ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان حسب تسلسلها التاريخي (3 من 3)

رواية الرئيس فؤاد السنيورة: "حزب الله" كان في قلب الحكومات والقرارات... الخلافات والإعتراضات والحل المقترح

02 : 00

ماذا في ما تبقى من رواية الرئيس السنيورة للتسلسل التاريخي لترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان وهو في مواقفه الأخيرة لا يزال يدعو إلى التمسك بالخط 23.

يقول الرئيس السنيورة:

VII- خلال السنوات القليلة الماضية، حرص الحزب على أن يسعِّر هجومه ويوجه الاتهامات لي ولحكومتيّ، وأن يشن معركة مزايدات ويدعي بطولات ويزيد من حدّتها من أجل إظهار موقفه بأنه هو الذي يدافع عن مصالح لبنان الوطنية، في وجه من يتهمهم زوراً وبهتاناً بانهم يحاولون التفريط بحقوق لبنان في وجه إسرائيل.

في تلك الفترة اتخذت إسرائيل موقفاً مخادعاً، كان القصد منه إرباك لبنان وليس إلا. ولذلك فقد عمدت إسرائيل إلى تقسيم المناطق العائدة لمنطقتها الاقتصادية الخالصة المتاخمة لحدود لبنان الجنوبية في منطقته الاقتصادية الخالصة إلى بلوكات. تلك البلوكات تقع كلها في داخل منطقتها الاقتصادية الخالصة التي تقول انها تابعة لها. بمعنى ان إسرائيل احترمت بذلك حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان وذلك على أساس الخط الذي رسمه لبنان لحدود منطقته الجنوبية، أي على الخط الذي رسمه لبنان انفرادياً والمنطلق من رأس الناقورة حتى النقطة 23 في ما خصّ منطقته الاقتصادية الخالصة من ناحية الجنوب.



حكومة الرئيس نجيب ميقاتي 10 أيلول 2021


لكن إسرائيل قامت بعد ذلك ومن جانب آخر، بالمطالبة بالمساحات الفاصلة بين النقطة 1 والنقطة 23 والبالغة مساحتها 860 كلم مربع كوسيلة للضغط على لبنان وإرباكه. وهي قد عمدت إلى الإصرار على موقفها في المفاوضات غبر المباشرة التي لا تزال مستمرة حتى الآن. والقصد من ذلك إعاقة جهود لبنان في البدء بالتنقيب عن مكامن النفط والغاز في منطقته الاقتصادية الخالصة ولا سيما في البلوكات 8، 9 و10 التابعة للبنان.

ثامناً: الطريف في موقف «حزب الله» ونوابه في ادعاءاتهم وتهجمهم على حكومتيّ، وعليّ شخصياً في ما خص تحديد حدود المنطقة الجنوبية لحدود لبنان في منطقته الاقتصادية الخالصة هو في اتهامي واتهام حكومتي بالتفريط.

المفارقة الكبيرة أنّ الحزب تعمَّد إغفال المسألة المماثلة، والتي تمثل الجانب الآخر من هذه القضية والمتعلقة بشمالي المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، والتي تقع بمحاذاة المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للجمهورية العربية السورية. تجدر الإشارة إلى أنّ سوريا، وبعد أن رسّم لبنان منفرداً وبشكل موَقت حدود منطقته الاقتصادية الخالصة الشمالية المحاذية لتلك العائدة لسوريا، عمدت سوريا إلى القيام بذات الممارسة التي قامت بها إسرائيل في ما يختص بادعائها لملكية قسم من المنطقة الاقتصادية الخالصة العائدة للبنان، على غرار ما ادعته إسرائيل لملكيتها لجزء من القسم الجنوبي من تلك المنطقة العائدة للبنان.



