الشرق الأوسط والانفجار المرتقب

02 : 00

اجتمع كبار الوزراء في الحكومة الإسرائيلية مرتين في الأسبوع الماضي لمناقشة احتمال شن حرب مفتوحة ضد إيران. كانوا يعرفون خطة إيران بإطلاق هجوم بطائرة بلا طيار من سوريا في شهر آب، لكن أعاقتها ضربة جوية إسرائيلية في اللحظة الأخيرة، كما أنهم يدركون حاجة إيران إلى تحويل الانتباه عن الاحتجاجات الحاشدة ضد حكم حزب الله في لبنان. كذلك، راجع الوزراء تفاصيل هجوم الطائرات الإيرانية بلا طيار وصواريخ "كروز" على منشأتَين نفطيتَين سعوديتَين، واستنتجوا أن هجوماً مماثلاً قد يستهدف إسرائيل انطلاقاً من العراق.<br>في غضون ذلك، أعلنت قوات الدفاع الإسرائيلية عن تبني خطة طوارئ تحمل اسم "الزخم" وتهدف إلى توسيع قدرات الدفاع الصاروخي وقدرة إسرائيل على جمع معلومات استخبارية عن مواقع الأعداء وتحضير جنودها لأي حرب محتملة في المدن والبلدات. أصبحت القوات الإسرائيلية في حالة تأهب، لا سيما في الشمال. تتوقع إسرائيل حصول الأسوأ وتتحرك على اعتبار أن القتال قد يندلع في أي لحظة.

يسهل أن نتوقع مسار الأحداث. قد ينفجر الوضع، كما حصل في نقاط كثيرة من الشرق الأوسط، نتيجة شرارة واحدة. سبق ونفذت الطائرات الإسرائيلية المقاتلة مئات الغارات الجوية ضد أهداف إيرانية في لبنان وسوريا والعراق. تفضّل إسرائيل ردع طهران بدل إحراجها، ونادراً ما تُعلّق على تحركات مماثلة. لكن ربما تخطئ إسرائيل في حساباتها أحياناً، فتستهدف مواقع حساسة، أو ربما يفضّل السياسيون تلقي الإشادة على قراراتهم. نتيجةً لذلك، قد تطلق إيران ضربة مضادة بصواريخ "كروز"، فتخترق دفاعات إسرائيل الجوية وتقضي على أهداف مثل وزارة الدفاع الإسرائيلية "كرياه". من المتوقع أن تردّ إسرائيل حينها عبر استهداف مواقع حزب الله في بيروت، فضلاً عن عشرات الأهداف الأخرى على طول الحدود اللبنانية. وبعد يوم من التبادلات الواسعة، قد تندلع حرب حقيقية.

ستمطر الصواريخ التي تحمل أطناناً من مادة "تي إن تي" على إسرائيل، وقد تصطدم طائرات بلا طيار بمنشآت عسكرية ومدنية أساسية. خلال الحرب اللبنانية الثانية، في العام 2006، تراوحت أعداد الصواريخ اليومية بين 200 و300. لكنها قد تصل اليوم إلى 4 آلاف. معظم الأسلحة في ترسانة حزب الله هي عبارة عن صواريخ مُعدّة للمواجهة، بمسارات ثابتة، ويمكن تعقبها وإعاقتها عبر نظام "القبة الحديدية" الإسرائيلي. لكن يكون هذا النظام فاعلاً بنسبة 90%، ما يعني وصول 10 صواريخ من كل مئة، وتعجز سبع بطاريات تشغيلية عن تغطية البلد كله. في هذه الحالة، ستصبح إسرائيل كاملة، من المطلة شمالاً إلى مدينة إيلات المرفئية جنوباً، هدفاً في مرمى العدو.

في الوقت نفسه، من المتوقع أن ينظم الفلسطينيون في الضفة الغربية وغزة احتجاجات عنيفة، فتقمعها إسرائيل بوحشية، ما يدفع مجلس الأمن إلى إدانتها على خلفية استعمال قوة عشوائية وغير متكافئة، حتى أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قد يجمع الأدلة لتقديمها أمام المحكمة الجنائية الدولية. تستطيع إيران وحلفاؤها تحقيق ما تعجز عن فعله في ساحة المعركة عبر مقاطعة إسرائيل وعزلها وخنقها.

قد تبدو هذه التوقعات كلها مبالغاً فيها، لكنها ليست كذلك بنظر كبار الوزراء الإسرائيليين الذين يقيّمون هذا النوع من السيناريوهات المحتملة. لكنّ أهم سؤال في هذا المجال هو التالي: ما ستكون ردة فعل الولايات المتحدة؟

صحيح أن الولايات المتحدة أغفلت عن اعتداءات إيران، لكنها استفزتها أيضاً. استغلت إيران شرعية الاتفاق النووي والمكاسب المترتبة عنه للسيطرة على مساحات كبرى من الشرق الأوسط ومحاصرة إسرائيل بالصواريخ. لكن مع انتهاء صلاحية بنود المعاهدة، قد تخرج إيران عن السيطرة وتُصنّع مئات الأسلحة النووية تزامناً مع ردع قدرة إسرائيل على استباق الاعتداءات.

دعم قادة إسرائيل إلغاء اتفاقٍ يمهّد برأيهم لهيمنة إيران ويساعدها على تطوير ترسانتها النووية، كما دعموا العقوبات الأميركية بالكامل مع أنها تجازف بشن الحرب. من وجهة نظرهم، من الأفضل أن يأخذوا هذه المجازفة الآن، بدل انتظار خمس سنوات أخرى، أي بعدما تنهي إيران انتصاراتها في الشرق الأوسط وتحاصر إسرائيل وتُصنّع قنابل نووية. ومن الأفضل أن ينشأ الصراع خلال الإدارة الأميركية الراهنة لأن إسرائيل تستطيع الاتكال عليها للحصول على ثلاثة مصادر من المساعدات التي تتلقاها تقليدياً في زمن الحرب.

