أحمد علي الزين

كتابات تستحق النشر لأحمد علي الزين

يا حسن، ماذا فعلت؟

23 حزيران 2022

02 : 00

يا حسن، ماذا فعلت ؟

حتى انت ؟!

منذ سنوات سبع لم أرك، أكثر او أقل بقليل ،

وكنت قلت لي يوما قليلة هي الحياة يا احمد،

نعم، يا حسن والشوق كبير.

تمر سنواتها بغفلة منا وتصبح الطريق الى البيت الاخير قصيرة وبعيدة عن بيتنا الاولي.


تذكر، عفواً انت الآن لا تستطيع إعمال الذاكرة، تستطيع فقط ان تروي للتراب سيرة الصبي الذي لم يشخ في جسد تعب من حمله لثمانين سنة او أخف بسنة.

كنّا هناك في اذاعة صوت الشعب، وكنت انتظرك على الباب، في يوم مطير، لتشاركنا في برنامج صباحي، وصلت مبللاً متأبطاً فراغاً، سألتك لمَ تشد ذراعك على خاصرتك يا حسن؟ فصحت ملتاعاً: "الشنطة" الشنطة، طارت الشنطة...ورحت تجري للبحث عنها، صغيرة، بدورها، كانت، شنطة طفل، تحملها تحت إبطك، لا تفارقك. سوداء صغيرة فيها ما يثبت انك من الخيام ولدت قرب ماء الدردارة وفيها مفتاح البيت في بيروت وقصائد ونقود قليلة وقلم وسر وصورة الحبيبة.

سقطت منك وانت تسابق المطر، لتقرأ الشعر في صباح ذاك اليوم، سقطت دون ان تنتبه وبقيت متأبطاً فقدانها، يحدث أن نشعر اننا نحمل شيئاً ويكون ضاع منا، مثل اعمارنا، في كل يوم يسقط منها مقدار لا نشعر به ونكمل الطريق، وليس ذلك الا مجرد ظن. نعم.

اعلنا في الاذاعة ان شنطة صغيرة فقدها الشاعر حسن عبدالله فيها... عثروا عليها بعد ايام، اخذوا منها ما يلزمهم وابقوا على ما يلزمنا، اوراقك مسودات راعي الضباب.


يبدو يا حسن الشعر لا يضيع لا يسرق حين سألنا حامل الشنطة عن اوراق الفلوس، قال انه وجد فيها فقط اوراقاً بيضاء وأخرى كتب عليها شيء عن العصافير وعن قبر حرب وأشياء وكلمات فيها قرى وحقول وتبغ.


عثرنا عليها وبعد حوالى ثلاثين سنة اخذك الزمان ولن يعيدك. لم يعد ممن بقي من صحبتك يشاهدك في المقهى، او في الحمراء متأبطا شنطتك الصغيرة. او بدونها. لكن بالتأكيد سيسلم علينا طيفك، ويذكرني بأننا خرجنا مرة من حانة اندريه، الى حيث تركن سيارتك، ووجدت زجاجها الامامي محطماً، فضحكت، وقلت لي يبدو كسروا الزجاج، انت تضحك حتى في الاهوال، لا اعرف من يضحك فيك؟ الطفل الذي كتبت له حكايات الحروف التي نكتب فيها اسماءنا وسيرنا وجنونا وأحلامنا وووو، ام الرجل الحكيم؟



كاسك يا حسن.

ترى هل ضحكت حين مشيت وحيداً في الطريق الى البيت الأخير ؟

MISS 3