حكومة الرئيس سعد الحريري 9 تشرين الثاني 2009


إلاّ أن الحزب في الجانب الآخر، التزم الصمت والسكوت المطبق في ما خص الموقف الذي اتخذته سوريا التي اعترضت على الترسيم المنفرد الذي قام به لبنان لمنطقته الاقتصادية الخالصة في الشمال، وذلك عبر ارسال رسالة الإحتجاج التي ارسلتها سوريا الى الأمين العام للأمم المتحدة في العام 2014. ولا سيما وأنّ سوريا ادعت في تلك الرسالة ملكية جزء من المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان والتي تقول سوريا بأنها تعود إليها، وذلك مثلما فعلت إسرائيل من ناحية الجنوب.

ذلك كله ما يؤكد بالفعل ان موقف «حزب الله» لم يكن الا عملاً شعبوياً ودعائياً القصد منه فقط اختلاق وافتعال قضية يتمسك بها الحزب من أجل حرف انتباه اللبنانيين عن مشكلاتهم الحقيقية، وادعاء الطهرانية وانه هو الذي يدافع عن حقوق لبنان في منطقته الاقتصادية الخالصة وتوجيه الاتهامات للآخرين بالتفريط بحقوق لبنان.

لا بل واكثر من ذلك فقد كان همّ الحزب من ذلك تشتيت انتباه اللبنانيين وبالتالي عدم التركيز على اعتماد الإصلاحات الحقيقية لايجاد الحلول الصحيحة لمشكلاتهم المتفاقمة من جهة أولى. كذلك ومن جهة أخرى للتعمية وإبقاء المبررات للحزب في الاستمرار بالاحتفاظ بسلاحه وهو الامر الذي كان ولا يزال مصدر القلق الاساس للحزب والذي يتحكم بمجمل مواقفه وقراراته.



حكومة الرئيس تمام سلام 15 شباط 2014



تاسعاً: هذه القضية إلى أين؟

مما لا شكّ فيه أنّ هناك حاجة للتوصل إلى حلّ عادل لحدود لبنان في منطقته الاقتصادية الخالصة في الجنوب وبعدها في الشمال.

استناداً الى ما تقدم وفي مسألة تحديد لبنان لحدود منطقته الاقتصادية الخالصة من ناحية الجنوب فإنه من الضروري وضع صيغة تتم عبر رعاية تقوم بها الأمم المتحدة لمفاوضات غير مباشرة، ويتم فيها الاستعانة بمحكَّم أو جهة دولية منصفة يمكن التوصل من خلالها، وعبر رعاية الأمم المتحدة إلى حلّ حقيقي منصف للبنان. وهي القاعدة التي يمكن اللجوء إليها كذلك في تحديد الحدود النهائية للمنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان من ناحية الشمال ومع الشقيقة الجمهورية العربية السورية.

الذي حصل مؤخراً هو ان لبنان وافق على صيغة للتفاوض غير المباشر مع العدو الإسرائيلي برعاية أميركية وبحضور الأمم المتحدة وفي مركز هذه الأخيرة في الناقورة.

وعلى ما يبدو حتى الآن، فإنه تزداد الضغوط من أجل تعديل المرسوم الصادر عن مجلس الوزراء، والذي أقرّ، وبشكل منفرد، تحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان في القسم الجنوبي بالنقطة 23، وذلك بتعديلها لتصبح النقطة 29. والتبرير المقدَّم لذلك هو تعزيز القوة التفاوضية للبنان؛ وهو أمر- وكما يبدو حتى الآن- أنّه يفتقر إلى الموضوعية، وإنْ كان يبدو أنه، ومن جهة أولى، يفترض به أن يخدم أهدافاً شخصية لبعض المسؤولين اللبنانيين. وكذلك ومن جهة ثانية، يفترض به أن يخدم أهداف من يريدون عدم التوصل إلى حل عادل ونهائي لهذه المشكلة المستعصية، وبالتالي إيجاد المبرر للاستمرار في خلق الذرائع لـ»حزب الله» من أجل أن يستمر في الاحتفاظ بسلاحه.

