إيريك بريوار

إيران على حافة الاختراق النووي

27 حزيران 2022

المصدر: The Atlantic

02 : 05

غرفة التحكّم لمنشأة تحويل اليورانيوم في أصفهان | إيران، ٢٠٢١
في الشهر الماضي، بلغ برنامج إيران النووي عتبة جديدة وخطيرة: تملك طهران راهناً كمية كافية من اليورانيوم عالي التخصيب لتصنيع قنبلة نووية. يجب أن تُخصَّب هذه المادة بنسبة 90% تقريباً قبل أن تُستعمَل لإنتاج سلاح نووي. لكن يبدو أن هذا "الاختراق" لن يتطلب أكثر من أسابيع قليلة نظراً إلى التقدم الذي أحرزته إيران منذ العام 2019، حين بدأت تتجاهل القيود الواردة في الاتفاق النووي المبرم في العام 2015 بعد انسحاب الولايات المتحدة منه. هذه الخطوة وحدها لن تمنح إيران القنبلة المنشودة، لكنها أساسية لتصنيعها. ستكون عواقب هذا الإنجاز هائلة. كان المجتمع الدولي يملك أشهراً عدة، أو حتى سنوات، لمنع إيران من اكتساب المواد التي تسمح لها بتصنيع قنبلة. إنه وقت كافٍ لحل الأزمة دبلوماسياً. وحين تفشل هذه المساعي، تعتبر الولايات المتحدة الخيارات العسكرية الملجأ الأخير في جميع الحالات. هذه العوامل منعت إيران من محاولة تصنيع قنبلة. لكن ذكر المبعوث الأميركي، روبرت مالي، في الشهر الماضي أن القدرات الإيرانية بلغت مستوىً يسمح لطهران بإنتاج ما يكفي من الوقود لتصنيع قنبلة خلال وقتٍ قصير. وبما أن الديمقراطيين والجمهوريين في الولايات المتحدة لطالما أصرّوا على عدم السماح لإيران بإنتاج أسلحة نووية، سيكون عجز واشنطن عن كبح التقدم الإيراني مقلقاً جداً. لحل هذه المشكلة، يقضي أسهل خيار بالعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني. تسمح هذه الخطوة بكسب الوقت وكبح جزء كبير من التقدّم النووي وإطالة مدة الاختراق الإيراني إلى ستة أشهر. لكن تباطأت المحادثات المرتبطة بالاتفاق بسبب مطالبة إيران بشطب الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب الأميركية، وهو شرط مبالغ فيه برأي إدارة بايدن. لكنّ انتظار عقد صفقة مناسبة يعني أن أي اتفاق مرتقب قد يخسر منافعه بالنسبة إلى طهران وواشنطن إذا استمرت المماطلة في هذا الملف.

قد يواجه المجتمع الدولي مشكلة كبرى حين تصبح إيران على عتبة الاختراق النووي في المستقبل المنظور. ستضطر واشنطن حينها للتفكير بطريقة مبتكرة للسيطرة على الوضع إذا أرادت تجنّب القنبلة النووية والعواقب السلبية المترتبة عنها.

لن يكون اقتناء المواد الانشطارية مرادفاً لتصنيع قنبلة. بل تحتاج إيران إلى المزيد من الوقت (سنة أو سنتان على الأرجح) لإنتاج جهاز نووي وتركيبه على الصواريخ. لكن يبقى إنتاج المواد الانشطارية الجزء الأكثر خضوعاً للمراقبة في عملية تصنيع القنبلة، ما يعني إمكانية رصده بسهولة. قد تحصل نشاطات التسلّح في مجموعة متنوعة من المنشآت التي لا تخضع لمراقبة مشددة ولا تحمل القدر نفسه من البصمات القابلة للرصد. نتيجةً لذلك، قد تجد الولايات المتحدة صعوبة في كشف عمليات التسلح المتبقية بعدما تنتج إيران المواد الانشطارية التي تحتاج إليها.

