بيتر دوكريل

كيف شُفي جميع مرضى السرطان؟

13 حزيران 2022

المصدر: Science Alert

02 : 00

الناجون الأربعة

في إنجازٍ واعد يشهده قطاع معالجة سرطان المستقيم، استنتجت تجربة صغيرة في الولايات المتحدة أن السرطان اختفى لدى جميع المرضى المشاركين في الدراسة.

اختبرت هذه التجربة دواء "دوستارليماب" الذي يُباع باسم "جيمبيرلي"، وهو علاج مناعي يُستعمل لاستهداف سرطان بطانة الرحم. لكنها أول تجربة عيادية تختبر فاعلية الدواء ضد الأورام السرطانية في المستقيم.

توحي النتائج الأولية حتى الآن بأنه علاج فاعل على نحو مفاجئ، فقد استنتج الباحثون أن اختفاء السرطان لدى جميع المرضى قد يكون غير مسبوق في مجال الأدوية السرطانية.

تجدر الإشارة إلى أن النتائج الإيجابية سُجلّت حتى الآن لدى 12 مريضاً (لا تزال التجربة مستمرة)، وكانوا جميعاً مصابين بأورام تحمل طفرات جينية من نوع "نقص إصلاح عدم التطابق" (MMRd). إنها الطفرة الموجودة لدى 5 أو 10% من المصابين بسرطان المستقيم.

يكون المصابون بهذه الأورام أقل تجاوباً مع العلاجات الكيماوية والإشعاعية، ما يزيد حاجتهم إلى الجراحة لاستئصال الورم.

في الحالات العادية، يتوقع المصابون بهذا النوع من أورام المستقيم الخضوع لعلاج كيماوي أو إشعاعي قبل استئصال السرطان عن طريق الجراحة. لكن تترافق هذه العلاجات المكثفة مع عواقب طويلة الأمد في حالات كثيرة للأسف، وقد تستمر آثارها طوال حياة المريض.

تقول المشرفة الرئيسة على التجربة، أندريا سيرسيك، وهي عالِمة أورام في مركز "ميموريال سلون كيترينج" للسرطان: "قد يجد الناس صعوبة في تلقي العلاج النموذجي لسرطان المستقيم نظراً إلى موقع الورم، فهو خليط من الجراحة والأشعة والعلاج الكيماوي. قد يتعرّض المرضى لمشاكل في المثانة والحياة الجنسية، وتتغير أمعاؤهم بشكلٍ دائم، ويصابون بالعقم واضطرابات أخرى".

لكن في تحوّل مدهش للأحداث، تجنّب المرضى المشاركون في التجربة الجديدة تلك الإجراءات كلها والآثار الجانبية المرتبطة بها.

خلال المرحلة الثانية من الدراسة، تلقى المرضى دواء "دوستارليماب" كل ثلاثة إلى ستة أسابيع، على أن يخضعوا للعلاج الكيماوي النموذجي والجراحة لاحقاً إذا عادت الأورام للظهور، لكنها لم تظهر مجدداً.

بعد ستة أشهر على متابعة المشاركين، أبدى المرضى الاثنا عشر في التجربة "ردة فعل عيادية كاملة"، ولم تبرز أي أدلة على ظهور الأورام عبر التصوير بالرنين المغناطيسي، والتصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني، والتنظير، وفحص الخزعة، واختبارات أخرى.

توضح ساشا روث، وهي أول مريضة شاركت في التجربة: "أخبرتني الدكتورة سيرسيك بأن فريقاً من الأطباء حلّل فحوصاتي. وبما أنهم لم يجدوا أي آثار للسرطان، قالت لي إن الخضوع للعلاج بالأشعة لم يعد مبرراً".

حتى الآن، أنهى 12 مريضاً العلاج كله وخضعوا للمراقبة طوال ستة أشهر على الأقل. واجه ثلاثة أرباع المرضى آثاراً جانبية خفيفة أو معتدلة، منها الطفح الجلدي، والحكة، والإرهاق، والغثيان، لكن لم يظهر السرطان مجدداً لدى أيّ منهم، علماً أن فترة المتابعة ستمتد على سنة كاملة. حتى أن بعض المرضى شُفِي من السرطان منذ سنتين.

في النهاية، من المنتظر أن تشمل التجربة حوالى ثلاثين مريضاً. لن تتّضح فاعلية دواء "دوستارليماب" ونسبة أمانه لدى المصابين بسرطان المستقيم قبل الاطلاع على البيانات الخاصة بالمجموعة كلها، وتبرز الحاجة لاحقاً إلى إجراء دراسات أخرى على مجموعة أكبر من المرضى.

إلى حين حصول ذلك، يجب أن نتعامل مع النتائج الراهنة بحذر وتفاؤل. تعليقاً على هذه الاستنتاجات، تقول عالِمة الأورام هانا سانوف من جامعة "نورث كارولينا" في "تشابل هيل"، إن ردة الفعل العيادية الكاملة تجاه العلاج ليست بديلة عن مراقبة السرطان على المدى الطويل. قد تعطي مثبطات مثل "دوستارليماب" آثاراً تدوم لسنوات، لكن قد ينمو السرطان مجدداً لدى أقلية من المرضى إذا لم يخضعوا للجراحة، لا سيما إذا تلقوا علاجاً تجريبياً من هذا النوع.

توضح سانوف: "لا نعرف معلومات كثيرة بعد عن المدة التي يجب انتظارها لاعتبار ردة الفعل العيادية الكاملة تجاه دواء "دوستارليماب" مرادفة للشفاء التام. يجب أن تتكرر هذه النتائج أيضاً على نطاق أوسع للتأكد من منافع الدواء التي رُصِدت حتى الآن لدى عدد صغير من المصابين بأورام مرتبطة بطفرة MMRd. كذلك، لا نعرف بعد مدى قدرة العلماء على تعميم نتائج هذه الدراسة الصغيرة على عدد أكبر من المصابين بسرطان المستقيم".

لكن رغم هذه التحفظات كلها، تبقى النتائج واعدة جداً. بدأ الباحثون يستكشفون منذ الآن مدى قدرة مقاربتهم المناعية اللافتة على مساعدة المصابين بأورام مرتبطة بطفرة MMRd، منها بعض أنواع سرطان المعدة والبروستات والبنكرياس.

لا يزال الوقت مبكراً لإطلاق استنتاجات جازمة، إذ تكثر المعلومات التي نجهلها حتى الآن. لكن إذا نجحت أبحاث أخرى في تكرار النتائج الواعدة نفسها، قد نشهد على ظهور نوع جديد من علاجات السرطان.

في النهاية، تكتب سانوف في تقريرها: "رغم هذه الشكوك، قدّمت سيرسيك، وزملاؤها، والمرضى الذين استغنوا عن العلاج النموذجي لتجربة علاج مناعي واعد لكن مجهول النتائج، لمحة أولية على حصول تحوّل ثوري في طبيعة العلاجات. إذا أثبت العلاج المناعي قدرته على استهداف سرطان المستقيم، قد لا يضطر المرضى المؤهلون لهذا العلاج لتقديم التنازلات لمعالجة حالتهم".

نُشرت نتائج التجربة في "مجلة نيو إنغلاند للطب".


MISS 3