سوميت غانغولي

ناريندرا مودي يحرق الجسور مع الشرق الأوسط

5 تموز 2022

المصدر: Foreign Affairs

02 : 00

رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في برلين
منذ وصول رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وحزبه "بهاراتيا جاناتا" القومي الهندوسي إلى السلطة في العام 2014، شهدت الهند زيادة محلوظة في خطابات الكراهية وأعمال العنف ضد الأقلية المسلمة. هذا الوضع دفع المسؤولين في الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة، إلى تشجيع مودي وحكومته على إعادة التأكيد على تعددية الهند المعروفة، لكنهم لم يمارسوا ضغوطاً كافية على نيودلهي لأن الهند تبقى في جميع الأحوال شريكة اقتصادية وجيوسياسية مهمة في المنافسة المحتدمة مع الصين. لكن في شهر حزيران الماضي، قوبلت الأجواء القاتمة التي ترافق حُكم الأغلبية وغياب الليبرالية في الهند بأقوى ردة فعل على الإطلاق. لم يصدر هذا الموقف من الحكومات الغربية الليبرالية، بل من مجموعة دول عربية. في أواخر شهر أيار، أدلت المتحدثة باسم "حزب بهاراتيا جاناتا"، نوبور شارما، بتعليقات مهينة بحق النبي محمد خلال مقابلة متلفزة. ثم ضخّم نافين جيندال، وهو مسؤول آخر في الحزب الحاكم، تلك التعليقات عبر "تويتر". هذه المواقف أثارت استياء شريحة كبيرة من المسلمين الهنود، ما أدى إلى اندلاع احتجاجات واسعة وأعمال شغب، لكنها أغضبت حكومات الشرق الأوسط أيضاً، فقدّم عدد منها احتجاجات رسمية ضد نيودلهي.

يجازف هذا الخلاف المستجد بكبح الجهود الدبلوماسية الحثيثة التي بذلها مودي على مر عشر سنوات تقريباً ونجحت في بناء علاقات ودية مع معظم دول الشرق الأوسط. يُعتبر مودي رئيس الوزراء الوحيد الذي زار إيران، إسرائيل، قطر، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، خلال ولاية واحدة. وفي عهد مودي، سعت الهند إلى تأمين متطلبات النفط والغاز المحلية من الشرق الأوسط، وهي كميات أساسية للحفاظ على أمن الطاقة، حتى أنها حاولت تأمين الرعاية الاجتماعية لتسعة ملايين هندي يقيمون في دول الخليج. كذلك، سمح هذا التواصل الدبلوماسي الناشط بتعزيز التجارة والاستثمارات والروابط الأمنية مع دول مجلس التعاون الخليجي. تُعتبر السعودية والإمارات مثلاً من أهم شركاء الهند التجاريين دوماً. كان متوقعاً أن تتوسع هذه الروابط بعد إبرام اتفاق التجارة الحرة الجديد بين الهند والإمارات العربية المتحدة، وفي ظل استمرار المفاوضات على اتفاق تجاري أوسع مع مجلس التعاون الخليجي. وعلى عكس الحكومات الهندية السابقة، حرص مودي أيضاً على تعزيز التعاون مع دول الخليج لمعالجة مخاوف مشتركة مثل الإرهاب والأمن البحري في منطقة المحيط الهندي. كانت هذه المصالح متبادلة، فقد بدأت السعودية والإمارات تعتبر الهند سوقاً ناشئة مهمة لصادرات الطاقة الخليجية، والاستثمارات الخارجية، والمشاريع المشتركة، والظروف الأمنية.

لكن أصبح هذا التعاون غير المسبوق مُهدداً بعدما سمح "حزب بهاراتيا جاناتا" بإطلاق العنان لمظاهر الإسلاموفوبيا المدعومة من الدولة محلياً. في الماضي، عبّرت غالبية دول العالم الإسلامي عن مخاوفها من التطورات السلبية بحق الأقلية المسلمة في الهند. انتقدت الدول المسلمة الهند علناً في بعض المناسبات، مع أن هذه المواقف لم تُحدِث أي تغيرات ملموسة في السياسات المعمول بها. لكن تتخذ الأحداث هذه المرة منحىً مختلفاً.

