محمد دهشة

استُنهضت في الجامعات والمدارس واستعادت مجد الستينات والسبعينات

ْالصيّادون يؤيّدون الحراك... و"الرغيف" في الساحات

9 تشرين الثاني 2019

02 : 00

يحلّق طيف الشهيد معروف سعد "أبو الفقراء" فوق رؤوس المحتجين في صيدا، ليواكب صيادي الأسماك هناك باهتمام وقلق بالغين. فـ"حراكهم الاحتجاجي" يدخل أسبوعه الثالث، يستعيدون فيه ذكرى ساحات نضاله الشعبي، حيث سقط شهيداً في 26 شباط من العام 1975 وهو يدافع عن حقوق الصيادين ضد شركة "البروتين"، التي أرادت احتكار صيد الأسماك بواسطة بواخر حديثة، ما اعتبره الصيادون في ذلك الوقت تهديداً لمصيرهم وقطعاً لأرزاقهم، رافضين التعويضات التي عرضت عليهم، والتي لا تقيهم "التشرد والبطالة وذل السؤال".

ويحضر مشهد "النضال المطلبي" الصيداوي، في تفاصيل حياة الصيادين، وهم يشقّون عباب مياه البحر لتأمين قوتهم، بينما يجلس بعضهم داخل المقهى الخاص بهم، يتابعون التطورات والاخبار المتسارعة، يشدّون الهمّة على أغنية "يا بحرية... هيلا هيلا"، تحولت اليوم "هيلا هيلا هو... الطريق مسكر يا حلو"، فيما طريقهم الى البحر "مفتوحة" على مخاطر جمة. ويؤكد أمين سر نقابة صيادي الاسماك في صيدا صلاح البطروني لـ "نداء الوطن": "إننا مع الحراك الشعبي ونؤيده، فهو يذكرني بأيام الثورة الشعبية والتضحيات الجسام التي قدمها الشهيد معروف سعد في منتصف السبعينات، حيث قاد تظاهرات الصيادين ودافع عن حقوقهم حتى الرمق الاخير، فالرزق والروح توأمان لا ينفصلان، والناس مستعدة أن تضحي من أجل حياة حرة كريمة، وإن شاء الله نصل الى نتيجة في حراك اليوم، فالشعب فقير و"جوعان"، والمسؤولون لا يسمعون الصرخات".

تشابه وفرق

ما يجري اليوم في صيدا من حراك احتجاجي يذكر بتلك الحقبة من النضال المطلبي، مع فارق كبير في التشبيه، فاستشهاد سعد حينها كان إحدى شرارات الحرب اللبنانية الأليمة التي استمرت نحو ربع قرن من الزمن، بينما اليوم فإن وحدة الحراك هي شرارته لأنها ألغت الطائفية والمذهبية من قاموس المناطق، ويقول الصياد حسن سنبل: "اللبنانيون التقوا في ساحات النضال مع بعضهم البعض وليس العكس، وحّدهم الوجع المعيشي والضائقة المعيشية وجمعتهم الرغبة في التغيير والاصلاح، ألغوا الطائفية من "النفوس قبل النصوص"، وهم يمضون معاً، كلّ على طريقته الخاصة من أجل تأمين مستقبلهم"...

رغيف وطنجرة

ميدانياً، إختصرت "أرغفة الخبز" يوم صيدا الاحتجاجي الثالث والعشرين، التي رفعها المحتجون تعبيراً عن الجوع والفقر، والحلة التي وصلوا اليها نتيجة الغلاء وإرتفاع الاسعار والتلاعب بسعر صرف الدولار والسياسات الاقتصادية الخاطئة، وسط هتافاتهم التي طالبوا فيها حاكم مصرف لبنان بالمحاسبة، فيما خطف "رغيف خبز" ناقص رفعته الطالبة بسمة مروة، من الصف الخامس ابتدائي وكتبت عليه "جوعتونا وشحتونا"، اهتمام وسائل الاعلام، وقالت لــ "نداء الوطن": "أعبر عن وجع أهلي، وعن خوفي على مستقبلي، وأحضرت رغيف الخبز للدلالة على ضيق العيش وعجز الناس عن تأمين لقمة يومهم، تحولت الى "نقمة" شعبية لن تهدأ الا بتحسين ظروفنا".

الى جانب بسمة، حمل العشرات من طلاب المدارس "أرغفة خبز"، واعتصموا أمام "مصرف لبنان" في المدينة، ورفع المحتجون لافتات كبيرة تندد بسياسات حاكم مصرف لبنان، وسط إجراءات أمنية مشددة للجيش وعناصر قوى الامن الداخلي، وقالت الطالبة نسرين فتال لـ "نداء الوطن" وهي ترفع الرغيف، "لقد سئمت من الوعود الجوفاء، أريد ان أعيش بإطمئنان في الحاضر والمستقبل، أتعلم وأعمل، لا أهاجر من لبنان، وطني وأريد العيش فيه بكرامة".

تقطع كلام نسرين، أصداء "القرع على الطناجر"، تضرب الناشطة الاجتماعية إيمان بسيوني بكل عزمها وقوتها على الطنجرة، وتقول لــ" نداء الوطن": "حرصت على جلب طنجرة من نوع "تيفال" و"مدقة" بدلا من "المعلقة"، لأن صوتها اقوى، كي تصل رسالتنا الى آذان المسؤولين، لنقول لهم جعنا وسئمنا".

راهبات عبرا

ولفت الانتباه في اليوم الصيداوي أيضاً، مشاركة طلاب ثانوية "الراهبات" في عبرا، بعد قرار المديرة الأم منى وازن بعدم السماح لهم بالانخراط في الحراك تحت طائلة "الطرد". وبعد ضجة تربوية كبرى جرى الاتفاق على المشاركة ولكن على مسؤولية الاهل، على أن يعوّض "المعلمون" الدروس التي غابوا عنها في عطلة نهاية الاسبوع، وقالت الطالبة هدى السمرة لـ "نداء الوطن": "نزلنا لنؤكد أهمية دور الطلاب في خوض غمار "الثورة الشعبية"، على اعتبار انهم يرسمون المستقبل، نحن نريد بعد التخرج العمل في لبنان، لا نريد الهجرة، وقد اتفقنا مع الادارة على المشاركة على مسؤولية الأهل، وقبلنا لاننا نعتبر ذلك جزءاً من واجبنا، وأهم من يوم "تعليمي" في مدرسة مقفلة، الدروس في ساحة النضال أوسع وأشمل".

وامتداداً، وصل الاحتجاج الطلابي الى فروع الجامعة اللبنانية، وجرت وقفة احتجاجية في باحة كلية الآداب، رفعت خلالها لافتات تدعو لمواصلة الحراك وتحقيق المطالب. فجرى سجال حاد بين بعض الطلاب المحتجين وآخرين أرادوا استكمال دروسهم، وتدخل أحد الموظفين، ليطلب منهم الاعتصام خارج حرم "الكلية" وتفادي وقوع أي اشكال.

وكان يوم صيدا قد بدأ باكراً من تقاطع "ايليا"، حيث انطلق المحتجون بمسيرة جابت شوارع المدينة، وتوجهت مجموعات أخرى باتجاه عدد من المرافق العامة والمصارف وعمدوا الى إقفالها.


MISS 3