مسارات الهند المتباينة في كشمير

11 : 32

تعرّفوا على رحمن وسيّد. كلاهما في منتصف عمر العشرينات ويعيشان على مسافة قريبة من بعضهما في كشمير الخاضعة لإدارة الهند. هما يعيشان في ظل وجود عسكري مكثّف ولا يستطيعان التحرك بحرية ولا يجرؤان على التشكيك بهوية العناصر المنتشرة بزيّ عسكري. لكل واحد منهما شقيق قرر حمل السلاح ضد السلطات الهندية، لكنه مات في نهاية المطاف على يد الجيش الهندي.

يرمز هذان الرجلان الآن إلى توسّع الشرخ بين سكان كشمير. من جهة، نجد رحمن. قُتِل شقيقه خلال التسعينات، حين بلغت عمليات حركة التمرد ضد الحكومة الهندية ذروتها، وتقبع جثته في مقبرة بالقرب من بستان تفاح في مقاطعة "بولواما". طُلِب من رحمن ألا يفصح عن اسمه بالكامل حفاظاً على سلامته، لكنه يأمل في عقد مصالحة مع نيودلهي. من جهة أخرى، نجد سيّد الذي يقيم في مقاطعة "شوبيان" المجاورة. قُتِل شقيقه في السنة الماضية، فاتخذ موقفاً معاكساً لرحمن: لمحاربة تجاوزات الحكومة الهندية، تقضي الطريقة الوحيدة بحمل السلاح من وجهة نظره.

هذا الانقسام بين الحوار والعنف، أو بين التواصل مع نيودلهي والتمرد عليها عبر استعمال القوة، ليس جديداً في هذه المنطقة. لكنه تفاقم نتيجة قرار الحكومة الهندية الأخير بتجريد كشمير من استقلالها المحدود، علماً أن هذه الخطوة أدت إلى تغيير آراء الجماعة الأولى التي كانت تدعم المحادثات لتقليص القيود المفروضة على المنطقة، رغم عدم تأييدها للسلطات المركزية. لكن يبدو أن الجماعة الثانية الداعمة لحمل السلاح بدأت تتوسع وتستفيد من التدابير الصارمة لتأجيج الغضب في الولاية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة ضد الحكومة القومية الهندوسية برئاسة ناريندرا مودي.

في 4 آب، قبل يوم على إعلان حكومة مودي قرارها بإنهاء استقلال كشمير الذي يضمنه الدستور وتقسيمها إلى وحدتَين سياسيتَين تخضعان مباشرةً لإدارة نيودلهي، أطلق المسؤولون الأمنيون حملة واسعة من الاعتقالات. لم تكن هذه الخطوة تهدف بكل بساطة إلى القضاء على المعارضة المسلّحة، بل شملت الاعتقالات أيضاً شريحة واسعة من السكان، بدءاً من القادة المحليين والمواطنين المؤيدين والمعارضين للهند، وصولاً إلى سياسيين حاليين وسابقين. من بين المعتقلين، ثمة قادة من حزب "المؤتمر الوطني"، أهم حزب ناشط في كشمير تقليدياً (كان مؤسّسه الشيخ عبد الله يؤيد في البداية اتخاذ موقف إيجابي من الهند خلال الأربعينات). قال عبد الله في آذار 1948: "قررنا أن نعمل ونموت من أجل الهند". صحيح أن علاقته مع نيودلهي كانت متقلّبة، لكن أصرّ حزبه ووَرَثَته السياسيون على اعتبار كشمير جزءاً من الهند العلمانية، رغم احتفاظها بهامش كبير من الاستقلالية. لكن ترافق هذا الموقف الوسطي مع كلفة باهظة، فقد قُتِل مئات الأشخاص من أعضاء الحزب على يد المقاتلين المعارضين للهند طوال عقود.

كان عبد الجبار شيخ واحداً منهم، وقد حذا ابنه أشفق جبار حذوه وانتسب إلى "المؤتمر الوطني"، وسرعان ما أصبح ممثلاً عن الحزب في برلمان ولاية جامو وكشمير. اليوم، بات جبار واحداً من سياسيين كثيرين محتجزين في فندق "سنتور" الذي حوّلته السلطات إلى سجن موقّت.

داخل الفندق، ساد جو من الذهول. قابل جزء من السياسيين أفراداً من عائلاتهم أو خاطبوا مناصريهم بعدما حصلوا على الإذن بمقابلتهم. كان الشاه فيصل من بين المعتقلين، وهو موظف حكومي هندي أصبح سياسياً وظهر على قناة "بي بي سي" ليقول إن مودي أجبر الطبقة السياسية في كشمير على الانقسام بين راضخين وانفصاليين. وقف إلى جانبه جبار الذي تكلم مطولاً بنبرة غاضبة وقال: "لقد قدّمنا كل شيء من أجل العلم الهندي. لكني وجدتُ نفسي يوماً رهن الاعتقال. أنا مصدوم".


تتخبط هذه المجموعة راهناً فيما تحاول بناء رؤية متماسكة عن علاقتها المستقبلية مع الحكومة الهندية. يقول أشخاص منهم إنهم يؤيدون عودة الدولة، وهو انتصار يستطيعون تحقيقه لشعبهم. لكن يبدو الآخرون تائهين بكل بساطة ويشعرون بأنهم تعرضوا للخيانة.