غالباً ما تطلق أي تعليقات لاذعة أو رسوم كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد ردود أفعال قوية أو عنيفة أحياناً في بلدان مسلمة عدة. لكن أحدثت المواقف الأخيرة أقوى ردة فعل في الدول المسلمة حول العالم من دون سبب محدد. حاولت نيودلهي الحد من الأضرار، فأكدت على احترام الحكومة الهندية لجميع الأديان. لكن قد لا تكون هذه البيانات الدبلوماسية التصالحية كافية لمنع انحراف السياسة الهندية المحلية المضطربة عن مسارها وكبح مساعي توثيق العلاقات مع الخليج والشرق الأوسط عموماً.

حملة مكثفة للتقرب من دول الشرق الأوسط

حاول مودي، حين أصبح رئيس وزراء الهند في العام 2014، تقوية علاقات بلده مع الخليج والشرق الأوسط في مجالات متنوعة، وكانت هذه العملية قد بدأت في عهد سلفه مانموهان سينغ. ينجم هذا الانفتاح على الخليج والدول العربية الأخرى عن عوامل متعددة، أبرزها وجود حوالى تسعة ملايين عامل هندي في دول الخليج منذ فترة طويلة، علماً أن هذه البلدان دعمت الاقتصاد الهندي في العام 2019 بتحويلات مالية وصلت قيمتها إلى أربعين مليار دولار (أي ما يساوي حوالى 65% من التحويلات السنوية إلى الهند، أو 3% من الناتج المحلي الإجمالي الهندي). كان البلد يحتاج أيضاً إلى تأمين تدفق السلع وواردات النفط الخام والاستثمارات من الخليج. يأتي ثلث واردات النفط في الهند من دول مجلس التعاون الخليجي، وتُعتبر قطر أهم موردة للغاز الطبيعي أيضاً.

بالإضافة إلى تلبية متطلبات الطاقة في الهند، تشير التقديرات إلى بلوغ حجم التجارة الثنائية مع دول مجلس التعاون الخليجي 154 مليار دولار بين العامين 2021 و2022، أي ما يساوي 10.4% من إجمالي صادرات الهند و18% من إجمالي وارداتها. حاول مودي أيضاً أن يتعاون مع دول الخليج لسحق جماعات الجريمة المنظّمة الهندية، فضلاً عن المنظمات الإرهابية الباكستانية والهندية التي وجدت ملاذاً آمناً لها في منطقة الخليج. ومهّدت المفاوضات التي جرت خلال زيارات مودي المتكررة إلى أبو ظبي والرياض لإبرام اتفاقيات بارزة تضمن تسليم الإرهابيين الباكستانيين والهنود، وتحدّ من نشاطات تبييض الأموال من جانب الجماعات نفسها في السعودية والإمارات.

كانت جهود مودي الدبلوماسية للتواصل مع دول الخليج جزءاً من محاولات أخرى لتحسين سمعته التي تلطّخت بعد مذبحة "غوجارات" في العام 2002. بين العامين 2015 و2019، حاول مودي تحسين صورته، فأطلق سلسلة من الزيارات الدبلوماسية رفيعة المستوى إلى البحرين، إيران، الأردن، سلطنة عمان، الأراضي الفلسطينية، قطر والسعودية. حتى أنه قام بمبادرات رمزية مثل زيارة جامع الشيخ زايد خلال رحلته إلى أبو ظبي في العام 2015، فاعتُبِرت تلك الزيارة تكريماً للشيخ زايد، مؤسس الإمارات العربية المتحدة، ومبادرة تصالحية مع الأقلية المسلمة في الهند. لكن تكمن المفارقة في حصول زيارة مماثلة من نائب الرئيس الهندي، موبافارابو فينكايا نايدو، إلى قطر لتلميع صورة الهند في الخليج في بداية شهر حزيران الماضي، تزامناً مع احتدام الجدل الحالي.

