كان للاعلامية السيدة رولا حداد حلقة حوار مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مساء الثلاثاء 21 حزيران 2022 تم نقلها مباشرة على شاشة LBCI من صالون الطابق السادس من مصرف لبنان، حيث ظهرت معلقة على الحائط صور الحكام الاربعة السابقين للمصرف، تعلوها صورة الاستاذ سلامة بالوسط.
سبق للسيدة حداد ان روّجت للحلقة على صفحتها في الـ facebook بـ «ان كل اسئلة الناس ستطرح في هذه الحلقة».
السؤال الاهم الذي لم يطرح، وان كان بالشكل، هو عن سبب عدم تعرض مصرف لبنان لأي ازمة مالية عاتية، كتلك التي يمر بها حالياً، خلال ولاية الحكام الاربعة المعلقة صورهم على الحائط وهم: فيليب تقلا، الياس سركيس، ميشال الخوري وادمون نعيم، والاخير عاش اقسى ايام التقاتل وانقسام السلطة السياسية، ولم يحصل الأمر إلا مع الحاكم سلامة، لماذا؟
هناك من سيجيب بأن الحكام السابقين كانوا جميعاً من خلفية قانونية، اي خلفية تتبصر بدراية وبعمق بنصوص القانون وتعلم اخطار تجاوزها.
ويسترسلون بالقول بأن الأزمة العميقة والخسارة الفادحة التي سقط فيهما مصرف لبنان متأتيتين في احسن تقدير من استشارات قانونية ناقصة او مغلوطة قدمت الى الحاكم سلامة. ولم يعمل الاخيرعلى التدقيق في سلامتها او كفايتها بخصوص جواز إتيان عمليات معينة.
ويضيفون ان التعثر في تقديم الحل المناسب للازمة مرشح هو ايضاً للانتكاس باستمرار. وهذا ما يتيقنه المرء من التعديلات التي اقرها مجلس الوزراء على المسودة الاولى للتعافي، والتي عاد ووعد الرئيس نجيب ميقاتي الأسبوع الماضي في جلسة لجنة المال والموازنة باجراء تعديلات على المعدل منها. والاكيد انه ستكون هناك ايضاً في المستقبل تعديلات متلاحقة لان مسودة التعافي والنهوض تفتقر منذ البداية للمهنية، وتضرب بعرض الحائط ثوابت دستورية وقانونية وعبر مستخلصة من تجارب الآخرين الناجحة.
كما يلفتون الى ان امور الانقاذ والتعافي لن تستقيم الا بضم شخصيات قانونية (مستقلة)، مشهود لها بالاختصاصات ذات الصلة بالأزمة، الى فريق العمل العامل على وضع الخطط الكفيلة بالنهوض من القعر الذي وصلت اليه الامور او حتى ربما لقيادة هذا الفريق.
***
الأمثلة الأوروبية بخصوص خطط التعافي الناجحة تظهر ان غالبيتها، ان لم تكن جميعها، قد تمت قيادتها من قبل رجال قانون، او تم الاقتباس من منطلقات وأسس أرساها هؤلاء.
آخرهم الرئيس الايسلندي Ólafur Ragnar Grímsson الذي اختار التخصص الجامعي بالعلوم السياسية وانخرط في نشاطات ONG. وقد تحدث في مداخلاته في مؤتمر Davos الذي دعي اليه عام 2012 عن تجربة بلاده الناجحة في تخطي الازمة المالية العميقة التي سقطت فيها اواخر عام 2008. فذكر ان الاساس الذي تم الانطلاق منه في بلاده كان قانوني ينطلق من تحديد المسؤولين الحقيقيين عن الازمة، وملاحقتهم امام القضاء على افعالهم لتنقية القطاع المصرفي منهم. فالمهم بالنسبة اليه كان انقاذ القطاع المصرفي وليس المصرفيين المقصرين وردد هذا الامر مرات عدة.
وأردف ان النظرية التي تقول ان على الدولة ان تتدخل لمنع سقوط مصارفها، والتي معناها ان يتمتع المصرفيون بالارباح ونتائج نجاحاتهم، وترك المواطنين يتحملون وزر اخفاقات المصرفيين من خلال فرض المزيد من الضرائب واجراءات التقشف عليهم، هي نظرية بائدة ولا تصلح في الديمقراطيات الحديثة المتنورة.
وأضاف: «لقد تمحور همنا حول عدم تحميل المواطن والمودع تبعات الازمة في بلادنا. لقد انقذنا شعبنا ورمينا في السجن المقصرين على خلاف ما فعله الآخرون في قبرص واليونان وايطاليا واسبانيا والبرتغال. كان خطابنا واضحاً وصريحاً وابلغناه للمصرفيين وقد نحونا فيه منحى الرئيس الفرنسي Vincent Auriol وهو دكتور بالقانون ذو المام عميق بالمالية العامة، وانتخب بعد انتهاء ولايته الرئاسية عضواً في المجلس الدستوري. لقد ذكرنا لهم، اي للمصرفيين، ان لدينا خطتين لمعالجة الازمة:
خطة (أ) Plan A
خطة (ب) Plan B
الـ Plan A وتقضي بمطالبتهم باعادة تكوين رؤوس اموال مصارفهم كما المراكز النظامية المطلوبة (سيولة، ملاءة، مؤونات وغيره...) خلال اشهر معدودة.
الـ Plan B في حال الاخفاق في تأمين المطلوب، فان ابواب مصارف المقصرين ستغلق وسيزج بالمسؤولين عنها (اعضاء مجلس الادارة والمدراء التنفيذيين ومفوضي المراقبة) في السجن، الى جانب المسؤولين الرسميين عن الازمة ويلقى الحجز على ممتلكاتهم وحساباتهم في الداخل والخارج على الاخص في الملاذات الضريبية.
انطلاقة الحل في ايسلندا كانت انطلاقة قانونية. وركزت على تحديد المسؤولية القانونية، لكي يبنى على الامر مقتضاه. وقد تطلب الامر سنتين ونصف السنة لمعرفة الحقيقة الكاملة لما جرى وايجاد الحل للأزمة».
***
إنطلاقة الحل في لبنان عهدت الى رجال المال والاعمال. وركز هؤلاء على «مصطلح» التوزيع العادل للخسائر (في اطار اعلامي دعائي )، وليس على التحديد القانوني للمسؤوليات. وها هي ثلاث سنوات تمر ولم يعرف المواطن العادي في لبنان حقيقة ما ومن تسبب بالازمة. كما لم تعتمد لتاريخه اي خطوات اكيدة وجدية لحلها. نحن فقط أمام تدابير وقرارات غير دستورية وغير قانونية لتذويب الودائع بهدف اطفاء الخسائر وتمويه الانحرافات.
(*) أستاذ محاضر في قانوني النقد والبنوك المركزية