أوكرانيا: ضربة روسية دمويّة تستهدف مركز تسوّق

"الأطلسي" يحشد عسكرياً لـ"الحرب العالمية"

02 : 00

فجوة هائلة جرّاء ضربة روسيّة على ملعب مدرسة في خاركوف أمس (أ ف ب)

على وقع تزايد حدّة التوترات الجيوستراتيجية في أكثر من "بقعة ملتهبة" حول العالم، من شبه الجزيرة الكوريّة مروراً بمضيق تايوان وبحر الصين الشرقي والجنوبي، فضلاً عن الشرق الأوسط، وصولاً إلى شرق أوروبا حيث يحتدم الكباش بين موسكو والغرب على الساحة الأوكرانية، أعلن الأمين العام لـ"حلف شمال الأطلسي" ينس ستولتنبرغ بالأمس عن أن دول الناتو ستزيد عديد القوات عالية التأهّب إلى "أكثر بكثير من 300 ألف" جندي، ما وصفه مراقبون بأنّه حشد عسكري هائل تحسّباً لاحتمال توسّع رقعة الحرب خارج الحدود الأوكرانية وتحوّلها إلى حرب عالمية ثالثة في المستقبل.

وإذ قال ستولتنبرغ قُبيل قمة للناتو مرتقبة هذا الأسبوع في مدريد: "أظنّ أن الحلفاء سيُعلنون بوضوح أنهم يعتبرون روسيا التهديد الأكثر أهمّية والأكثر مباشرة لأمننا"، أضاف: "هذه القمة ستكون نقطة تحوّل وستُتّخذ عدّة قرارات مهمّة فيها"، مضيفاً: "سنُعزّز مجموعاتنا القتالية في الجزء الشرقي من التحالف إلى مستويات ألوية". وفيما تمّ إنشاء 8 مجموعات قتالية مقرّها ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا وبولندا ورومانيا والمجر وسلوفاكيا وبلغاريا، أوضح ستولتنبرغ أنّه ستُعزّز بوحدات "محدّدة سلفاً" في دول الحلف الأخرى، والتي سيتمّ استدعاؤها للتدخّل في هذه البلدان حيث سيجري وضع الأسلحة الثقيلة مسبقاً.

وشدّد على أنه "من خلال القيام بذلك، فإنّنا نُنشئ رادعاً يتّسم بالصدقية لا يتمثل هدفه في إثارة نزاع، بل منع روسيا أو أي خصم محتمل آخر من مهاجمة دولة حليفة". وأردف: "أنا مقتنع بأن الرئيس بوتين يعرف عواقب مهاجمة دولة من دول حلف شمال الأطلسي". كما كشف أن الحلفاء يُريدون تقديم مزيد من الأسلحة الثقيلة لكييف و"مساعدة أوكرانيا على المدى الطويل على الإنتقال من المعدّات العسكرية التي تعود إلى الحقبة السوفياتية إلى معدّات حلف الأطلسي الحديثة".

وفي السياق، تُخطّط الولايات المتحدة لتزويد أوكرانيا نظاماً صاروخيّاً أرض - جو متطوّراً "متوسط وبعيد المدى". وكشف مصدر مطّلع لوكالة "فرانس برس" أنّه "من المحتمل أن تُعلن الولايات المتحدة هذا الأسبوع عن شراء نظام "ناسامس" (نظام الصواريخ المتقدّمة أرض - جو) لأوكرانيا"، لافتاً إلى أنه من المتوقع أن تُعلن واشنطن أيضاً تسليم معدّات أخرى إلى القوات الأوكرانية، خصوصاً ذخيرة للمدفعية وأجهزة رادار.

ميدانيّاً، قُتِلَ 10 أشخاص وأُصيب أكثر من 40 آخرين جرّاء ضربة صاروخية روسية استهدفت مركزاً تجاريّاً "مكتظّاً جدّاً" في كريمنتشوك وسط أوكرانيا، أدّت إلى احتراقه، فيما كتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على "فيسبوك": "أطلق المحتلّون صاروخاً على مركز تجاري كان يتواجد فيه أكثر من 1000 مدني. المركز التجاري يحترق وعمّال الإنقاذ يُكافحون النيران. ومن المستحيل تخيّل عدد الضحايا". كما قُتِلَ 8 مدنيين وأُصيب 21 آخرون جرّاء قصف روسي على ليسيتشانسك في شرق البلاد، طال حشداً من الناس براجمات صواريخ من نوع "أوراغان"، في وقت كان فيه مدنيون يتزوّدون بالمياه من صهريج، بحسب حاكم منطقة لوغانسك سيرغي غايداي.