المصدر الأول هو الذخائر: بدءاً من حرب أكتوبر/تشرين الاول في العام 1973، مروراً بحربَين في لبنان وثلاثة اشتباكات مع غزة، تراجع مخزون إسرائيل من الذخائر الأساسية. في كل حالة من تلك الحالات، وافقت الولايات المتحدة على تدعيم قوات الدفاع الإسرائيلية، عبر خطوط التموين الجوي أو انطلاقاً من المخازن المُحددة مسبقاً داخل إسرائيل. في حالة واحدة فقط، خلال عملية "الحافة الواقية"، تأخرت إدارة أوباما في شحن الأسلحة (صواريخ "هيلفاير") تعبيراً عن استيائها من ارتفاع عدد الضحايا الفلسطينيين.

أما النوع الثاني من الدعم، فله طابع قانوني. بما أن الأمم المتحدة تصوّت في مناسبات كثيرة لإدانة إسرائيل، تحشد الولايات المتحدة دولاً لها توجّه مشابه لمعارضة القرارات أحادية الجانب أو تخفيف حدتها على الأقل، كما أنها تستعمل حق النقض في مجلس الأمن. كذلك، لطالما سعت الولايات المتحدة إلى حماية إسرائيل من بعثات الأمم المتحدة التي تُعنى بجمع الوقائع وتندد بأفعالها، ومن العقوبات التي تفرضها المحاكم الدولية. حين صدر "تقرير غولدستون" بعد عملية "الرصاص المصبوب" في العام 2009 في غزة واتهم إسرائيل بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، سارع البيت الأبيض بقيادة أوباما وأغلبية الحزب الديمقراطي في الكونغرس إلى الدفاع عن إسرائيل.

أخيراً، دعمت الولايات المتحدة إسرائيل في ساحات القتال، والمفاوضات على وقف إطلاق النار، وسحب القوات العسكرية، وتبادل الأسرى، ووضع أطر للسلام. بدأ هذا التقليد بعد حرب الستة أيام في العام 1967، عبر القرار 242 الذي صدر عن مجلس الأمن بوساطة أميركية، واستمر مع الجهود الدبلوماسية لوزيرَي الخارجية هنري كسنجر في العامَين 1973 و1974 وكوندوليزا رايس في العام 2006. لكن بعد القتال في العام 2014، رفضت إسرائيل عرض الولايات المتحدة بلعب دور الوساطة، بسبب عدم ثقة حكومتها بوزير الخارجية جون كيري.

لكن لا وجود لهذا النوع من انعدام الثقة في علاقة إسرائيل مع وزير الخارجية مايك بومبيو، ولا شك في أن هذه الإدارة لن تتردد في تقديم أنواع المساعدات التقليدية الثلاثة. لكن ماذا لو احتاجت إسرائيل إلى أكثر من ذلك؟ ماذا لو أصبح وجود الدولة اليهودية مُهدداً؟ هل ستتدخل الولايات المتحدة؟

من المتوقع أن تتدخل... بدرجة معينة! كل سنتين، تجري القوات الأميركية والإسرائيلية تدريبات مشتركة باسم "كوبرا العرعر" لتقوية دفاعات إسرائيل الجوية. نشر الأميركيون بطاريات صواريخ "باتريوت" في إسرائيل خلال حرب الخليج، ومنذ ذلك الحين، توسّع نطاق التعاون بين البلدين بدرجة ملحوظة، وشمل إقامة نظام رادار "إكس باند" في إسرائيل ونظام "ثاد" الموقت الذي يستعمل عدداً من أحدث التقنيات الأميركية المضادة للصواريخ البالستية. تبقى التفاصيل سرية طبعاً، لكن من الواضح أن الولايات المتحدة ملتزمة بحماية الأجواء الإسرائيلية. مع ذلك، لا أحد يستطيع التأكيد على استعداد القوات الأميركية لشن هجوم نيابةً عن إسرائيل ضد القواعد الإيرانية.

يزداد الوضع غموضاً خلال هذه السنة الانتخابية حيث يخوض الرئيس وخصومه حملاتهم لإنهاء الحروب القديمة في الشرق الأوسط بدل أن يعلقوا في حروب جديدة. تكشف الاستطلاعات بعد قرار ترامب بالانسحاب من سوريا أن مناصري الحزبَين الأميركيَين لا يدعمون أصغر تورط عسكري أميركي في المنطقة. مع ذلك، يؤكد المسؤولون في الإدارة دوماً على أن إسرائيل ليست سوريا أو المملكة العربية السعودية، ما يعني أنها تستطيع الاتكال على الدعم الأميركي المكثف عند الحاجة.

لا يزال هذا التوجه قائماً على الأرجح. صرّح أوباما لرئيس الوزراء نتيناهو في المكتب البيضاوي منذ ست سنوات: "الولايات المتحدة ستكون مستعدة دوماً لمساعدة إسرائيل في حال اندلاع الحرب لأن الشعب الأميركي يتوقع منها ذلك". لكن في العام 1973، لاحظت مصر وسوريا أن الرئيس الأميركي منشغل بالتحقيقات الرامية إلى عزله، واستنتجتا أن إسرائيل باتت في موقف ضعيف. خلال الحرب اللاحقة، انتصرت إسرائيل لكن مقابل ثمن باهظ. من المتوقع أن تكون الحرب المقبلة أعلى كلفة...


MISS 3