جان كلود سعادة

"بونزي توربو جي تي"

8 حزيران 2022

02 : 00

سياسة تثبيت سعر صرف الليرة بالنسبة للدولار الأميركي لم يكن الهدف منها يوماً رفاهية اللبنانيين وتحسين مستوى عيشهم كما نسمع احياناً، فأي مظاهر «رفاهية» عند بعض الفئات كانت نتيجة جانبية وعَرَضيّة في أحسن الأحوال لنظام السرقة المنظّمة الذي جرى تركيبه واستعماله لنهب موارد الدولة وأموال الناس من مغتربين ومقيمين.

تثبيت سعر الصرف كان شاحن التوربو الذي تمّت اضافته الى مخطط الـ»بونزي» الإحتيالي لتسهيل وتضخيم عملية الشفط التي حصلت على مدى عقود وخصوصاً عبر عملية استبدال الليرات الناتجة عن الفساد والسمسرات والفوائد الخيالية على الليرة الى دولارات حقيقية من اموال المغتربين والقروض والمساعدات ثم تحويلها الى الحسابات الأجنبية للمنتفعين. امّا مبالغ السمسرات والعمولات التي دفعت بالدولار مباشرةً فأغلب الظن انها دُفعت في الخارج لصالح شركات أوفشور مسجلة في الملاذات الضريبية هي الأخرى. بينما كانت هذه الآلة الجهنمية تعمل ليلاً ونهاراً، استفاد بعض اللبنانيين والمقيمين «بالغلط» من ثبات سعر الصرف لشراء السيارات والسفر واستقدام المساعِدات المنزليات. وعلى هامش الكارتيل ايضاً استفاد الكثيرون من «التعليمة» عندما أتت ونصحت بخروج الأموال من لبنان؛ فبعض الذين علموا بالنصيحة نقلوها ايضاً الى عائلاتهم وبعض أصدقائهم وزملائهم.

يجدر التأكيد هنا ان المواطن العادي غير المتخصص بالمال والاقتصاد وغير المتابع لتقارير مصرف لبنان والمصارف والجهات الدولية كان يسمع باستمرار اسطوانة الخداع المقصود بان «الليرة بخير ومستقرة» وكل شيء على ما يرام الى ان سار بقدميه الى حفرة جهنم حيث تمت سرقته واذلاله ومن ثم لومه على ابقاء مدخراته في المصارف التجارية في بلده (وهي للتذكير ليست مصارف إستثمارية). فقد اصبح ثابتاً ان الحكومة اللبنانية كانت «تفكّر» جديّاً باعادة هيكلة الدين العام في أواخر 2018 وعندما تسرّب الخبر الى الإعلام ومؤسسات التصنيف الدولية اتفقت المنظومة على نفيه ودفنه الى ان انفجر الوضع في خريف 2019.

بالعودة الى آلة النهب الجهنمية التي استُعملت فهذه كانت تسعى الى تطوير نفسها وتسريع عملية الشفط والتهريب الى الخارج. فحكاية اللبنانيين مع الـ»بونزي التوربو» لا يوفيها حقها الّا سلسلة وثائقية متخصصة من نتفليكس وما يتم ذكره هنا لا يتعدّى العناوين. فالـ»بونزي توربو جي تي» كانت له ثلاث ركائز أساسية:

١ - بونزي ضخم

مخططات الـ»بونزي» الإحتيالية عادةً ما يقوم بها أفراد او شركات ويبقى تأثيرها محصوراً بمجموعة صغيرة نسبياً انطلت عليها خدعة صاحب الـ»بونزي». أمّا مخطط الـ»بونزي» اللبناني فقد تخطّى جميع هذه المقاييس، فهندسه واداره مصرف الدولة المركزي وشاركت فيه المصارف عن معرفة وطمع بحصّة من الأرباح، كما غطّته الحكومات والمجالس بالقرارات والقوانين.

٢ - آلة تبديل الليرات

الركيزة الثانية لآلة السرقة كانت إستعمال سعر الصرف المثبّت اصطناعياً لتبديل الليرات الناتجة عن القروض المدعومة والفساد والسمسرات والرشوة والهبات وسرقة صناديق الدولة اللبنانية المختلفة وتلزيماتها الى دولارات حسابية ومن ثم تبديلها بالدولارات الحقيقية التي ادخلها المغتربون والجهات الدولية وتحويلها الى الخارج او الى عقارات تحفظ قيمتها ولا تطالها العقوبات او «الهيركات» عندما تأتي.

٣ - تبييض الأموال

الركيزة الثالثة لعمل المنظومة كانت تسهيل عمليات تبييض الأموال على نطاق واسع عبر المصارف التي اختارت غض النظر وتجاهل تطبيق القانون (44 / 2015) والقواعد المصرفية العالميّة وكذلك عبر المضاربات العقارية وشركات المقاولات وغيرها من النشاطات التجارية حتى تكوّن سوقاً موازياً متخصصاً مهمته تسهيل عمليات التبييض الصغيرة والكبيرة دون اي اعتبار للانتاج والمنافسة والإبتكار.

إن الجواب الوحيد والشافي على هذا المخطط الثلاثي الأبعاد الذي استعمل لسرقة البلد وإفلاسه هو ضرورة كسر الكارتيل ومحاسبته. وهذه «المحاسبة» ستكون صعبة لكن بالتأكيد ممكنة ومدخلها الإلزامي ثلاث خطوات متداخلة مع الإتفاق الأولي الذي عقد مع صندوق النقد الدولي والأهم انها تساعد على حل معضلة الودائع بطريقة عادلة ومنطقية، والخطوات هي:

1 - الغاء السرية المصرفية.

2 - التدقيق الجنائي بجميع الحسابات البنكية وحركتها وقيودها.

3 - مصادرة جميع الأموال المشكوك بأمرها.

الحرب مع المنظومة صعبة ومعقدة ولعلها أصعب الحروب التي واجهها لبنان، لكنها ممكنة وتبدأ بفتح كوّة في درع المنظومة والبدء بكشف أفرادها ومحاسبتهم الواحد تلو الآخر من دون مهادنة. فهذه الحرب هي التجسيد الفعلي لمقولة «او قاتل او مقتول» فامّا محاسبة المرتكبين والفاسدين والبدء ببناء مستقبل واعد او الرضوخ لخطة تدفيع المودعين والمواطنين ولبنان عموماً فاتورة الفساد.

@JeanClaudeSaade