لكن لا تبدو نيودلهي مستعدة لتقديم أي تنازلات. لطالما أراد مودي ومناصروه إلغاء المادة الدستورية المرتبطة باستقلال كشمير، حتى أنهم تعهدوا بإبطالها كجزءٍ من بيانهم الرسمي قبل الانتخابات العامة التي فاز بها مودي هذه السنة بنتيجة ساحقة. هم يعتبرون وضع كشمير شائباً، كونه يشجّع المعارضة بكل بساطة. يؤكد المدافعون عن الحكومة على أن سكان كشمير سيتقبلون واقعهم السياسي الجديد مع مرور الوقت. وبما أن المسؤولين المحليين خسروا النفوذ الذي يسمح لهم بالسيطرة على طريقة استعمال الأراضي، يستطيع الهنود من خارج كشمير أن يشتروا تلك الأراضي ويستثمروها، ومن المتوقع أن يؤدي كبح العنف، إذا حصل، إلى تقوية الاقتصاد في نهاية المطاف.

لكن يشكك الخصوم بحصول ذلك. يظن الكثيرون أن استقلال كشمير كان رمزياً في معظمه، لكنّ خسارتها توضح أن تجاهل ما يفضّله السكان المحليون ممكن في أي لحظة. من المتوقع أن يشعر الكثيرون بأنهم خسروا حريتهم نتيجة اعتقال السياسيين الذين عيّنتهم نيودلهي بنفسها، ما يرسّخ النزعة إلى الابتعاد عن الدولة المركزية. إذا تمكنت الحكومة من فرض هذا النوع من القرارات بطريقة أحادية الجانب من دون استشارة الكشميريين، فكيف يستطيع سكان المنطقة رفع الصوت للتعبير عن مطالب مختلفة؟

مرّت ثلاثة أشهر تقريباً منذ احتجاز جبار وفيصل وسياسيين آخرين. ورغم إطلاق سراح بعضهم، إلا أنهم لم يتحرروا إلا بعد التعهد بالحفاظ على "السلام". تنشر الحكومة أعداداً كبيرة من القوى الأمنية، ولا يزال قطع الإنترنت مستمراً رغم إعادة تشغيل بعض الخطوط الأرضية والخلوية. رفض الكشميريون إرسال أولادهم إلى المدارس أو فتح متاجرهم، بينما امتنع المزارعون عن قطف التفاح. دعت الجماعات المسلحة والسكان المحليون أيضاً إلى هذا النوع من المقاطعة، ويحظى هذا القرار على ما يبدو بدعم واسع.

كانت ثقة الناس بالجيش الهندي محدودة أصلاً، لكنها تبخرت بالكامل الآن. حين زرنا سيّد في مزرعة قديمة ومهترئة، طلب منا ألا نركن السيارة في الخارج لأنها قد تثير شبهة دورية الجيش الهندي. سبق وزار الجيش منزل سيد في مناسبات متكررة منذ أن انضم شقيقه إلى الجماعة المسلحة في العام 2017، واستمرت تلك الزيارات بعد مقتله في تموز 2018. حتى الآن، نجحت عائلة سيد في إقناعه بالامتناع عن الهرب للانضمام إلى الجماعة نفسها سعياً وراء الانتقام. لكنه بدا مستعداً خلال محادثتنا لتبرير قرار شبه حتمي، فقال: "لقد سلبونا هويتنا. هل نملك خياراً آخر إلا القتال"؟.

تكلم سيد أكثر من مرة عن أفغانستان: صحيح أنه ليس خبيراً في تاريخ البلد أو سياسته الراهنة، لكن كانت حكاية المقاومة الإسلامية التي أخضعت قوة عالمية حافزاً إيجابياً بنظره: "أفكر أحياناً: إذا تمكنت حركة "طالبان" من هزم الولايات المتحدة، فما الذي يمنعنا من هزم الهند"؟ لم يصبح سيد بعد مقاتلاً مسلحاً ويعترف بأن العلاقات مع الجيش الهندي كانت أقوى في فترة معينة من الماضي. لكن يبدو أن تلك الذكرى بدأت تتلاشى: "لم تكن علاقتنا بالجيش سيئة دوماً. لقد بنى لنا الجنود الطرقات وتعاملوا معنا بطريقة ودّية. لكن لم يعد الوضع كذلك. أعتبرهم اليوم أعداءنا".

مع ذلك، يبقى سيد جزءاً من الأقلية التي تحمل هذا الرأي، حتى الآن على الأقل. تسود بين سكان كشمير قناعة عامة مفادها أن تجدد العنف لن يضمن الانتصار على الدولة الهندية، بل إنه سيودي بحياة الكثيرين بكل بساطة. أخبرنا رحمن حين قابلناه في "بولواما" بأن العنف لم ينفعهم في شيء. لكنّ تحركات الحكومة الهندية قد تعطي برأيه أثراً معاكساً، فتؤجج مشاعر الإحباط إلى أن ينفجر الشعب غضباً في نهاية المطاف. يتألف المعتقلون في معظمهم من الشبان. يقول رحمن: "حين تقبض الشرطة على أولئك الشبان وتضايقهم، يخسرون الرغبة في الحياة".

بدأ ذلك الأثر التراكمي يتّضح الآن، إذ يبدي أشخاص مثل سيد استعدادهم لاستعمال العنف، بينما لا يجد أمثال رحمن تبريرات إضافية لدعم رأيهم السلمي. في النهاية، يضيف رحمن: "لم يرغب أحد في سفك الدماء. لكنّ الوضع تغيّر الآن".


MISS 3