وفي ردود الفعل، ندّد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بالضربة على مركز التسوّق التي تُظهر وفق قوله، "وحشية وهمجية" بوتين ولا تفعل سوى "تعزيز تصميم" الغرب على دعم كييف، في حين رأى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن "العالم مذعور" من الضربة الروسية على المركز التجاري، واصفاً إيّاها بأنّها "الأحدث في سلسلة فظائع".

وفي غضون ذلك، تعهّدت "مجموعة السبع" تقديم دعم عسكري وديبلوماسي ومالي وإنساني متواصل لأوكرانيا والوقوف إلى جانبها "طالما لزم الأمر"، في بيان صادر عن اجتماعها في قصر إلماو في ألمانيا أمس. كذلك، طلبت "مجموعة السبع" من روسيا بشكل عاجل "وقف هجماتها على المنشآت الزراعية والنقل من دون قيد أو شرط والسماح بمرور شحنات الحبوب من موانئ أوكرانيا على البحر الأسود" لتجنّب تفاقم أزمة الغذاء العالمية.

كما أعرب القادة عن "قلقهم العميق" بعد إعلان روسيا أنها ستُرسل صواريخ ذات قدرة نووية إلى بيلاروسيا، وطالبوا بالعودة "الفورية" للأوكرانيين الذين نُقِلوا "بالقوّة" إلى روسيا. وتحدّث رؤساء الدول والحكومات المجتمعون في قصر إلماو في جبال الألب البافارية صباح الإثنين عبر الفيديو مع زيلينسكي الذي حضّهم على "بذل أقصى الجهود" لإنهاء الحرب في بلاده قبل نهاية العام. وخلال خطابه، تحدّث الرئيس الأوكراني عن "الشتاء القارس" في أوكرانيا "حيث يُصبح القتال أصعب".

وتسعى "مجموعة السبع" إلى تشديد الخناق الاقتصادي على روسيا وتدرس بحسب البيت الأبيض إنشاء "آلية لوضع حدّ أقصى لسعر النفط الروسي على المستوى العالمي"، لكن الفكرة تبدو معقّدة. وأبدت باريس تأييدها للاقتراح، بل واعتبرت أنه من الضروري توسيعه ليشمل الغاز وكلّ الفاعلين في السوق، مع إقرارها بأنّ طريقة تطبيق مثل هذا الإجراء "غير واضحة إلى حدّ ما"، فيما دعت فرنسا الدول النفطيّة إلى زيادة إنتاجها "استثنائيّاً"، وحضّت على "تنويع مصادر الإمدادات" بما يشمل إيران وفنزويلا.

وفي المقابل، طردت موسكو 8 ديبلوماسيين يونانيين بسبب تسليم أثينا معدّات عسكرية إلى أوكرانيا. وذكرت وزارة الخارجية الروسية في بيان أنها استدعت السفير اليوناني في موسكو وسلّمته مذكّرة تُخبره بأنّ 8 ديبلوماسيين يونانيين عليهم مغادرة البلاد خلال 8 أيام. كما حظرت روسيا دخول 43 شخصية كندية إضافية إلى أراضيها. وتشمل هذه اللائحة الجديدة التي نشرتها وزارة الخارجية الروسية خصوصاً سوزان كوان، رئيسة الحزب الليبرالي الكندي الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء جاستن ترودو، والحاكم السابق لبنك كندا المركزي وإنكلترا مارك كارني.

إلى ذلك، نفت روسيا تخلّفها عن سداد ديونها، لكنّها أقرّت بعدم وصول قسطَيْن إلى دائنين بحلول الموعد النهائي الأحد. ويعود تاريخ آخر تخلّف روسي عن سداد الديون الخارجية إلى العام 1918 حينما قرّر الزعيم البلشفي فلاديمير لينين عدم الاعتراف بالقروض التي أخذها النظام القيصري السابق. بالتزامن، كشف الكرملين أن بوتين سيزور طاجيكستان اليوم، في أوّل رحلة خارجية له منذ غزو أوكرانيا نهاية شباط. ومن المتوقع بعد ذلك أن يحضر بوتين غداً الأربعاء قمّة للدول المشاطئة لبحر قزوين في تركمانستان. وينوي الرئيس الروسي المشاركة في قمة "مجموعة العشرين" المقرّرة في تشرين الثاني في جزيرة بالي الإندونيسية، والتي دُعي إليها رسميّاً، وفق الكرملين.