الرّاعي في عظة الأحد: الشّعب ينتظر رئيساً واعداً ينتشل لبنان من القعر

12 : 11

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الأحد في كنيسة الصرح البطريركي الصيفي في الديمان وعاونه المطرانان جوزيف نفاع وبيتر كرم، بمشاركة عدد من الآباء والكهنة وعدد كبير من المؤمنين.


وبعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان: "دعا يسوع الإثني عشر، وأعطاهم سلطانا وأرسلهم" (متى 10: 1 و5)، قال فيها: "نحن ليتورجيا في زمن العنصرة، وكنسيا في زمن الكنيسة المرسلة لتعلن إنجيل ملكوت الله، وهو إنجيل شفاء كل إنسان من تسلط الأرواح عليه، ومن الأمراض الحسية والروحية والمعنوية، بإعادة كل ضائع إليها. بدأت هذه الرسالة مع الرسل الإثني عشر، أساقفة العهد الجديد، وتتواصل مع خلفائهم الأساقفة والكهنة معاونيهم بحكم الرسامة الأسقفية والكهنوتية. لكن هذه الرسالة يشارك فيها كل المسيحيين بحكم المعمودية والميرون. دعوة وسلطان وإرسال. ثلاثة مصدرها إلهي. الدعوة مجانية من محبة الله وجودته. والسلطان من المسيح الرب الذي أعطي كل سلطان في السماء والأرض (متى 28: 18). والإرسال منه (متى 28: 18). هذه الثلاثة مؤتمنة عليها الكنيسة، بأساقفتها وكهنتها ومكرسيها ومكرساتها وشعبها. ولا يحق لأحد أن يتصرف بها على هواه، أو أن يجعلها على قياسه، أو أن يخضعها لشروط شخصية أو خارجية".


وتابع: "يسعدنا أن نحتفل معاً بهذه الليتورجيا الإلهية في الأحد الأول من وجودنا في الكرسيّ البطريركي بالديمان.

ونقيم الذبيحة الإلهية مع كاهن وأهالي الديمان وقرية قنوبين، كالعادة، على نيتهم، مقيمين ومنتشرين، ذاكرين أحياهم وموتاهم. ونحن سعداء لما يشد بين الكرسي البطريركي وبينهم من روابط محبة وتعاون وانتماء كنسي، لاسيما وإننا في قلب نيابتنا البطريركية في الجبة من الأبرشية البطريركية. وإني أحيي نائبنا البطريركي العام عليها سيادة أخينا المطران جوزف نفاع، والقيم البطريركي، والآباء المعاونين في النيابة والرعية. نتمنى لكم جميعا صيفاً مباركاً. ونحيي كلّ الآتين من بعيد وقريب ويشاركوننا في هذه الليتورجيا، وأذكر من بينهم رئيس الرابطة المارونية الجديد، السفير الدكتور خليل كرم والاعضاء. تهدف الرسالة الإلهية المؤتمنة عليها الكنيسة إلى نشر ملكوت المسيح، ملكوت الحقيقة والمحبة والحرية والقداسة والعدالة والسلام، على كل الأرض لمجد الله الآب، وإشراك جميع الناس في الخلاص الذي تحقق بالفداء. هذا هو العمل الرسولي الذي تمارسه الكنيسة بواسطة كل أعضائها، بأنواع مختلفة. فالدعوة المسيحية هي من طبعها أيضا دعوة للعمل الرسولي. يشارك فيه كل عضو في الكنيسة في مقدار إمكاناته ومواهبه وحالته ومسؤولياته، تماما كما يفعل أعضاء الجسد البشري، فلا يوجد عضو بدون عمل ووظيفة. والكل من أجل نمو الجسد بكامله (القرار في رسالة العلمانيين، 2)".


أضاف: "لا يقتصر العمل الرسولي على الشأن الكنسي، الروحي والراعوي، بل ينبسط أيضاً إلى قطاعاتٍ أخرى: إلى القطاع الإجتماعي في كل ما يتعلق بمبدأ "مسؤولية الجميع عن الجميع"، والترابط بين أعضاء المجتمع من أجل التعاون والتكامل؛ وإلى القطاع الإقتصادي في ما يتعلق بإتاحة فرص العمل للجميع، وتعزيز حقوق العمال والأجور اللائقة والكافية لتحقيق الذات وإنشاء عائلة، وتحفيز القدرات الشخصية، وإعطاء تسهيلات للقطاع الخاص والإنتاج المحلي في مختلف القطاعات الزراعية والصناعية والسياحية والخدماتية؛ وإلى القطاع السياسي في ما يختص بالخير العام والعدالة والسلام".


