جاد حداد

New Discovery

عثّ الجلد يقتات على بشرة وجهنا ليلاً وبدأ يندمج مع البشر!

29 حزيران 2022

02 : 05

يشكّل معظم البشر حول العالم موائل للعث الذي يمضي أطول فترة من حياته القصيرة وهو يختبئ في بصيلات الشعر، لا سيما في منطقة الوجه. قد يكون جلد البشر المسكن الوحيد لعث ديموديكس الجريبي، فهو يولد على البشر ويتغذى منهم ويتزاوج وينفق عليهم.



ترتكز دورة حياة هذا العث على مضغ خلايا الجلد الميت قبل نفوقه بعد وقتٍ قصير. يتكل هذا العث المجهري على البشر للبقاء على قيد الحياة لدرجة أن يتحول من طفيل خارجي إلى كائن متعايش داخلياً ويتقاسم علاقة متبادلة المنفعة مع البشر. إنه الاستنتاج الذي توصّل إليه بحث جديد.

بعبارة أخرى، بدأ هذا العث يندمج تدريجاً مع أجسام البشر وبات يعيش معنا الآن بشكلٍ دائم. عمد العلماء في الفترة الأخيرة إلى تجزئة جينومات تلك الحشرات الصغيرة وواسعة الانتشار، وتكشف النتائج التي توصلوا إليها أن حياة العث قد تتغير بطريقة غير مسبوقة مقارنةً بأنواع أخرى من الفصيلة نفسها، نظراً إلى حجم اتكاله على البشر.

توضح عالِمة الأحياء اللافقارية، أليخاندرا بيروتي، من جامعة "ريدينغ" في بريطانيا: "اكتشفنا أن هذا العث يحمل مجموعة مختلفة من جينات الجسم مقارنةً بأجناس مشابهة أخرى، نظراً إلى تكيّفه مع حياته الخفية داخل مسام الجلد. أدت هذه التغيرات في حمضه النووي إلى ظهور خصائص جسدية وسلوكيات غير مألوفة".

يُعتبر عث ديموديكس الجريبي كائناً صغيراً مدهشاً، فهو يقتات على مخلفات جلد الإنسان حصراً ويمضي معظم حياته التي تقتصر على أسبوعين وهو يسعى إلى التهام تلك المخلفات. لا تظهر هذه الكائنات إلا ليلاً، تحت جنح الظلام، ثم تزحف ببطء وصعوبة على جميع مساحات الجلد بحثاً عن شريك، على أمل التزاوج قبل العودة إلى البصيلات المظلمة والآمنة.

يبلغ طول جسم العث حوالى ثلث ميليمتر، وهو مزوّد بسيقان ضئيلة وفمٍ يقع على طرف جسم طويل وشبيه بالنقانق. إنه الشكل المناسب للتسلل إلى بصيلات الشعر البشري وإيجاد الغذاء هناك.

تكشف الأبحاث المرتبطة بجينوم العث، بقيادة خبير علم الوراثة غيلبرت سميث من جامعة "بنغور" البريطانية، مجموعة من الخصائص الجينية المدهشة لتفسير أسلوب حياة العث. وبما أن حياة العث هادئة (لا يواجه أي حيوانات مفترسة طبيعية أو منافسة من حشرات أخرى، ولا يتعرّض لأنواع مختلفة من العث)، بات جينومه يقتصر على أبسط الخصائص.

ترتكز قوة سيقان العث على ثلاث عضلات أحادية الخلية، ويشمل جسمه حدّاً أدنى من البروتينات، وهو العدد اللازم للبقاء على قيد الحياة. إنه أصغر عدد تم رصده في الأجناس القريبة منه. هذا الجينوم المبسّط هو السبب الكامن وراء شوائب غريبة أخرى، بما في ذلك ظهور العث خلال الليل حصراً. من بين الجينات المفقودة، تبرز مجموعة مسؤولة عن الاحتماء من الأشعة فوق البنفسجية وأخرى توقظ الحيوانات نهاراً.

يعجز العث أيضاً عن إنتاج هرمون الميلاتونين الموجود في معظم الكائنات الحية والمسؤول عن وظائف متنوعة. يُعتبر الميلاتونين مهماً لدى البشر لأنه ينظّم دورة النوم، لكنه يُسهّل الحركة والتزاوج لدى اللافقاريات الصغيرة. لكن يبدو أن هذا الوضع لم يكبح مسار عث ديموديكس الجريبي، فهو يستطيع جمع الميلاتونين الذي تفرزه بشرة الجسم المضيف في فترة الغسق.

على عكس أنواع العث الأخرى، انتقلت الأعضاء التناسلية لدى عث ديموديكس الجريبي نحو الجهة الأمامية من جسمه، ويتجه عضو العث الذكري نحو الأمام والأعلى انطلاقاً من ظهره. يعني ذلك أن الذكر مضطر للنزول تحت الأنثى فيما يجثم فوق شعرة للتزاوج، وهو يكرر هذه العملية طوال الليل. لكن رغم أهمية التزاوج، يبقى تجمّع الجينات محدوداً جداً، إذ يتراجع احتمال توسيع التنوع الجيني، ما يعني أن العث قد يتجه إلى طريق مسدود من الناحية التطورية.

اكتشف الباحثون أيضاً أن مرحلة البلوغ، بين اليرقة وسن الرشد، تبدأ حين يحمل العث أكبر عدد من الخلايا في جسمه. ثم يخسر الحيوان تلك الخلايا عندما ينتقل إلى سن الرشد. يقول العلماء إنها أول خطوة تطورية في حياة مفصليات الأرجل تمهيداً لبدء أسلوب حياة تفاعلي.

قد نتساءل عن المنافع التي يحصدها البشر من هذه الحيوانات الغريبة. اكتشف الباحثون ميزة أخرى قد تُلمِح إلى الجواب المنتظر. طوال سنوات، ظن العلماء أن عث ديموديكس الجريبي يفتقر إلى فتحة الشرج، فيجمع المخلفات في جسمه قبل تفجيرها عند نفوقه، ما يؤدي إلى ظهور مشاكل جلدية. لكن استنتج الباحثون أن الواقع مختلف. يحمل العث فعلاً فتحة شرج صغيرة، ما يعني أن وجه الإنسان ليس مليئاً بالبراز الذي يفرزه العث بعد نفوقه على الأرجح.

يقول عالِم الحيوان، هانك بريغ، من جامعة "بنغور" وجامعة "سان خوان" الوطنية في الأرجنتين: "لطالما تلقى العث اللوم على مشاكل كثيرة. لكن قد يشير الرابط القديم بين البشر وهذه الكائنات إلى اضطلاعها بأدوار بسيطة لكن مفيدة لإبقاء مسام الوجه مفتوحة".

نُشرت نتائج البحث في مجلة "علم الأحياء الجزيئي والتطور".


MISS 3