أجاي ماكان

البرتغال تحوّلت إلى معقل للمهاجرين

15 حزيران 2022

المصدر: Foreign Policy

02 : 05

مهاجر يحمل لافتة "لا أحد غير قانوني" خلال مظاهرة في لشبونة
في العام 2015، شاهد العالم الرحلة الخطيرة التي قام بها أكثر من مليون لاجئ (معظمهم هربوا من الحرب الأهلية السورية). انطلق هؤلاء من تركيا إلى اليونان ثم توجهوا إلى النمسا بعد وصولهم إلى دول الاتحاد الأوروبي. كانوا يريدون الوصول إلى ألمانيا، العملاقة الاقتصادية في أوروبا، حيث تكثر الفرص التي تنذر بحياة جديدة. بعد مرور خمس سنوات، قامت ديبتي روت، فتاة نيبالية عمرها 24 سنة (تغيّر اسمها في هذه المقالة منعاً لإعاقة طلب إقامتها في الاتحاد الأوروبي)، برحلة مشابهة لكنها وصلت في نهاية المطاف إلى وجهة مختلفة جداً. هي تقوم بأعمال زراعية موَقتة في أنحاء البرتغال، أفقر بلد في غرب أوروبا، منذ 18 شهراً. تحلم روت بالعيش في فرنسا، لكنها مضطرة للبقاء لعشر سنوات في البرتغال قبل تحقيق حلمها. تستقبل البرتغال المهاجرين منذ عقود، لكن يتجاهلها الكثيرون كوجهة بحد ذاتها حين يحصل المهاجرون على فرصة الاستقرار في بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا. لكن منذ العام 2015، حين وصلت التداعيات السياسية للنزوح السوري إلى شمال أوروبا، اضطر المهاجرون والشبكات التي تقودهم إلى القارة الأوروبية لتغيير مسارهم، فأصبحت البرتغال وجهة نهائية محبذة.

إرتفع عدد المهاجرين في البرتغال بنسبة 70% تقريباً في آخر خمس سنوات، ثم زاد بسرعة لافتة رغم انتشار وباء كورونا. في الوقت نفسه، حصل المهاجرون على رخصة إقامة هناك في العام 2020 أكثر من الأعداد المسجلة في العام 2015 بنسبة تفوق الضعف، ولا تضاهي أي دول أخرى هذا المعدل باستثناء كرواتيا وسلوفينيا ذات الدخل المنخفض. في المقابل، تراجعت موجات الهجرة نحو فرنسا وألمانيا الأكثر ثراءً بدرجة ملحوظة.

يحصل المهاجرون على رخصة إقامة إذا وجدوا عملاً لهم، بغض النظر عن طريقة وصولهم إلى البلد، وقد بدأت هذه السياسة في العام 1986، حين انضمّت البرتغال إلى الاتحاد الأوروبي وأطلقت صناديق التنمية في بروكسل طفرة من مشاريع البناء. في تلك الفترة، لم يكن المهاجرون يستطيعون تقديم طلب لنيل الإقامة من داخل البلد، مع أن أكثر من 200 ألف عامل غير شرعي حصلوا على صفة قانونية بفضل إعفاءات دورية خلال العقود اللاحقة. في العام 2007، طرحت الحكومة آلية رسمية تسمح للمهاجرين بتقديم طلبات لنيل الإقامة فور عثورهم على عمل.

حين يصبـــــح المهاجرون مقيمين شرعيين في البلد، يمكنهم أن يقدموا طلباً لاستدعاء عائلاتهم. يحصل أولاد المهاجرين على الجنسية البرتغالية تلقائياً إذا وُلدوا هناك وكان أحد الوالدَين مقيماً شرعياً منذ سنة. وبعد نيل رخصة الإقامة القانونية بخمس سنوات، يستطيع المهاجرون أن يقدموا طلباً للحصول على جواز برتغالي خاص بهم (إنها أقصر مدة لنيل الجنسية في أوروبا). في المقابل، يضطر المهاجرون في ألمانيا لانتظار مرور ثماني سنوات لتقديم طلب الجنسية، ولا يحصل أبناء الأجانب في ألمانيا على الجنسية الألمانية إلا إذا كان أحد الأبوين يقيم هناك بشكلٍ قانوني منذ ثماني سنوات على الأقل.

