بشير علي عباس

عودة إلى مذكرة لاهور بين الهند وباكستان من العام 1999

6 حزيران 2022

المصدر: The Diplomat

02 : 02

رئيس الوزراء الباكيستاني نواز شريف (يساراً) ونظيره الهندي أتال بيهاري فاجبايي بعد التوقيع على مذكرة لاهور
منذ 24 سنة، أعلنت الهند وباكستان عن حجم قدراتهما النووية أمام العالم. في العام 1999، بعد أقل من سنة على إجراء الاختبارات النووية، وقّع البلدان على مذكرة تفاهم في لاهور لتعزيز الثقة المتبادلة في بيئة معرّضة للصراعات ولتهدئة المخاوف الدولية. كان الصراع القائم في "كارغيل" كفيلاً بالحد من تأثير تلك الوثيقة على المدى القريب، لكن اتضحت أهميتها منذ ذلك الحين وباتت أكثر وضوحاً اليوم. ذكر المحللون مذكرة التفاهم مراراً بعدما انحرف صاروخ هندي غير مسلّح عن مساره وهبط في باكستان. لكن تكشف مراجعة المذكرة اليوم أن تطبيقها لا يزال جزئياً في عدد من الملفات الأساسية، رغم استمرار أهميتها. كان أبرز نجاح حققته مذكرة لاهور يتعلق بالتزام الهند وباكستان المشترك بإبلاغ بعضهما باختبارات الصواريخ البالستية التي يقوم بها كل طرف. في هذا السياق، يُعتبر اتفاق العام 2005 نتيجة مباشرة للبند الثاني من مذكرة التفاهم، علماً أنه البند الذي مهّد لتكثيف تدابير بناء الثقة. وتثبت دعوات الخبراء اليوم إلى توسيع نطاق الاتفاق كي يشمل صواريخ "كروز" المنافع التي يمكن حصدها عبر تطوير هذا النوع من التدابير تدريجاً.

يدعو أول بند في مذكرة التفاهم إلى إجراء "مشاورات ثنائية حول المفاهيم الأمنية والعقائد النووية". ثم تتكرر هذه الدعوة في البند الثامن في سياق منع الانتشار النووي هذه المرة. لكن تبرز أكبر معضلة على مستوى العقيدة المعمول بها. ثمة تناقض واضح على مستويَين: وضع القوة النووية، والتلاعب بالمخاطر.

فيما تحاول الهند استعمال ترسانتها النووية لشن ضربة تخريبية ثانية أو الرد بقوة على أول ضربة تستهدف أراضيها أو جنودها، تنسب عقيدة باكستان غير المعلنة دوراً مزدوجاً إلى ترسانتها: منع الهند من إطلاق حرب تقليدية، وحرمانها من فرصة الفوز إذا اندلعت حرب مماثلة. لهذا السبب، يبدو مفهوم الضربة الأولى راسخاً في عقلية باكستان. أما الهند، فهي مقتنعة عموماً بأن باكستان تحاول إضافة الأسلحة النووية إلى معدات الحرب، ويتّضح ذلك في إقدامها على تطوير أسلحة نووية خاصة بساحات المعارك، مع أن بعض الخبراء الباكستانيين أنكر هذا التحليل وأصرّ على اعتبار مبدأ "الردع كامل الطيف" الباكستاني أداة لتحديث المعدات التقليدية وزيادة الجهوزية بدل تصنيع الأسلحة النووية بكل بساطة.

قد تكون إدارة المخاطر جزءاً أساسياً من بناء الثقة النووية، لكن يبقى الوضع القائم بين الهند وباكستان معقداً. حددت الهند خطوطها الحمراء عبر عقيدتها المعلنة والتزمت بها رغم طرح بعض المفاهيم المغايرة في السنوات الأخيرة. في المقابل، يتمحور الردع النووي الباكستاني حول التلاعب بالمخاطر المطروحة. يقول فيروز خان، الذي كان يعمل سابقاً في قسم الخطط الاستراتيجية الباكستانية، إن هذه العملية تقضي بزيادة الشكوك حول الخطط العسكرية الهندية عبر حرمان الجيش من المساحة التي تسمح له بإطلاق عمليات تقليدية. قد تنتشر شكوك كافية لمنع مساعي الحرب إذاً لمجرّد وجود تلك الأسلحة النووية التكتيكية.

قد يضعف مفهوم "إدارة انعدام الاستقرار" حين تعلن باكستان عن عقيدتها صراحةً، لكنّ التحاور مع الهند حول الجوانب التي تتألف منها العقيدة النووية قد يُرسّخ أهداف مذكرة التفاهم، فيسمح للبلدين بمناقشة النقاط المشتركة وتجنب الخلافات.

