراً بالأزمة السورية وتداعياتها على الساحة اللبنانية وما رافقها من تفجيرات "ارهابية" و"انتحارية"، مع الشعور الفلسطيني المتزايد بالاصرار على زجه في أتونها، ما استوجب اعلان حالة الاستنفار واتخاذ سلسلة من الإجراءات السياسية والأمنية الحازمة ترابطاً مع تعزيز التعاون مع القوى اللبنانية والأمنية والعسكرية، فنجحت في قطع الطريق على محاولات استدراج المخيمات الى فتنة سواء كانت مذهبية أو مع الجيش اللبناني، وصولاً إلى الحراك الشعبي اليوم ومتابعة أدق تفاصيله مع طول أمده.

وأكدت مصادر فلسطينية لـ "نداء الوطن"، أن منذ اليوم الأول لانطلاق الحراك الشعبي في 17 تشرين الأول الماضي، بدأت القوى الفلسطينية الوطنية والاسلامية على حد سواء بإجراء اتصالات ولقاءات ثنائية وجماعية بعيدة من الأضواء والاعلام لتوحيد الموقف الفلسطيني من الازمة اللبنانية وتأكيد الحياد الايجابي في التعامل مع التطورات من دون الانجرار إلى المشاركة تحت عناوين مختلفة أو التحيّز، بل الانحياز لاستقرار لبنان وسلمه الأهلي. في المقابل، إنعكس الحراك على المخيمات تلقائياً، في ظل قطع الطرقات واقفال المدارس والمصارف وشل دورة الحياة اليومية، فتوقف العمال الفلسطينيون عن مزاولة عملهم وهم بغالبيتهم "مياومون"، ولازم أبناء المخيمات منازلهم، وتوقفت مدارس وكالة "الاونروا" عن التدريس. وأوضح أمين سر "اللجان الشعبية الفلسطينية" في لبنان، أبو إياد شعلان لـ "نداء الوطن"، أن "منظمة التحرير الفلسطينية عملت على خطين متوازيين، الأول: التأكيد على عدم التدخل في الشأن اللبناني والتزام الحيادية امتداداً لمواقفنا السابقة وفي محطات عديدة مر بها لبنان، وقد ثمّنا موقف أبناء المخيمات وانضباطهم والتزامهم بهذا القرار، والثاني: استيعاب الانعكاسات السلبية لهذا الحراك الاحتجاجي على واقع اللاجئين لجهة العمل والغلاء وارتفاع الاسعار والتي سبقتها أوضاع اقتصادية ومعيشية خانقة مع قرار وزارة العمل تنظيم اليد العاملة غير اللبنانية، خصوصاً في مخيمات الشمال حيث النسبة الأكبر من الفقر والجوع". وقال شعلان: "ازاء هذا الواقع ناشدنا مع رئيس دائرة شؤون اللاجئين احمد ابو هولي، وكالة "الاونروا" على اعتبارها المسؤولة عن رعاية اللاجئين وتشغيلهم لاعتماد خطة طوارئ للتعامل مع ارتدادات الاوضاع الجارية في لبنان وتقديم مساعدات عاجلة على الاقل للعائلات ذات حالات العسر الشديد وابناء المخيمات في الشمال".

بينما اعتبر عضو المكتب السياسي لـ "الجبهة الديمقراطية" فتحي كليب لـ "نداء الوطن"، أن موقف "الجبهة مع باقي القوى الفلسطينية كان واضحاً بالتزام سياسة النأي بالنفس، وهو موضع تقدير عدد واسع من القوى اللبنانية. لكن بالمقابل نتمنى أن يستفيد البعض من دروس التاريخ والحاضر لنبني علاقات أخوية سليمة وصحيحة وعلى خلفية تساؤل: اذا كان مبرراً للشعب اللبناني أن ينتفض في مواجهة الجوع والقهر والفساد في بلد ودولة ومؤسسات، فكيف الامر بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني في لبنان الذي يعيش حياة لجوء سمتها المعاناة والقهر الاقتصادي والاجتماعي شبيه بما يعيشه اللبنانيون وفوق ذلك قوانين جائرة وسياسات استنسابية أضرت بمجتمعه ونسيجه الوطني والاجتماعي، لكن الاولوية الوطنية والنضال من أجل حقوقنا الوطنية كانت وستبقى تطغى على كل اعتبار آخر".

واضاف كليب إن "هذا الموقف لا يعني اننا كفلسطينيين غير مبالين بما يحدث في لبنان، بل أن شعبنا الفلسطيني هو أكثر الناس تعاطفاً مع المطالب الشعبية اللبنانية كونه يعيشها بشكل يومي، ويؤكد في الوقت نفسه أنه خارج المشاركة فيها، بهدف حماية الحالة الفلسطينية وتحصينها ورفض الزج بها في آتون الصراعات والقضايا الداخلية اللبنانية ولأن مصلحة هذه التحركات تقتضي ذلك أيضاً".

احتجاج صيدا

صيداوياً، تقدم طلاب المدارس الرسمية المشهد الاحتجاجي في يومه العشرين، حيث انطلقوا في تظاهرة حاشدة جابت شوارع المدينة، مروراً بـ "ساحة النجمة" وشارع "رياض الصلح"، وصولاً الى "تقاطع ايليا"، حيث افترشوا الارض وأقفلوا مسرباً منه بعدما عمد الجيش إلى ازالة الخيم المنصوبة على جانب الطريق واجهزة الصوت قبل اعادتها مجدداً إلى داخل حديقة "الناتوت" المجاورة. واعتمد المحتجون أسلوباً مختلفاً عن السابق، لم يقطعوا طريقاً ولم يقفلوا أي مؤسسة رسمية أو مصرف، بينما فتح السوق التجاري أبوابه والمدارس الرسمية والخاصة حيث فضل الكثير من الطلاب المشاركة في التظاهرة من دون الالتحاق بصفوفهم ودروسهم، وعلمت "نداء الوطن" أن "الاقفال لن يكون يومياً، وسيعتمد طريقة مختلفة، كل يوم ليس كالسابق"، وابتكر المحتجون، اسلوباً جديداً للتعبير عن الفقر والجوع وفي الوقت نفسه اصرارهم على تحقيق باقي مطالبهم بعد استقالة الحكومة، اذ عمد الذين لم يشاركوا في الاعتصام المفتوح الى الخروج الى شرفات منازلهم والقرع على الطناجر في التوقيت نفسه وهو اسلوب جديد بعد اطلاق العنان لابواق السيارات "الزمامير" تأييداً للحراك الشعبي الاحتجاجي.