ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان حسب تسلسلها التاريخي (1من3)

رواية الرئيس فؤاد السنيورة: هكذا بدأنا عملية الترسيم وهكذا تحدد الخط 23 وهذا هو دور المكتب الهيدروغرافي البريطاني

02 : 00

الرئيس فؤاد السنيورة

مع تفاقم مشكلة ترسيم حدود لبنان البحرية في الجنوب ومع الضياع الذي يرافق عملية المفاوضات من خلال الوساطة الأميركية، والتشنج السياسي الذي يرافق الطروحات اللبنانية الرسمية، ومع تكاثر النظريات والإلتباسات المتعلقة بهذه الموضوع منذ بدأ السير فيه منذ العام 2007، ثمة رواية للأحداث والتطورات وثقها ورواها دولة الرئيس فؤاد السنيورة وهي تتناول العملية كلها منذ بدأت مع حكومته وكيف توالت أحداثها مع الحكومات التالية منذ العام 2009 وحكومة الرئيس سعد الحريري التي أتت بعد انتخابات ذلك العام حتى المرحلة الحالية وطرح تعديل المرسوم 6433 الذي صدر في أول تشرين الأول 2011 على عهد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.

هذه الرواية الموثقة ننشرها على ثلاث حلقات.

هنا تبدأ رواية الرئيس السنيورة:

الإتفاق مع قبرص

بناء على تمني الحكومة القبرصية على لبنان القيام بعمل مشترك من أجل تحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بين البلدين، بادرت الحكومة اللبنانية، وعبر الوزارات اللبنانية والأجهزة المعنية من أجل القيام بتحديد خط الوسط بين البلدين بما يمهد للبدء بأعمال الاستكشاف لمكامن البترول والغاز كل في منطقته، على أن يتم فور ذلك، المبادرة إلى تعيين النقطة الثلاثية في حدود لبنان في منطقته الاقتصادية الخالصة بشكل منفرد لتعذّر تحديدها من قبل الأطراف الثلاثة في كل من هاتين النقطتين في جنوب وشمال لبنان.

وبناء على ذلك، فقد كان تسلسل الأمور على الشكل الآتي:

أولاً:بداية تم التوصل الى مسودة صيغة الاتفاقية التي تحدد بموجبها حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة في خط الوسط لكل من لبنان وقبرص. وكان ذلك بمثابة اتفاق ثنائي موقت قابل للتعديل بشأن خط الوسط الذي يفصل بين البلدين. ويحدد هذا الخط جزءاً هاماً من خط الوسط بين الدولتين التي تَكون كل نقطة عليه على ذات المسافة من أقرب النقاط على خط الاساس لكلا البلدين، وهذا الخط مؤلف من ست نقاط بدءاً من النقطة رقم 1 جنوباً حتى النقطة رقم 6 شمالاً. ولقد تمّ ذلك دون تحديد احداثيات نقطتي طرفي هذا الخط بشكل نهائي: أي من دون تحديد النقطة الثلاثية الجنوبية بين لبنان وفلسطين المحتلة وقبرص، وكذلك النقطة الثلاثية الشمالية بين لبنان وسوريا وقبرص.

ويعود السبب في ذلك الى استحالة تحديد هاتين النقطتين لما يقتضيه ذلك من وجود ومشاركة وموافقة الأطراف المعنيين الثلاثة في كل من نقطة الشمال مع سوريا، وكذلك في نقطة الجنوب مع فلسطين المحتلة. ولقد جرى ذلك استناداً إلى إدراك والتزام كامل من قبل الطرفين (اللبناني والقبرصي) أن طرفي هذا الخط من الشمال ما بعد النقطة رقم «6»، ومن الجنوب ما بعد النقطة رقم «1»، يتعذّر تحديدهما بشكل نهائي قبل ترسيم الحدود البحرية الشمالية مع سوريا، والحدود البحرية الجنوبية مع فلسطين المحتلة، كون ذلك يتطلب ترسيماً ثلاثياً لحدود المنطقة الاقتصادية الخالصة البحرية التي يشترك كل منهما (لبنان وقبرص) فيها مع سوريا شمالاً ومع فلسطين المحتلة جنوباً. وهذا الأمر لم يكن ممكناً في حينه ولا يزال كذلك للأسباب المعروفة.

وبناء على ذلك، فقد تمّ توقيع مسودة مشروع اتفاقية ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بين لبنان وقبرص في 17/‏01/‏2007. لقد نصّت مسودة مشروع الاتفاقية بين لبنان وقبرص، وبشكل واضح «على أنه يمكن مراجعة أو تعديل الإحداثيات الجغرافية للنقاط 1 و/‏أو 6 وفقاً للحاجة في ضوء التحديد المستقبلي للمناطق الاقتصادية الخالصة مع دول الجوار الأخرى المعنية، ووفقاً لاتفاق يتم التوصل إليه حول هذه المسألة مع دول الجوار المعنية».

ولقد اعتمدت في صياغة مسودة نص ذلك الاتفاق الثنائي بين لبنان وقبرص ذات النصوص التي اعتمدتها مصر في الاتفاق الثنائي الموقع بينها وبين قبرص في العام 2003. كذلك فقد اعتمد بعدها ذات النص في الاتفاق الثنائي الموقع بين «إسرائيل» وقبرص بتاريخ 17 كانون الأول 2010.