وحتى لو لم تنتج إيران قنبلة يوماً أو لم تحصل على المواد الانشطارية اللازمة، تطرح طهران ذات القدرات النووية تحديات سياسية جدّية في جميع الأحوال. قد تصبح السياسة الخارجية الإيرانية أكثر جرأة وعدائية إذا اقتنعت طهران بقدرتها على استعمال الاختراق النووي المحتمل كمصدر تهديد ضد المجتمع الدولي. كذلك، قد ترسّخ إيران تقدّمها النووي بطرقٍ لا تستلزم تطوير برنامج شامل للأسلحة النووية، بما في ذلك تصنيع صواريخ بالستية عابرة للقارات.

أخيراً، قد تقرر دول المنطقة إطلاق جهودها النووية الخاصة أو تطوير برنامج لإنتاج القنابل إذا أوشكت إيران على تصنيع قنبلة وزادت الشكوك بقدرة واشنطن على منعها، ما يطرح تحديات إضافية على نظام منع الانتشار النووي حول العالم. قد يحاول هؤلاء الحلفاء والشركاء استعمال التهديد النووي للضغط على الولايات المتحدة وانتزاع ضمانات أمنية ومساعدات دفاعية منها (يستعمل حلفاء الأميركيين هذه الاستراتيجية في آسيا). قد تصبح واشنطن حينها عالقة بين خيارَين بغيضَين: تعميق الالتزامات العسكرية في الشرق الأوسط، أو البقاء على الهامش والمجازفة بتوسّع الانتشار النووي والصاروخي.

بعدما أصبح مصير الاتفاق النووي الإيراني على المحك، لا تملك طهران حوافز كبرى لوقف تقدمها النووي الذي تعتبره أداة لتكثيف الضغوط على الغرب. تزداد أهمية هذه الفكرة إذا انهارت المحادثات الرامية إلى إعادة إحياء الاتفاق. فيما تنتظر واشنطن نتائج الجهود الدبلوماسية، يجب أن تُركّز أيضاً على العوامل التي تستطيع السيطرة عليها، أي تسريع عملية رصد النشاطات الشائكة والرد عليها.

لتحسين فرص الكشف عن أي اختراق إيراني من جانب المجتمع الدولي، يجب أن يحاول الأميركيون وحلفاؤهم، وحتى الصين وروسيا إذا أمكن، إقناع إيران بالسماح للمسؤولين من الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة موقعَي التخصيب ومنشآت تخزين المواد النووية يومياً. كذلك، يُفترض أن تستأنف إيران استعمال أجهزة مراقبة التخصيب الإلكترونية: تراقب هذه التقنية المؤتمتة مستويات التخصيب باستمرار عند غياب المسؤولين من الوكالة الدولية. كانت هذه التدابير سارية المفعول بموجب الاتفاق النووي الإيراني، لكن عادت إيران وتخلّت عنها. في الوقت نفسه، يجب أن تكثّف الولايات المتحدة جهودها لجمع المعلومات الاستخبارية والتنسيق مع الحلفاء لتسهيل إطلاق التحذيرات قدر الإمكان. ستكون كل ثانية بالغة الأهمية حين تفصلنا أيام قليلة عن حصول إيران على مواد كافية لتصنيع قنبلة. تسمح هذه التدابير بكسب الوقت وكبح أي اختراق محتمل.

تتعدد الأسباب التي تشير إلى احتمال أن تتقبّل إيران هذه الشروط. أولاً، يحمل الكثيرون قناعة قوية وغير مسيّسة مفادها أن هذه التدابير الوقائية المضافة ستكون ضرورية كي تتابع الوكالة الدولية للطاقة الذرية عمليات المراقبة لأن إيران هي الدولة الوحيدة التي تنتج اليورانيوم عالي التخصيب من دون أن تملك أسلحة نووية. ثانياً، قد تترافق هذه التدابير مع تطمينات تضمن للمجتمع الدولي ألا تسارع إيران إلى تصنيع قنبلة، ما يعني تراجع احتمال توجيه ضربة عسكرية، وهو وضع يصبّ في مصلحة إيران. في ظل تراجع هامش الخطأ، قد يؤدي أي تأخير في وصول المفتشين إلى المواقع الإيرانية إلى حسابات خاطئة يجب أن تتجنبها إيران. أخيراً، لا يفرض أيٌّ من هذه الخطوات على طهران وقف تقدّمها النووي، مثل التخصيب بنسبة 60% أو زيادة مخزون المواد أو إضافة أجهزة طرد مركزي متقدمة، علماً أن البلد يعتبر هذه العوامل ورقة ضغط أساسية خلال أي مفاوضات.