في ذكرى الاختبار النووي، شددت مانبريت سيثي، رئيسة مشروع الأمن النووي في الهند، على أهمية هذه المحادثات لتوضيح مسائل معينة. وفي إشارة إلى حرص الباكستانيين على إخضاع أسلحتهم النووية التكتيكية لشكلٍ مركزي من القيادة والتحكم، صرّحت سيثي بأن هذا النهج يعارض مفهوم السلاح "التكتيكي" الـذي يتطلب سـيطرة مدروسة. مـــن دون توضيـح هذه الجوانب، لن تتمــكن الدول الأخـــرى من فهم مصطلحات مثل "الردع كامل الطيف". لكن تحذر سيثي في الوقت نفسه من استحالة إقامة هذا الحوار من دون تحسين العلاقة السياسية بين الطرفين.






في غضون ذلك، يؤثر هذا التفاوت العقائدي على جوانب أخرى من تدابير بناء الثقة. خلال مراسلات لاحقة، ذكرت سيثي أن عائقاً محتملاً أمام تمديد اتفاق العام 2005 قد يتعلق باختلاف طبيعة صواريخ "كروز" لدى الفريقَين. في باكستان، تكون هذه الصواريخ مُعدّة للحمولات النووية. أما الهند، فهي تزوّدها برؤوس حربية تقليدية. ورغم التغطية الوطنية لاختبار صاروخ "براهموس" باعتباره جزءاً من قدرات البلد النووية، تضع سيثي هذا الصاروخ في خانة القدرات التقليدية. لذا يُفترض أن تأخذ أي تدابير مستقبلية لبناء الثقة هذا التفاوت بالاعتبار.

على صعيد آخر، تُلزِم مذكرة لاهور الطرفَين بتعليق اختباراتهما النووية بشكلٍ موقت وأحادي الجانب. لا تزال هذه المذكرة صامدة حتى الآن، لكن لا يمكن إضفاء طابع رسمي على هذا النوع من الالتزامات من دون إشراك الصين التي تطرح أكبر المخاوف النووية في الهند. يتضح هذا الواقع في دعوة باكستان الصريحة إلى عقد اتفاق لتقوية بند تعليق النشاطات، مع أن الهند لا تزال تتردد في اتخاذ هذه الخطوة. لطالما كان تأثير الصين كبيراً على الديناميات النووية في شبه القارة الهندية، لكنها لم تشارك في مذكرة لاهور.

لكن خبراء هنود أكدوا استمرار بعض المحرمات النووية في جنوب آسيا بدرجة معينة، ما يعارض المزاعم القائلة إن هذا الملف يتعرض لضغوط إضافية في هذه المنطقة تحديداً. لهذا السبب، قد تزيد سهولة تطبيق سياسة "الامتناع عن الاختبارات"، ولو أنها غير معلنة، شرط أن يبدي البلدان عدم رغبتهما في تعزيز الانتشار النووي عمودياً.

دعت مذكرة لاهور أيضاً إلى عقد اتفاق للوقاية من الحوادث البحرية وضمان ملاحة آمنة للسفن البحرية والطائرات. ثم حدد تقرير صادر عن «مركز ستيمسون» في الولايات المتحدة الإجراءات التي تسمح باستكمال تدابير بناء الثقة البحرية، بما في ذلك إنشاء «مراكز الحد من المخاطر البحرية» لتبادل المعلومات حول مسائل مثل انتهاك الحدود البحرية وإطلاق الاختبارات. اقترح البعض أيضاً توسيع نطاق تلك المراكز وجعلها جزءاً من «مراكز الحد من المخاطر النووية».

لكن على عكس البندَين الثاني والثالث، لم يُمهّد البند المرتبط بالشؤون البحرية في مذكرة التفاهم لعقد اتفاق رسمي. لا تزال الأفكار التي تلقّت دعماً من الخبراء الاستراتيجيين داخل البلدين في مهب الريح. في شهر شباط الماضي، اعتقلت باكستان 31 صياداً هندياً بتهمة اقتحام منطقتها الاقتصادية الخالصة.

قد يساعد اتفاق بحري مستخلص من مذكرة لاهور القوات البحرية في البلدين على تحسين طريقة تعاملهما مع الخلافات اليومية. ينطبق المنطق نفسه على "إجراءات العمليات النموذجية" التي تبقى قليلة لكنها بالغة الأهمية على طول "خط السيطرة" الذي ينتظر إقراره رسمياً. لن يكتفي هذا الاتفاق بتعزيز تدابير محددة، مثل اتفاقية العلاقات القنصلية في العام 2008 لمساعدة الصيادين المحتجزين، بل إنه يسهم أيضاً في تطوير تفاصيل القرار المرتبط بالنزاع السياسي العام بين الدولتَين.

باختصار، أصبحت أهمية مذكرة لاهور واضحة على مختلف المستويات. ورغم مرور عشرين سنة على إبرامها، يمكن استعمالها على الأرجح كوثيقة مرجعية لعقد اتفاقيات مستقبلية وتخفيف جزءٍ من الأعباء الدبلوماسية التي تتزامن مع تحديد مجالات تحتاج إلى تدابير بناء الثقة. لكن يجب أن تتوافر الإرادة السياسية اللازمة للاستفادة من كامل منافع هذا الاتفاق. تحمل مذكرة لاهور جوانب إيجابية وسلبية إذاً، فهي تبدو حتى الآن تقدمية وطموحة أكثر من اللزوم.


MISS 3