داليا شيندلين

اختراق غير متوقع في إسرائيل

21 حزيران 2022

المصدر: Foreign Affairs

02 : 05

وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد ورئيس الوزراء نفتالي بينيت في القدس
في 6 حزيران الماضي، منعت المعارضة الإسرائيلية بقيادة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو تجديد التشريع الذي يوسّع نطاق القانون المدني الإسرائيلي ليشمل حوالى 450 ألف مستوطِن في الضفة الغربية. بدا فشل مشروع القانون محيّراً على المستوى الإيديولوجي، فقد كان ذلك التشريع يتجدد كل خمس سنوات من دون إثارة أي ضجة منذ العام 1967، وهو يشكّل الركيزة الضمنية لسيطرة إسرائيل على الضفة الغربية. برأي نتنياهو وحلفائه، منهم أشرس الأحزاب القومية المتديّنة والمؤيّدة للاستيطان في إسرائيل، يُعتبر ذلك القانون أساسياً لمنح المستوطنين حقوقاً مشابهة للمواطنين الإسرائيليين الآخرين، تزامناً مع تطبيق الأحكام العرفية الإسرائيلية على الفلسطينيين في الأماكن نفسها.

ينشغل نتنياهو بتحقيق هدف أكثر إلحاحاً، فهو يريد تدمير الائتلاف الحاكم الذي طرده من السلطة قبل سنة ويشمل مجموعة واسعة وغير متوقعة من الأحزاب، بقيادة حليفه السابق ورئيس الوزراء الحالي نفتالي بينيت. تلقى نتنياهو هذه المرة المساعدة من أعضاء في الائتلاف نفسه، فقد رفض هؤلاء دعم القانون في الكنيست. هذه الهزيمة جعلت الحكومة على شفير الانهيار، علماً أنها كانت قد خسرت أصلاً الأغلبية في البرلمان. إذا سقطت الحكومة فعلاً، ستتحقق التوقعات التي أطلقها المتشائمون منذ أشهر: هذا الائتلاف الحاكم المثقل بالأحزاب محكوم بالفشل.

لكن أغفل الكثيرون أهم حدث وسط هذه المعمعة كلها. على عكس جميع التوقعات، حافظت الحكومة الإسرائيلية على تماسكها طوال سنة مع أنها تشمل أحزاباً من معسكرَي اليمين واليسار، بما في ذلك حزب عربي مستقل للمرة الأولى على الإطلاق. قد تُسرّع الأزمة الأخيرة سقوط هذه الحكومة، لكن نجحت القيادة الراهنة، في آخر 12 شهراً، في كسر الجمود السياسي في إسرائيل وإبقاء نتنياهو على الهامش. في الوقت نفسه ظهر أسلوب مختلف من الحُكم، فانتقل القادة من العداء الشعبوي الذي يستعمله نتنياهو إلى روح التوافق والإجماع.

في محاولة لاحتواء القوى السياسية المتباينة، لطالما لجأ الائتلاف إلى التعاون، ولو على مضض، وحرص على ضمان صموده. لكنه حقق أيضاً إنجازات بارزة على المستوى السياسي، بما في ذلك إقرار الميزانية للمرة الأولى منذ سنوات، وتطبيق الإصلاحات اللازمة في مجالات محلية، وتصميم سياسة خارجية معدّلة وأكثر براغماتية. لهذه الأسباب وحدها، مهّدت تجربة الائتلاف الحاكم لظهور دينامية جديدة، ما يثبت إمكانية اختراق الجمود الذي بدا دائماً في عهد اليمين القومي الشعبوي.

خلال السنة التي أمضاها الائتلاف الحاكم في السلطة، كانت الشؤون الخارجية من أبرز المجالات التي أثبتت فيها السياسة الحكومية تماسكها. طوّر نتنياهو، في السنوات الأخيرة من عهده، علاقاته مع زعماء غير ليبراليين في المجر، والهند، والبرازيل، والولايات المتحدة. في المقابل أعلن يائير لبيد، وزير الخارجية في الائتلاف الحاكم، التزام إسرائيل بمحور الديمقراطيات الليبرالية في خطابه أمام دبلوماسيين من الاتحاد الأوروبي بعد توليه منصبه بفترة قصيرة، فتكلم عن المصالح والقيم المشتركة، مثل تفوّق حقوق الإنسان، والتزام البلد "بأهم عناصر الديمقراطية".