يقول كمال بهاتاري، رئيس جمعية خاصة بالنيباليين في لشبونة: "لقد راجعتُ تقييمات جميع الخبراء على الإنترنت واستنتجتُ أن البرتغال تعطي رخصة الإقامة خلال فترة أقل من غيرها". انتقل هذا الرجل إلى البرتغال في العام 2013 بعد حضور مؤتمر أكاديمي في إيطاليا حول تأشيرات الاتحاد الأوروبي قصيرة الأمد، ثم طالت إقامته هناك.

يُعتبر المهاجرون من جنوب آسيا الجماعة الأسرع نمواً في البرتغال حتى الآن، مع أن الوافدين من مستعمرات برتغالية سابقة يتفوقون عليهم بالأرقام المطلقة. يقوم السماسرة والوسطاء الذين يجلبون الناس من جنوب آسيا إلى أوروبا بتسويق البرتغال كوجهة جاذبة عبر فيديوات على "يوتيوب" باللغتين الهندية والأردية، وعبر مجموعات مغلقة للمهاجرين على "واتساب" و"فيسبوك"، فيَعِدون الناس بنيل صفة قانونية في الاتحاد الأوروبي عن طريق البرتغال.

عند غروب الشمس في أرياف جنوب البرتغال، يسير السيخيون القادمون من منطقة البنجاب الباكستانية يداً بيد، فيتّجهون من الحقول نحو البلدات حيث تحمل المقاهي لافتات باللغة الهندية. في لشبونة، يعمل النيباليون في مطابخ المطاعم، ويدير البنغلادشيون عدداً من متاجر الفاكهة في المدينة. ويجد أرباب العمل عمالاً زراعيين في ساحة "مارتيم مونيز" حيث يتجمّع المهاجرون لشرب الشاي وتناول السمبوسة التي تُباع في أكشاك موَقتة.

يتواجد هاري بهاتاري (ليس من أقارب كمال) في البرتغال منذ سنوات، وهو يعمل في مطابخ المطاعم في لشبونة وفي ضواحيها الغنية والمطلّة على المحيط. تكلم هذا الأخير مع صحيفة "فورين بوليسي"، وسحب خلال مقابلته بطاقتَي هوية من محفظته ووضعهما جنباً إلى جنب: الأولى هي بطاقة إقامته الموَقتة حيث تُذكَر جنسيته النيبالية بكل وضوح، والثانية هي جنسية ابنه البرتغالية التي تحمل ختم الاتحاد الأوروبي على جهتها الخلفية. هو يشعر بالراحة لأن ابنه يستطيع العودة إلى البرتغال في أي وقت، حتى لو أُجبرت بقية عائلته على العودة إلى نيبال.

لكن رغم تساهل النظام القانوني مع المهاجرين في البرتغال، يمنح البلد عدداً قليلاً من التأشيرات القيّمة وتراخيص العمل خوفاً من انتقادات حكومات الاتحاد الأوروبي الأخرى لأنها قد تتّهمه بالتشجيع على الهجرة.

يقول جواو كارفالو، عالِم سياسي في جامعة لشبونة: "نحن نحتاج إلى العمال، لكن لا يمكننا أن نقول إننا نفتح أبوابنا أمام المهاجرين لأن فرنسا وألمانيا لن تتحمّلا هذا الوضع. لذا نتكل على سوق العمل. عند وجود وظائف شاغرة، سيجد الناس طريقة لدخول البلد واستلام تلك الأعمال. وإذا لم يجدوا أي عمل، سيغادرون بكل بساطة".

نتيجةً لذلك، يضطر معظم المهاجرين للتسلل إلى البرتغال خلسةً، ولا ينجح إلا الميسورين نسبياً في بلوغ وجهتهم. قد يواجه المهاجرون ظروفاً خطيرة ومثقلة بالأعباء المادية في آن: انطلاقاً من مقابلات أجرتها صحيفة "فورين بوليسي" وأبحاث أكاديمية أشرفت عليها عالِمة الاجتماع ألكسندرا بيريرا، قد تتراوح كلفة الوصول إلى البرتغال بين 4 آلاف و14 ألف يورو (بين 4185 و14650 دولاراً).

