د. ميشال الشماعي

حكومة حياة أو موت

8 حزيران 2022

02 : 00

ما إن انتهت الانتخابات النيابيّة حتى بدأ الحديث عن استكمال الهيكليّة السياسيّة للدولة اللبنانيّة. ونجح دويتّو السلطة المكوّن من منظومة الفساد التي يقودها هذا العهد بمباركة منظمة «حزب الله» وسلاحها غير الشرعي بضرب هذه الهيكليّة وتفريغ الدولة من جوهر وجودها. وبالطبع هذه المسألة ليست وليدة الصدفة بل هي نتيجة مخطّط مدروسٍ وممنهجٍ لجعل لبنان الدّولة شبيهاً بالدولة الايرانيّة.

من هنا، أُفقِدَتِ الدّولة في لبنان مقوّمات قوّتها ومؤهّلات استمرارها حتّى صارت اليوم بعد مرور 14 سنة على تسوية الدّوحة فارغة من مضمون وجودها. ولا يمكن اليوم العودة إلى هذه التسوية القاتلة التي كرّست عرفًا يُفرِغُ الدّستور من محتواه الماديّ ومن مسوّغِه القانوني. ولا يبدو أنّ فريق الممانعة قد اقتنع بضرورة عودة الحياة إلى قلب الدّستور وبالتالي استعادة الدّولة لهيبتها، بل ما زال هذا الفريق يبحث في كيفيّة الالتفاف على إرادة النّاس. ودليلنا في ذلك يظهر في كيفيّة التفافه على نتائج الانتخابات باصطناعه أكثريّة بفعل الترغيب والترهيب المستتِرَينِ. وعلى ما يبدو سيحاول تطبيق نظرية الـ 65 في عمليّتيّ التكليف والتأليف. ما يعني ذلك أنّنا قد نكون أمام حكومة من لون واحد، قد يعمد مايسترو «حزب الله» إلى تطعيمها ببعض التغييريّين من الذين لا يعتبرون السيادة أولويّة في هذه المرحلة. وهذا ما قد يجعلها مقبولة في الأوساط الدّوليّة والإقليميّة بهدف رفدها بالقليل من الأوكسيجين ما قد يسمح بتقطيع هذه المرحلة بأقل ضرر ممكن. لكن إذا نجح السياديّون بتوسيع المروحة السياديّة في المجلس النيابي على قاعدة أولويّة المشروع السيادي الذي يتقدّم على المشاريع كافّة قد ينجح هذا الفريق بانتزاع الحكومة التي يريدها. لا سيّما وأنّه قد حدّد المواصفات التي تبدأ باستعادة القرار الاستراتيجي السياسي، العسكري، الأمني والديبلوماسي ولا تنتهي برؤية اقتصاديّة واضحة تعيد إلى لبنان المكانة التي أفقدته إيّاها هذه السلطة مجتمعة.

ولا يجوز بعد اليوم تقديم أيّ رؤية لا تضع السيادة أولويّة. فهذا الموضوع لم يعد ترَفاً بعد الدّرك الذي وصل إليه الوضع في لبنان. ويبدو أنّ القناعة بالسيادة آخذة في الاتّساع لا سيّما وأنّ المجتمع الدولي بغضّ النظر عن اعتباره موضوع الاستقرار السياسي أولويّة، إلا أنّه بدأ بمقاربته سياديّاً لا سيّما بعد التعثّر الذي تعمّده هذا العهد في المفاوضات حول ترسيم الحدود البحريّة، لأنّ المفاوِض هو نفسه مَن يسيطر على السلطة، أي «حزب الله». وهذا ما سيجعل من لبنان الدّولة يتحمّل مسؤوليّة ما آلت إليه الأمور. لذلك سارع جميعهم إلى الاستنجاد بالراعي الأميركي لحلّ موضوع الحدود البحريّة مقابل تنازلات من قبل الطرف اللبناني، بعد المكان الذي وضعت نفسها فيها هذه المنظومة بمحاولتها ابتزاز الأميركي مقابل العقوبات المفروضة على بعض رموزها وأولهم الوزير باسيل. إن لم ينجح الفريق السيادي بترؤس الحكومة المقبلة أو بفرض شروطه، هذا يعني عمليّاً الانزلاق أكثر فأكثر نحو القعر. وحذارِ السماح لفريق الممانعة بالتحايل على المجتمع الدولي لتأمين استمراريّته، في بلد يتهاوى ولم يعد يحتمل أيّ مواطن فيه ثقافة الموت التي نجح هذا الفريق ببثّها في المجتمع اللبناني. ممّا لا شكّ فيه أنّ مخاض ولادة الجمهوريّة القويّة صعب جدّاً ولكن ليس مستحيلاً.

في نهاية المطاف لا يمكن لثقافة الموت أن تنتصر على ثقافة الحياة، وإن نجحت في جولة فهي حتماً ستسقط في النهاية. من هذا المنطلق، وأمام الاصطفافات في المجلس الجديد لن تكون المهمّة السياديّة سهلة مع وجود فئة لا زالت غير مقتنعة بهذا المشروع. وهذا ما سيستغلّه «حزب الله» لأنّه لا يستطيع جرّ لبنان والمنطقة إلى مواجهة عسكريّة وذلك لأنّه ما زال يملك بعض مفاتيح التحكّم بالورقة السياسيّة. باب الأمل الوحيد لاسترجاع هيبة الدّولة يكمن في بناء استراتيجيّة سياديّة تبدأ بالسياسة والأمن والعسكر ولا تنتهي بالسياسة الخارجيّة. أو تكون هذه الحكومة حكومة حياة أو يموت لبنان كلّه. وهذا ما يجب أن يعيه أولئك الذين لم يحسموا خياراتهم بعد قبل فوات الأوان لأنّ الندم لن يفيد أحداً.