في غضون ذلك، يجب أن يسرّع الأميركيون وحلفاؤهم قدرتهم على الرد. يُفترض أن ينشئ مجلس الأمن القومي لجنة معدّلة كي تتدخل فور تلقي معلومات حول حصول اختراق نووي حاسم. لكن كما يحصل في جميع الأزمات، قد تبدو المؤشرات غامضة والبيانات متضاربة. لمحاكاة هذا الواقع، يجب أن تتدرب هذه المجموعة على تنظيم الاجتماعات وتقييم أنواع المعلومات التي يمكن تلقيها واستبعاد الخيارات مسبقاً.

لكنّ أهم مقاربة تستطيع الولايات المتحدة اتخاذها تقضي بتقصير وقت الرد العسكري، وهي أصعب خطوة على الأرجح. يتعلق خيار محتمل بزيادة الجهوزية والتأكد من تأمين جميع القدرات المطلوبة لشن ضربة محتملة خلال وقت قصير، بما في ذلك إعادة تزويد الطائرات بالوقود. يقضي خيار آخر بنشر الطائرات وأنظمة الدفاع الصاروخي ومعدات داعمة أخرى في المنطقة. تنتشر القاذفات الأميركية "بي-2" خارج الولايات المتحدة طوال الوقت مثلاً، لكنها لا تملك حضوراً خارجياً دائماً. يجب أن تراجع واشنطن إذاً متطلبات ومخاطـــر الانتشار المتكرر أو الحضور الدائم في الخارج. تزيد هذه الخطوات مرونة الولايات المتحدة عند نشوء الأزمات، وقد تثبت لإيران والشركاء الإقليميين أن واشنطن مستعدة للتحرك عند الحاجة.

على صعيد آخر، يجب أن تجيد الولايات المتحدة توضيح هذه الخطوات الدبلوماسية والعسكرية وتجزئتها. يُفترض أن تراقب واشنطن المعلومات الاستخبارية المرتبطة بالتهديدات الإيرانية عن قرب وتفكّر ملياً بالخطوات التي تريد كشفها وتلك التي تفضّل إخفاءها كي لا تفتعل عن غير قصد السيناريو الذي تريد تجنّبه، أي دفع إيران إلى تصنيع سلاح نووي. قد ترفض إيران هذه الفكرة، لكن يجب أن تبذل الولايات المتحدة قصارى جهدها لإنشاء خط تواصل مباشر مع طهران تمهيداً لإدارة الأزمة بأفضل الطرق. أخيراً، يجب أن تبقى واشنطن منفتحة على تأجيل بعض الخطوات العسكرية في حال وافقت إيران على معايير الشفافية وضبط النفس النووي، ولو أنه خيار مستبعد حتى الآن. في النهاية، لا يتعلق الهدف الأساسي بقصف إيران بل بمنع تصنيع قنبلة إيرانية.

قد تتماشى هذه المقاربة مع جهود واشنطن التي تحاول التوصل إلى تسوية دبلوماسية. لكنها تفرض على الولايات المتحدة واقعاً مزعجاً، فهي تعجز عن تعليق آمالها على إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني وحده لحل المعضلة الراهنة. قد لا تكون هذه الخيارات مثالية، لكن ستضطر واشنطن للجوء إليها لمنع تسلّح إيران نووياً إذا لم يتجدد الاتفاق النووي.