احتاجت روت إلى 15 يوماً لعبور الغابة التي تفصل تركيا عن اليونان وأمضت صيفاً كاملاً وهي تتنقل في أنحاء أوروبا. يستطيع كل من يملك المال أن يطلب من أحد السماسرة تأمين تأشيرة سياحية أو طلابية أو رخصة عمل لدولة أخرى من الاتحاد الأوروبي. ثم يسافر هؤلاء مباشرةً إلى البرتغال ويبدؤون البحث عن عمل. لكن يصل آخرون إلى البلد عن طريق التهريب من بريطانيا، حيث يكسبون مبالغ جيدة لكنهم يعجزون عن نيل أي وثائق رسمية.

تكون الدول الفقيرة في الاتحاد الأوروبي، مثل مالطا وبولندا وكرواتيا، أكثر ميلاً إلى منح تراخيص العمل، ما يجعل دخول البلد أكثر سهولة وأقل كلفة. لكن تبقى إجراءات نيل الجنسية في هذه الدول أصعب بكثير من البرتغال.

تستفيد الشركات البرتغالية من المهاجرين القادمين خلسةً. إيزا ألفيس دياس هي مديرة الموارد البشرية في "مادري فروتا" (تعاونية من المزارع الكبيرة)، في منطقة "ألغارف" في أقصى جنوب البرتغال. كانت تتنقل سابقاً بين بلغاريا ورومانيا وأوكرانيا وصربيا لتوظيف عمّال موسميين، لكنها تقول الآن: "اليوم، يمكننا أن نوظّف أي عامل موجود في البلد حتى لو كان يفتقر إلى التأشيرة المناسبة، شرط أن يبدأ العمل هنا. هم يظهرون في كل مكان، فيأتون إلى البرتغال بطريقةٍ ما بفضل مواردهم الخاصة".

لكن غالباً ما يكون المهاجرون معرّضين للاستغلال. تضطر شركات مثل "مادري فروتا" لتقديم تأشيرات خارجية للعمال، فضلاً عن وجبات الطعام ووسائل الراحة وبدل النقل. لكن يمكن التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين مثل العمال المحليين، ما يعني أن يتلقوا الحد الأدنى للأجور (737$) شهرياً ويضطروا لتأمين مكان للإقامة فيه. يتجمع العمال في هذه الحالة داخل غرف بطابقَين أو يدفعون المال للبقاء في مقصورات متنقلة في الأرض التي يزرعونها.

لكن في ظل تصاعد أعداد المهاجرين في البرتغال، طالت مدة إنهاء طلبات الإقامة من بضعة أشهر في العام 2013 إلى فترة قد تصل إلى ثلاث سنوات. نتيجةً لذلك، قد تمتد إجراءات نيل الجنسية على أكثر من عشر سنوات.

قد تمرّ سنوات قبل أن يحصل الوافدون الجدد إلى دول جنوبية مثل البرتغال على الجنسية وحرية التنقل، ثم يتّجهوا إلى دول شمال أوروبا. لكن بما أن النمو الاقتصادي في جنوب آسيا يمنح ملايين الناس الموارد اللازمة لمحاولة الوصول إلى أوروبا، من المتوقع أن يرتفع عدد الوافدين إلى أفقر الدول في الاتحاد الأوروبي خلال المرحلة المقبلة. تبقى فكرة بدء حياة جديدة في ألمانيا أو فرنسا حماسية، حتى لو تطلبت هذه العملية عقداً من الزمن.

في النهاية، يقول كارفالو: "أصبحت الهجرة نحو أوروبا قطاعاً بحد ذاته. ويقضي دور البرتغال في هذا القطاع بتشغيل اليد العاملة بين خمس وسبع سنوات ومنحهم جوازات سفر، ثم يبدأ آخرون العمل بدلاً منهم".


MISS 3