في هذا الخصوص، ودفعاً لأي احتمال في أن يكون هناك سوء تقدير لحدود لبنان في منطقته الاقتصادية الخالصة- كما سبق وأقرت- بأن تكون في النقطة 23، وبالتالي، ومنعاً لاستغلال هذا الأمر لاستعماله في السجال السياسي المحتدم في لبنان، فقد يكون الحل الأمثل في أن تبادر الحكومة اللبنانية إلى طلب استشارة من اثنتين أو حتى ثلاث من كبريات المؤسسات الدولية المعتبرة والعاملة في مجال تحديد الحدود الدولية بين الدول، من أجل أن تعطي رأيها بتحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان في الجنوب وكذلك في الشمال. بذلك يمكن للبنان أن يستنير بتلك الاستشارة المهنية، وبالتالي أن يتسلّح لبنان بذلك باستشارة إضافية علمية، تكون موضوعية وغير متحيّزة، وتمكّنه من تعزيز موقفه التفاوضي غير المباشر الذي يمكن ان يجري مع العدو الإسرائيلي بشأن حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان مع المنطقة الاقتصادية الخالصة لفلسطين المحتلة، وذلك برعاية مشتركة من الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة.




حكومة الرئيس السنيورة 19 تموز 2005



«قد يكون الحل الأمثل في أن تبادر الحكومة اللبنانية إلى طلب استشارة من اثنتين أو حتى ثلاث من كبريات المؤسسات الدولية المعتبرة والعاملة في مجال تحديد الحدود الدولية بين الدول، من أجل أن تعطي رأيها بتحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان في الجنوب وكذلك في الشمال»، هذا هو ملخص التصور للحل الذي اقترحه الرئيس فؤاد السنيورة في روايته لمسألة ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان حسب تسلسلها التاريخي. هذا التصور وضعه الرئيس السنيورة في العام 2021 ونشر هذه الرواية في كتابه «المالية العامة للدولة بين التسييس والتضليل» في الملحق رقم 22 وقد نشره ووزعه في آذار من هذا العام، وكان حريصاً في لقاءات صحافية على إعادة التذكير به وكأنه لا يزال يتبناه كحل للخروج من مسألة الخلافات الداخلية حول أي خط يجب اعتماده، ليكون الخط الرسمي للحدود البحرية في الشمال وفي الجنوب. وهو كان حريصاً على إعادة نشر المستندات المتعلقة بهذه الرواية والتي تتناول مختلف جوانب القضية وخصوصاً تسلسلها الزمني.

الرئيس السنيورة كان ولا يزال يريد رد التهم التي وجهت إليه وإلى حكومتيه بالتفريط بالحدود البحرية السيادية للبنان، وهو من خلال سرديته يجعل المسؤولية شاملة وعامة نتيجة كون هذا الملف تعاقبت عليه كل الحكومات منذ العام 2008 والتي لم تنقض كل واحدة ما فعلته التي سبقتها، وصولاً إلى طرح مسألة تعديل المرسوم 6433 واقتراح أن يكون الخط 29 هو خط التفاوض وليس الخط 23. ولكن هذه الفرضية سقطت ايضاً مع اعتماد الخط 23 رسمياً خطاً للحدود البحرية الجنوبية ودعوة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين لاستئناف وساطته بين لبنان وإسرائيل على هذا الإساس. قد يكون الوقت لم يعد يسمح باعتماد ما اقترحه الرئيس السنيورة لأنه قد لا يكون هناك مجال لتكليف مؤسسات دولية موثوقة للقيام بدراسات علمية جديدة، على ضوء الإختلافات التي نشبت حتى حول دراسة المكتب الهيدروغرافي البريطاني وتحول تحديده للخط 29 مادة للسجال الداخلي والإتهامات، بحيث طغت وجهات النظر والمواقف السياسية على النواحي العلمية والمبدئية.

منذ 15 عاماً لا يزال لبنان ضائعاً بين الخطوط المرسومة على سطح مياه البحر بينما بدأت إسرائيل استخراج نفطها وغازها. ولا يزال لبنان ينتظر عودة هوكشتاين الذي يبدو أنه ليس مهتماً كثيراً بالموقف الذي تبلغه في لبنان بالمقايضة بين حقل كاريش وحقل قانا. ولا يبدو أن رحلة هذا الضياع ستكون لها نهاية.نجم الهاشم


MISS 3