د. أيمن بو حمدان

جامعة الوطن... إلى أين؟

1 تموز 2022

02 : 00

سال الكثير من حبر اقلام اساتذة الجامعة اللبنانية بكافة فئاتهم من مَلاك متفرغين ومتعاقدين بالساعة، وغطى صداح حناجرهم الساحات والطرقات والمؤسسات المعنية وبيوتات الساسة لرفع الصوت ولتفادي المحظور وعدم انهيار جامعة الوطن، في وقت وجب ان يكون هذا الصداح وهذا الجهد داخل قاعات التدريس جهاراً وهمساً في المختبرات او اثناء الانكباب على الابحاث العلمية، لكن للاسف النتيجة كانت دائماً مخيبة للآمال ولم يعر أصحاب الحل والعقد اي اهتمام لامور هذا الصرح التربوي العريق واستمراريته وكأن وجوده وعدمه سيان بالنسبة لهم، هذا الصرح الذي اطلق عليه بحق اسم جيش الوطن الثاني لما يمثله من منصة للتلاقي والتفاعل بين مكونات الوطن الواحد في اروقة وقاعات التدريس، هذا بالاضافة الى الدور الريادي للجامعة المتجلي في نهوض المجتمع بسائر قطاعاته ورفده بطاقات علمية ومهنية تشكل شرطاً لاستمراره وحفاظه على ذاك الدور التغييري-الحداثي الذي يضطلع به خريجو الجامعة الشباب والذي من خلالهم يواكب الوطن التطور ويحافظ على ديناميكيته وعدم ترهله.

نشأت الجامعة اللبنانية بعد مخاض أدته القوى الحية على غرار التضحيات التي أفضت الى نشأة قانون العمل وقانون الضمان الاجتماعي على سبيل المثال، فاستمرارية الجامعة وتطورها لم يكونا قط من الامور السهلة المنال بل تطلبا الكثير من النضال والتضحية من قبل كادرها التعليمي والاداري في مواجهة تصلب مواقف السلطة، التي حلت الجامعة دوماً في آخر سلم اهتماماتها، فالمرسوم الحكومي لسنة 1997 على سبيل المثال لا الحصر، والذي قيد صلاحية مجلسها وحصر تفرغ اساتذتها في مجلس الوزراء وأدخلها في التحاصص كباقي قطاعات الدولة، كان له الاثر السلبي جداً الذي هدد ويهدد وجود الجامعة ككيان مستقل.

إن التحاصص السياسي آفة ومعضلة تعاني منه كافة قطاعات الدولة، حيث اثره يكون اشد باضعاف اذا استشرى في القطاع التربوي، الذي ماهيته تلفظ ولا تتقبل هذا النوع من الممارسة، فالعلاقات الداخلية التي تحكم سير هذه المؤسسات محكومة ان تكون بطبيعتها افقية لا عمودية، قوامها التشارك في الادارة واخذ القرارات وغير محصورة بفئة محددة تتصرف حسب مقتضيات السياسة.

ان الجهاز الاكاديمي-الاداري للجامعة من رأس الهرم نزولاً الى رؤساء الاقسام الاكاديمية يجب ان يتم انتخابه مباشرة من الكادر التعليمي للجامعة (جمعيات عمومية) حسب الكفاءة، وبشفافية مطلقة بعيداً عن كل اشكال المحاصصة وحصر مراكز معينة بفئات معينة دون غيرها.

ان تكافؤ الفرص والوصول الى كافة المواقع الادارية يُفترض ان يكون متاحاً لاي كادر من كادرات الجامعة على قدم المساواة ودون تمييز لاي سبب كان، وهذا حق اساسي عماده الطموح الداخلي-النفسي لاي استاذ.

ان المطالبة باعادة بعض الصلاحيات لمجلس الجامعة بعدما انتزعت منه بمقتضى المرسوم المشار اليه اعلاه مع بقاء بعض المراكز المهمة في الجامعة حكراً لفئة محددة، لن يؤتي بأي ثمار وستبقى جامعة الوطن تعاني من ازمة تلو الازمة حتى ترهق وتصل الى يوم أجلها المحتوم، فالوقت يضيق يوماً بعد يوم فإما ان يتعظ اصحاب الشأن ويبادروا لانقاذ الجامعة وإما على الجامعة السلام.


(*) أستاذ متعاقد في الجامعة اللبنانية منذ أكثر من عشر سنوات