بشارة شربل

حسن عبدالله... رواية مختلفة

23 حزيران 2022

02 : 00

أمس ضمّته أرضُ الخيام "والدردارة" التي أنشَد وعشِق. لكن للشاعر الطيف، الذي أمطره محبوه بماء المحبة وذهب اللغة، رواية مختلفة تصحّح ما ترسَّب في ذهن كثيرين يختصرونه في قفص قصيدة ولو رائعة.

عاودْنا اللقاء قبل أقل من عقدين. أنا رئيس تحرير، وهو قيمة مضافة يكتب ويرسم صفحة للأطفال. وضع يديه على عينيه وقال: آخ، لو يتوقف مرسيل عن إنشادها.

كنا نتذكر "أجمل الأمهات" التي جرَت على ألسنة صبايا وشبان طربوا لغناء مرسيل خليفة قصائدَ شعراء جنوبيين انخرطوا في أجواء "الحرب الأهلية".

"مؤلمة تلك الأيام يا صديقي. ولا أصدق أنني كتبتُ أنَّ أجمل الأمهات هي التي انتظرت ابنها... وعاد مستشهداً. شعرٌ جميل في لحظات وجدانية مؤثرة، لكن لو عادت بي السنوات إلى وراء لكتبتُ أن أجملهن مَن انتظرته وعاد حاملاً قبعة تَخَرُّج أو متأبطاً ذراع حبيبة تزرع الفرح في حياته وحياة أمه".

كان حَسَن كائناً جميلاً وبسيطاً بكل المواصفات. وطنيته عميقة وصافية، والتزامه أسبغ على بشاعات السياسة لمسة حنان. وتواضعه، تواصلاً إنسانياً ولغةَ سهلٍ ممتنع، أحرج نظراء له طالما رشقوا القارئ بصخور اللغة ومُقعَّر المفردات.

كي أخفّف من خشيته أن يكون بعض الشبان تحمَّسوا لكلماته المحرِّضة وأهازيج مرسيل فقضوا نحبَهم متوهّمين أن الشمس ستشرق من سواعدهم وأن "المواطن الحر والشعب السعيد" على مرمى قذيفة أو عبوة، قلتُ إن "لكل مقام مقال" وفترة الحرب "تنذكر ما تنعاد".

ذكَّرتُه كيف أن محمود درويش رفض في أمسية شعرية حاشدة في بيروت ضغط جموع الحاضرين كي يُلقي "سجِّل أنا عربي" قاطعاً مع الالتزام الحزبي والايديولوجي والقصيدة الكلاسيكية لينطلق الى المدى الفكري والانساني الحر والحداثة الشعرية المبدعة.

راقت لحَسَن المقارنة، لكنه كان مهجوساً بمعاودة النظر وثائراً على ذاته مقرِّعاً لها. فتابع: "في القصيدة نفسها كيف خطر لي أن أقول "وفي يدنا يلمع الرعب في يدنا..."... أولاً، كلمة رعب يجب أن تُلغى من القاموس. ثانياً، أنا الذي لا أجرؤ على إيذاء نملة، كيف لي أن أهدد بإرعاب الآخرين؟". استطردتُ لأغيِّر الموضوع: هل صحيح أن صديقنا محمد العبدالله (شاعر خيامي آخر غادرنا قبل سنوات قليلة وكان مغرقاً في الإبداع جامعاً بين العمق والطرافة الخلَّاقة) جاع فشوى كنارين مغردين؟ ضحك طويلاً وقال: يستطيع أن يفعل ذلك براحة ضمير ثم يرثيهما بأحلى قصيدة كُتبت بكنار.

هذا حسن الذي فقده الشعر وستشتاقه اللغة... كان ظلاً وخيالاً ونسمة وكلمات سيبقى ضوعها في البال.