مسرحية "لي ميزيرابل" تُضيء ليل كراكاس الحالك

12 : 47

تأخذ المسرحية الغنائية "لي ميزيرابل" نكهة خاصة في كراكاس، إذ يتماهى المتفرجون الفنزويليون كثيراً مع مغامرات جان فالجان وكوزيت وغافروش على خلفية الأزمة السياسية والحواجز والكارثة الاقتصادية التي تتخبط بها البلاد.

أزيح الستار على مسرح تيريسا كارينيو في كراكاس ويغلب التأثر على الحضور فيما يعلو التصفيق الحار في القاعة للفرقة الفنزويلية بالكامل التي تقدم المسرحية الغنائية المستوحاة من رائعة فيكتور هوغو على مدى عشرة أيام.

ويؤكد الباريتون غاسبار خافيرت أن الجمهور الفنزويلي "يتماهى بعمق" مع الشخصيات والأجواء السياسية والاقتصادية التي كانت مهيمنة على فرنسا في مطلع القرن التاسع عشر.

وتمر فنزويلا بأسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها المعاصر. ويتوقع أن يصل التضخم إلى 200 ألف بالمئة خلال العام الحالي بحسب صندوق النقد الدولي. ويعيش الفنزويليون خارج العاصمة على وقع انقطاع التيار الكهربائي والأدوية والوقود.

وتقدر الأمم المتحدة عدد الفنزويليين الذين هاجروا إلى الخارج بأكثر من أربعة ملايين شخص.

وعلى الصعيد السياسي، يحاول المعارض خوان غوايدو الذي اعترفت به حوالى خمسين دولة رئيساً بالوكالة إزاحة الرئيس الاشتراكي نيكولاس مادورو عن السلطة منذ كانون الثاني.

وشهدت فنزويلا أيضاً تظاهرات كثيرة ضد السلطة كان بعضها عنيفاً للغاية.



ففي 30 نيسان/ والأول من أيار، قتل ستة أشخاص خلال مواجهات بين متظاهرين مناهضين لمادورو والقوى الأمنية. وعمت البلاد بعدها تظاهرات ضخمة في وقت دعا فيه خوان غوايدو إلى التمرد على نيكولاس مادورو.

وقالت غابرييلا اوروبيسا البالغة 43 عاماً والتي حضرت العرض إن ثمة ميزة علاجية في متابعة مغامرات السجين السابق جان فالجان في محاولته إنقاذ كوزيت وفي وفاة غافروش على المتاريس خلال الانتفاضة الجمهورية في حزيران 1832 في باريس.

وأوضحت "هذه الرواية الكلاسيكية المرجعية تتكيف مع كل الحقبات وهي رائعة بالنسبة إلينا".

وأكدت ماريانا غوميس التي تؤدي دوراً في المسرحية "خلال التدريبات الأولى، غلب علينا التأثر الكبير (...) وكنا نبكي".

وهي تأثرت خصوصاً بمشهد المتاريس وتقول الممثلة بهذا الصدد "ثمة معاناة كبيرة" من دون أن تذكر صراحة القتلى الذين سقطوا خلال التظاهرات في بلدها.

وإضافة إلى مسألة "التماهي" مع موضوع المسرحية، شكّل إنتاج هذه الملحمة نجاحاً لوجستياً و"عمل تمرد" على الأزمة وفق ما أكدت المنتجة كلوديا سالاسار التي احتاجت إلى ثلاثة أعوام لإنجاز المشروع.

وإلى جانب الصعوبات الجمة لإيجاد مستثمرين مستعدين لتمويل مسرحية غنائية في بلد يعاني من انهيار اقتصادي، نُعتت سالاسار مرات عدة بأنها "مجنونة". وأكدت "نحن ننتفض على هذا الوضع الذي يريدنا أن نكون منهزمين وان يصبح كل شيء مستحيلاً".

وكانت المعركة صعبة. فمسرح تيريسا كارينيو ليس في أفضل حالاته. وهو افتتح العام 1983 لكن بات اليوم يستضيف مناسبات سياسية تنظمها السلطات أكثر منها مسرحيات وحفلات موسيقية.

وعندما بدأت فرقة المسرحية تتمرن في المسرح، لم يكن مكيّف الهواء يعمل. وقد دفع المنتجون كلفة تصليحه لكنهم اضطروا إلى تقليص عدد المتفرجين من 2500 إلى 1400 شخصا للوصول إلى تهوئة مناسبة.

وحوّل المخرج الفرنسي روبير حسين "لي ميزيرابل" إلى مسرحية غنائية العام 1980. وهي باتت تشكل بصيص أمل في ليل كراكاس الحالك حيث ترغم الجريمة العالية الفنزويليين على ملازمة منازلهم عند مغيب الشمس فيما الصعوبات المالية الجمة أدت إلى تقليص الفعاليات الثقافية.

وقال الطالب ريكاردو سكينازي البالغ من العمر 21 عاماً إن مشاهدة عرض مسرحي "يجعلنا نشعر بأننا في بلد طبيعي ولو للحظة".

إلا أن حضور هذه المسرحية يكلف غالياً، إذ تتراوح أسعار البطاقات بين 30 و65 دولاراً فيما الحد الأدنى للأجور في فنزويلا يعادل 15 دولاراً.