ولقد نصّت المادة 3 من هذه الاتفاق الموقع بين لبنان وقبرص على أنه:

«إذا دخل أي طرف من الطرفين في مفاوضات تهدف إلى تحديد منطقته الاقتصادية الخالصة مع دولة أخرى، يتعين على هذا الطرف إبلاغ الطرف الآخر والتشاور معه قبل التوصل إلى اتفاق نهائي مع الدولة الأخرى إذا ما تعلق هذا التحديد بإحداثيات النقطتين (1) أو (6)» .

لقد تمّ الاستناد، في التوقيع على مسودة تلك الاتفاقية الموقتة، على النصوص المعتمدة في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار التي كانت قد انضمت اليها قبرص في العام 1988، والتي انضمّ إليها لبنان في العام 1995.

كذلك، فقد نصّت مسودة مشروع الاتفاقية الموقع بين قبرص ولبنان، وصراحة «على أنه يمكن مراجعة أو تعديل الإحداثيات الجغرافية للنقاط 1 و/‏أو 6 وفقاً للحاجة في ضوء التحديد المستقبلي للمناطق الاقتصادية الخالصة مع دول الجوار الأخرى المعنية ووفقاً لاتفاق يتم التوصل إليه حول هذه المسألة مع دول الجوار المعنية».

ثانياً: بعد إنجاز مسودة مشروع ذلك الاتفاق الثنائي بين لبنان وقبرص ونظراً لكون ذلك الترسيم لم يكن قد اكتمل فإن الحكومة اللبنانية لم تقم بإحالة نصّ المسودة المؤقتة لخط الوسط بين البلدين إلى المجلس النيابي نظراً للحاجة أولا لاستكمال تحديد حدود لبنان النهائية جنوباً وشمالاً لتلك المنطقة الاقتصادية الخالصة وكذلك ثانيا للقيام بالمزيد من الدراسات.

وبناء على ذلك، فقد باشرت الحكومة اللبنانية العمل على استكمال ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة العائدة للبنان من الناحيتين الشمالية والجنوبية بشكل انفرادي مع كل من سوريا في الشمال ومع فلسطين المحتلة في الجنوب، وذلك، لتعذر الترسيم معهما للأسباب المعروفة.

اللجنة الخاصة والمكتب الهيدروغرافي البريطاني

كذلك، وبناء على طلب من وزير الطاقة والمياه تمّ تشكيل لجنة من الوزارات والإدارات المعنية، وكانت مهمتها وضع تقرير مفصّل حول الحدود البحرية الجنوبية للمنطقة الاقتصادية الخالصة، بادرت بتاريخ 30/‏12/‏2008 إلى تأليف لجنة لإعادة دراسة مسودة مشروع الاتفاقية الموقعة مع قبرص، وذلك للمزيد من التأكد من سلامة ما توصّلت إليه الحكومة اللبنانية في تحديدها لخط الوسط. ولهذا الغرص فقد تألفت اللجنة الخاصة التي عيّنتها الحكومة اللبنانية في نهاية العام 2008 بموجب القرار رقم 107/‏2008 من ممثلين عن: 1) وزارة الأشغال العامة والنقل، 2) وزارة الطاقة والمياه، 3) وزارة الدفاع، 4) وزارة الخارجية والمغتربين، 5) الجيش اللبناني، 6) المجلس الوطني للبحوث العلمية، 7) رئاسة الحكومة اللبنانية.

ولقد توصلت تلك اللجنة ومن طرف واحد الى ترسيم الحدود البحرية الجنوبية للبنان مع فلسطين المحتلة (العدو الإسرائيلي) والحدود البحرية الشمالية مع سوريا، وبالتالي تمكنت اللجنة من تعيين طرفي خط الوسط مع قبرص حيث أصبح الطرف الجنوبي هو النقطة الثلاثية 23 والتي تقع جنوب النقطة رقم 1، والطرف الشمالي النقطة الثلاثية رقم 7 التي تقع شمال النقطة رقم 6.

ولقد استعانت تلك اللجنة بدراسة لترسيم الحدود البحرية اللبنانية والتي أعدها المكتب الهيدروغرافي البريطاني (UKHO) في العام 2006. ولقد اعتمدت تلك الدراسة التي وضعها هذا المكتب نقطة تقع بين النقطة «1» والنقطة «23» كحد جنوبي للحدود البحرية اللبنانية مع قبرص ومع فلسطين المحتلة من إسرائيل.