لكن تجاوزت التغيرات حدود الكلام الشفهي في مجالات أخرى. في عهد نتنياهو مثلاً، تدهورت علاقة إسرائيل مع الأردن على مستوى القيادة السياسية بسبب مقاربة نتنياهو الصدامية واستفزازاته غير المبررة، مثل تهديداته بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، مع أن الروابط الأمنية مع عمّان استمرت رغم كل شيء. لكن غيّر بينيت سريعاً مسار هذه العلاقة الثنائية، فأطلق مبادرات حسن نية تجاه الأردن عبر زيادة إمدادات المياه الإسرائيلية إلى المملكة وبناء علاقة شخصية مع الملك عبدالله.

في مجالات أخرى من السياسة الخارجية، أثبتت الحكومة الجديدة تمسّكها بسياسات نتنياهو تزامناً مع التلويح باستعدادها للتعاون بدل معاداة الآخرين. تتابع الحكومة الإسرائيلية رفض الجهود الأميركية الرامية إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، وقد استأنفت اعتداءاتها داخل إيران واستهدفت مواقع إيرانية في سوريا. مع ذلك، أكدت الحكومة الجديدة مراراً أنها تفضّل إخماد الانتقادات العلنية مقابل العمل بهدوء مع إدارة بايدن. يختلف هذا النهج عن أسلوب نتنياهو الذي هاجم إدارة أوباما علناً بسبب الاتفاق الإيراني.

يمكن اعتبار هذه السياسات مُجتمعةً مقاربة معتدلة نظراً إلى طبيعة الناخبين القوميين والمنقسمين على نحو خطير في إسرائيل. الأهم من ذلك هو حرص الحكومة على تجنب خطاب نتنياهو الأمني الشائك الذي يعجّ بعبارات مثل "التهديدات الوجودية" والخوف من أعداء الداخل. هذه التحذيرات رسّخت الفكرة القائلة إن نتنياهو هو الشخص الوحيد المخوّل حُكم البلد.

حمل الشركاء الغربيون آمالاً كبرى (ومفرطة على الأرجح) حول نشوء نسخة ليبرالية وديمقراطية من إسرائيل بعد عهد نتنياهو. لكن أصبحت علاقات إسرائيل مع حلفائها المُعلَنين في الولايات المتحدة وأوروبا أقل عدائية مما كانت عليه، وتتّجه علاقاتها مع شركائها الجدد في المنطقة، ومع حلفائها الإقليميين القدامى لكن المهمّشين، نحو التحسّن.

حين وصل الائتلاف الحاكم إلى السلطة منذ سنة، تعهد إثبات إمكانية تطبيق شكلٍ مختلف ومحترم من الحُكم المبني على التعاون، فبدأ يعيد إسرائيل إلى مسارها الصحيح في المجالات التي تعرّضت فيها الميزانية وأولويات سياسية أخرى للإهمال. كذلك، اعترف أعضاء الحكومة بأنهم لا يتفقون على أصعب مسألة (الصراع الإسرائيلي الفلسطيني)، لذا وافقوا على وضع هذا الملف جانباً. حقق الائتلاف أول هدفَين بدرجة معينة، لكنّ فشله في تحقيق الهدف الثالث المرتبط بالصراع المستمر بين إسرائيل والفلسطينيين قد يُسرّع سقوطه.

لكن قد يكون الاختلاف الذي أثبته الائتلاف الحاكم مقارنةً بحكومات نتنياهو السابقة الجانب الأكثر أهمية في كل ما يحصل. طرح نتنياهو نفسه باعتباره الزعيم الأكثر صرامة تجاه إيران، لكنّ ضغطه الفائق ضد "خطة العمل الشاملة المشتركة" في واشنطن ثم دعمه الكبير انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق قرّبا إيران من تطوير أسلحة نووية أكثر من أي وقت مضى، وانعكسا سلباً على دعم الحزبَين الجمهوري والديمقراطي لإسرائيل. في الوقت نفســه، استمرت مظاهــر اللامساواة الفادحة في البلد وزاد حجم العجز، مع أن نتنياهو يتفاخر بما حققه على مستوى نمو الاقتصاد الكلي. خاضت إسرائيل خلال عهده ثلاث حروب مع غزة، ما أدى إلى تقريب صواريخ حركة "حماس" من عمق إسرائيل. اندلعت آخر حرب في العام 2021 وأطلقت أسوأ أشكال العنف الداخلي في المدن الإسرائيلية منذ سنوات، فحصل صدام بين الإسرائيليين اليهود وعرب إسرائيل لأن نتنياهو شرّع التحريض العرقي طوال سنوات.