وتابع: "المسيحي الذي يتعاطى الشأن السياسي والعام، مدعو بحكم المعمودية والميرون، ليمارس مسؤوليته بروح الخدمة والتجرد والمناقبية؛ وليؤدي الشهادة للقيم الإنسانية والإنجيلية كالحرية والعدالة والإنصاف والتفاني الصادق في سبيل الخير العام؛ وليحترم كل مواطن كشخص بشري له قدسيته وكرامته وحقوقه الأساسية ومستقبله ومصيره، ويعمل على إنمائه الشامل وتحفيز قدراته. ومدعو ليتصدى للإغراءات واللجوء إلى المناورات الخسيسة والكذب واختلاس أموال الدولة، والزبائنية السياسية، واستعمال أساليب غير شرعية للوصول إلى السلطة، والاحتفاظ بها والتوسع فيها بأي ثمن (شرعة العمل السياسي ص 19-21). إنطلاقا من هذه الأخلاقية السياسية نطالب المسؤولين السياسيين بتأليف حكومة جديدة في أسرع وقت ممكن لحاجة بلادنا إليها أكثر من أي يوم مضى. نريدها حكومة، كما ينتظرها الشعب، جامعة توحي بالثقة من خلال خطها الوطني ومستوى وزرائها، وجديتها في إكمال بعض الملفات العالقة، وضمان إستمرار الشرعية وحمايتها من الفراغ. فكما نطالب بإلحاح بتأليف حكومة جديدة، نطالب بإلحاح أيضا بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر، كما تنص المادة 73 من الدستور. وينتظر الشعب أن يكون رئيساً واعداً ينتشل لبنان من القعر الذي أوصلته إليه الجماعة السياسية، أكانت حاكمة أم متفرجة".



وقال: "إن إنسحاب لبنان من محيطه ومن العالم حوله جزيرة معزولة فيما كنا دولة ونخبا في قلب الكون وبين الأمم، وشركاء في تقدم المجتمعات. واليوم، بحكم انحياز أطراف لبنانية عديدة إلى محاور الـمنطقة، صار لبنان يتأثر، مع الأسف، أكثر من غيره بالأحداث التي تجري. ويعز على اللبنانيين أن تسعى جميع دول المنطقة إلى البحث عن الحلول وعن مكان لها تحت الشمس، فيما نغوص نحن في المشاكل والأزمات.

فلا بد من أن يستعيد لبنان طبيعته أي حياده الإيجابي الناشط، الذي هو المدخل الوحيد إلى الإستقرار والنمو. ونحن من موقعنا التاريخي وضميرنا الوطني نضع كل إمكاناتنا وعلاقاتنا لمساعدة المعنيين على تجاوز الصعوبات وتأليف حكومة وانتخاب رئيس منقذ يستعيد سيادة الدولة على كامل أراضيها، والقرار الوطني، ويركز لبنان في مكانه الطبيعي ودوره الصحيح ورسالته التاريخية. إن التأخير في تأليف حكومةٍ هو استثناءٌ في دول العالم بينما أصبح قاعدة في لبنان.

لذا، نحن لسنا في وارد الاستسلام للقدر ولا التسليم بمنطق العيشِ الدائم في الأزمات ولا الخضوع للأمر الواقع. فلن نوفر جهدا داخليا وعربيا ودوليا لإنقاذ لبنان. ما عاد الانتظار مرادفا للتأني، بل لإضاعة الفرص وضياع لبنان، ولن ندعه يضيع مهما كانت التضحيات والمبادرات التي قد نضطر لاتخاذها".



وختم الراعي: "لا نستطيع باسم الكنيسة أن نتخذ موقف المسؤولين السياسيين من الشعب، بل ندينه.

فلا نتجاهل أين أصبحت حالة شعبنا! ولا نغمض أعيننا عن مصائبهم ومآسيهم وفقرهم وفقدانهم الغذاء والدواء وهجرتهم! ولا نصم آذاننا عن أنين المرضى والموجوعين! إننا مع المجتمع الدولي نندد بلامبالاة المسؤولين عندنا وسوء حوكمتهم، وتسجيلهم نقاطا على بعضهم البعض، فيما الشعب يبحث عن لقمة خبز ونقطة ماء وحبة دواء. إنها لجريمة كبرى أن تطغى لعبة المصالح الخاصة في زمن الانهيار على مصلحة الدولة والشعب. بعض المسؤولين يتصرفون وكأن الحال اللبنانية تسمح بترف تبادل الشروط والشروط المضادة، والمناورات والمناورات المضادة، فتمر الأشهر ولا تتشكل الحكومة، فندخل في المجهول. وما يزيد النقمة أن هؤلاء المسؤولين يعرفون الواقع المأسوي ويتابعون الهزل، ويدركون أنهم يرتكبون ذنبا مميتا بحقِ مواطنيهم ورغم ذلك يقترفونه.

وفوق ذلك نسأل: لماذا تتفق الجماعة الحاكمة على تحميل الشعب الضرائب والرسوم، ولا تتفق على تحمل المسؤولية تجاهه؟ يحتجز هؤلاء أموال الشعب في المصارف، ويسلبون أمواله الباقية خارج المصارف. لقد جعلتم الشعب "أداة ضرائبية" فيما لا يجد ما يسدُ به كفاف يومه. متى ستكفون عن التضحية بالشعب، وبالتالي بالوطن من أجل مناصبكم وادواركم السلطوية.

حيث كثرت الخطيئة فاضت النعمة (روما 5: 20). قول القديس بولس هذا يشعل الرجاء في القلوب، فنواصل عملنا الرسولي وسط المجتمع والوطن والمسيح معنا إلى نهاية العالم (متى 28: 20)؛ وهو ضمانة نجاح رسالتنا. له المجد مع الآب والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".

MISS 3