إلا أن القرار اللبناني في ذلك الوقت لم يعتمد الطريقة المعتمدة في الدراسة البريطانية لترسيم الحدود البحرية الجنوبية بل اعتمد طريقة أخرى أكثر تشدداً تعطي لبنان مساحات اضافية جنوبا (Most Aggressive Line) ولهذا السبب كانت النقطة «23». ولقد كانت وجهة نظر لبنان آنذاك أنّ هذا التحديد يعطي لبنان مجالاً جيداً للتفاوض في الحالتين شمالاً وجنوباً عندما يحين الأوان. ولقد خلصت اللجنة في تقريرها الذي أعدته بتاريخ 29/‏04/‏2009 إلى القول إنه، وبعد مقارنة تلك الحدود الجنوبية وخاصة في النقطة 23 مع تلك المقترحة في التقرير الذي أعده مكتب المملكة المتحدة الهيدروغرافي (UKHO) في العام 2006، فقد تبين للجنة أنّ ما تم تحديده من قبلها هو «أكثر لمصلحة لبنان لا سيما وأنه قد تم تحديده وفق ما نصت عليه أحكام مواد قانون البحار وحيث اعتمدت بشأنه الخرائط المتوفرة آنذاك». تجدر الإشارة إلى أنّ تلك الخرائط وكذلك التقرير قد تمّ التوقيع عليهما بتاريخ 29/‏04/‏2009 من قبل عشرة أشخاص يمثلون الوزارات والإدارات اللبنانية المعنية السالفة الذكر كافة، منهم أربعة أعضاء يمثلون وزارة الدفاع الوطني. وبناء على ذلك، فقد صدر القرار عن مجلس الوزراء رقم 51 بتاريخ 13/‏05/‏2009، والذي يؤكد الموافقة على التقرير الذي أعدته اللجنة حول الحدود البحرية الجنوبية للمنطقة الاقتصادية الخالصة. تجدر الإشارة الى ان تلك الحكومة وهي حكومتي الثانية كان يشترك في عضويتها أعضاء من «حزب الله». ذلك مما يسحب من يد الحزب كل الحجج والمقولات المدَّعاة حول اتهام تلك الحكومة بارتكاب أي تفريط من قبل لبنان بحدود منطقته الاقتصادية الخالصة.

النقطة 23 إلى الأمم المتحدة

في هذا الصدد، بادر لبنان إلى إيداع الأمم المتحدة بتاريخ 14 تموز 2010 إحداثيات حدود منطقته الاقتصادية الخالصة الجنوبية مع فلسطين المحتلة (العدو الإسرائيلي) أي خط الناقورة - النقطة رقم 23، بشكل منفرد، وذلك لاستحالة التفاوض مع العدو الإسرائيلي. كذلك فقد اودع لبنان الأمم المتحدة إحداثيات الحدود الشمالية مع سوريا في النقطة 7، وهي النقطة التي جرى تحديدها ايضاً بشكل منفرد من قبل لبنان لعدم رغبة الجانب السوري في التفاوض مع لبنان آنذاك.

ثالثاً:المؤسف والمستغرب أنّه وخلافاً لنصّ ومضمون الاتفاق الموقت الموقع مع قبرص، فإنّ الدولة القبرصية لم تعمد إلى الالتزام به ولأسباب واهية، وحجتهم في ذلك كما قال لي الوزير القبرصي عندما التقيته خلال زيارة لي الى قبرص في العام 2011 لالقاء محاضرة هناك، ان المسؤولين القبارصة لم يتمكنوا من التواصل مع المسؤولين اللبنانيين آنذاك. لذلك، وبغض النظر عن تلك الاعذار الواهية فإنه وبالفعل، فقد نَكلَتْ قبرص بما وقعت عليه مع لبنان. إذ قامت وبتاريخ 17 كانون الاول 2010 بالتوقيع مع العدو الإسرائيلي على اتفاقية ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بينهما، دون ابلاغ او استشارة الدولة اللبنانية، وذلك كما تنص عليه مسودة مشروع الاتفاق المؤقت الموقع بين لبنان وقبرص بتاريخ 17/‏1/‏2007، وبالتحديد في المادة الثالثة منه. ذلك الاتفاق بين قبرص وإسرائيل حصل بعد خمسة اشهر على قيام لبنان بإيداع احداثيات النقطتين 23 و7 لدى الأمم المتحدة. صحيح أن مسودة الاتفاق الموقع بين قبرص وإسرائيل لا قيمة قانونية له اذا لم يوافق ويوقع عليه لبنان، الا انه وعلى ما يبدو فإن إسرائيل قصدت من ذلك فقط إرباك لبنان واشغاله وذلك بالفعل ما كانت تريده إسرائيل.

لذلك، وفور أن علم لبنان بهذا الأمر، فقد بادر إلى الاعتراض على تلك الاتفاقية بموجب رسالة موجهة من وزير الخارجية اللبنانية في حكومة الرئيس ميقاتي بتاريخ 20 حزيران 2011 إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وذلك بسبب اعتماد إسرائيل النقطة رقم «1» كنقطة فصل مشتركة بين لبنان وفلسطين المحتلة بدلاً من النقطة «23». التي كانت الحكومة اللبنانية (حكومتي الثانية) قد حددته في العام 2008 وذلك على عكس ما كان يشيعه «حزب الله» والأحزاب المتحالفة معه بأن حكومتي قد حددت نهاية خط الوسط بالنقطة رقم 1 وان الآخرين هم الذين حددوا نهاية هذا الخط بالنقطة 23.





يتبع: الترسيم الإسرائيلي والمرسوم 6433


MISS 3