على صعيد آخر، تحقّق نجاح آخر حين تمكن الائتلاف من إبعاد إسرائيل عن أسوأ سياسات نتنياهو في آخر 12 شهراً ونسف إرثه المبني على نزعة شعبوية مثيرة للانقسام. لكن قد يكون الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المتفاقم كفيلاً بوضع حدّ لتلك الإنجازات. في محاولة لمعالجة هذه المسألة، لجأ الائتلاف مجدداً إلى سياسات نتنياهو التي تشمل ترسيخ تاريخ التوسّع والاستيطان والسيطرة الإسرائيلية الدائمة بعد العام 1967، ما أدى إلى استمرار الصراع.

لم يُحدِث الائتلاف أي تغيير في هذه المسائل، فمهّد بذلك لزيادة أعمال العنف وأكّد على الطابع المؤقّت لأي استقرار محتمل. لم يتفاجأ عدد كبير من الإسرائيليين بتصاعد العنف تزامناً مع شهر رمضان في الربيع الماضي، لكن تجاهل معظم الناخبين التوسّع الاستيطاني بفضل مناقصات الإسكان، وتدمير منازل الفلسطينيين والضغط عليهم في المنطقة "ج"، وضم الأراضي الفلسطينية، وتدهور القيادة الفلسطينية وتلاشي سلطتها على شعبها. حتى أن الخطوات البارزة التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية لتخفيف التدابير المفروضة على قطاع غزة، مثل إصدار المزيد من تراخيص العمل، لم تُحقق الكثير في ظل التدهور الاقتصادي السائد هناك. ولا يلوح في الأفق حتى الآن أي مسار مقنع للتوصل إلى حل سياسي.




اشتباكات بين فلسطينيين والشرطة الإسرائيليةفي باحة المسجد الأقصى




تُعتبر موجة الاعتداءات والغارات والحملات القمعية في الربيع الماضي أحدث دليل على استمرار الصراع. عجزت الحكومة عن تحمّل التصدعات السياسية الحتمية التي سبّبتها تلك الأحداث وقد تكون كافية لإسقاطها قريباً. أدت الاشتباكات في المسجد الأقصى، خلال شهر رمضان، إلى خروج حزب "راعم" مؤقتاً من الائتلاف الحاكم. كذلك، كانت عضو الكنيست غيداء ريناوي زعبي من حزب "ميرتس" قد انسحبت أولاً بسبب الاشتباكات نفسها، ومقتل الصحفية الفلسطينية الأميركية شيرين أبو عاقلة، وعدائية الشرطة الإسرائيلية خلال جنازتها.

أما الضربة الأخيرة التي تعرّضت لها الحكومة، فكانت محاولة إسرائيل تجديد قانون مرّ مرور الكرام طوال 55 عاماً، وهو الذي يضمن البنية التحتية الدائمة وغير المرئية لاحتلال الضفة الغربية. سيستفيد نتنياهو دوماً من عمق الانقسامات القائمة بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ومن المخاوف الأمنية المتزايدة، حتى أن هذه الظروف قد تساعده للعودة إلى السلطة خلال الأسابيع المقبلة. مع ذلك، تتراجع المؤشرات التي تثبت تلقيه دعماً هائلاً، إذ يكشف استطلاع واحد من أصل 12، في آخر شهرَين، أن حزب "الليكود" وشركاءه المحتملين في الائتلاف سيحصدون مقاعد كافية لتشكيل حكومة جديدة.

حتى لو انهار الائتلاف الحاكم، ستثبت إسرائيل أن البلد قد تحكمه التسويات البراغماتية واحترام الاختلافات وأنه قادر على إطلاق مسار يضمن تحسين العلاقات الخارجية. كان لافتاً أن يتقبّل يهود إسرائيل، ولو على مضض، مشاركة 20% من المواطنين (وهم من العرب) في الهيئة الحاكمة، وهو تطوّر كان يُفترض أن يتحقق منذ وقتٍ طويل. لا يمكن التأكيد منذ الآن على نجاح هذا الشكل من الحُكم في ترك انطباع دائم لدى الناخبين الإسرائيليين المتشائمين. لكن بعد عهد نتنياهو الذي امتد على 12 سنة، حيث كان المواطنون يصوّتون له في معظم الأحيان نظراً إلى غياب أي خيار آخر، ظهرت رؤية جديدة الآن على الساحة الإسرائيلية: يمكن قيادة البلد بطريقة مختلفة فعلاً.


MISS 3