إعتبر قادة المنطقة، بما في ذلك ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس دولة الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، علاقاتهم مع الهند مبنية على المصالح المشتركة، وما كانوا يهتمون كثيراً بتطورات السياسة الهندية المحلية. حتى أن التقارب بين إسرائيل ودول الخليج، بموجب "اتفاقيات أبراهـام"، سهّل على حكومة مودي التواصل مع مجموعة متنوعة من اللاعبين الإقليميين. طوال عقود، حرصت الهند على إقامة توازن حذر مع إسرائيل والبلدان العربية في المنطقة. وسمحت "اتفاقيات أبراهام" لحكومة مودي بإطلاق تعاون متعدد الأوجه على المستويَين الاقتصادي والأمني مع إسرائيل ودول الخليج في آن. من المنتظر أيضاً أن تشارك الهند في قمة افتراضية تشمل إسرائيل والإمارات والولايات المتحدة في الشهر المقبل.

لا عــــــودة إلــــــى الــــــوراء

إنطلاقاً من مبدأ البراغماتية الصارمة، اختار قادة الخليج التزام الصمت حين فرضت حكومة مودي تدابير تنتهك حقوق الأقلية المسلمة في الهند، بما في ذلك سلسلة قوانين مثيرة للجدل تُحدد للمرة الأولى كيفية نيل الجنسية الهندية على أساس الدين، ما يعني تهديد عدد كبير من مسلمي الهند بتجريدهم من جنسيتهم. لكن بدأ توسّع مظاهر الإسلاموفوبيا في الهند، خلال عهد "حزب بهاراتيا جاناتا"، يثير قلق دول الخليج مع مرور الوقت. اتّضحت هذه النزعة المستجدة في بيانات رسمية أصدرتها السعودية والإمارات ومنظمة التعاون الإسلامي، فاستنكرت هذه الأطراف التعليقات المسيئة للمسلمين واستدعت دول أخرى السفراء الهنود فيها. في ظل تصاعد هذه الموجة من الانتقادات، حاولت وزارة الخارجية الهندية التشديد على تمسّك الهند بالعلمانية.

لكنّ التعليقات المهينة تستهدف النبي محمد هذه المرة ولا تقتصر على سياسات أو تحركات مشبوهة ضد مسلمي الهند، لذا ثارت حفيظة النُخَب الحاكمة والرأي العام في معظم العالم الإسلامي، لا الشرق الأوسط وحده. على سبيل المثال، اعتبر مفتي سلطنة عمان "الوقاحة الفاضحة" في مواقف "حزب بهاراتيا جاناتا" تجاه الإسلام شكلاً من "الحرب" ودعا إلى مقاطعة البضائع الهندية. تكررت هذه الدعوة عبر هاشتاغات ناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء الخليج، فزادت الضغوط على حكومات مجلس التعاون الخليجي لإصدار تعليق رسمي على المواقف المسيئة للنبي.

تفضّل حكومة مودي على الأرجح أن تعزل شراكاتها الاستراتيجية الثنائية مع دول الخليج عن المسائل السياسية المحلية، لكن قد لا تكون هذه المقاربة قابلة للاستمرار مع مرور الوقت. على عكس مراحل سابقة من الخلافات، حين كانت استثمارات الهند في الشرق الأوسط لا تزال محدودة، توسّعت العلاقات بين نيودلهي ودول المنطقة اليوم. في الوقت الراهن، تجد النخب السياسية في "حزب بهاراتيا جاناتا" والخليج صعوبة متزايدة في السيطرة على الرأي العام في هذه المسائل المثيرة للجدل نتيجة توسّع الروابط الاجتماعية والاقتصادية بين الطرفين عن طريق الهجرة والتجارة، فضلاً عن سرعة تقاسم المعلومات وإطلاق حملات التضليل على مواقع التواصل الاجتماعي. لم تصدر التعليقات المسيئة في الفترة الأخيرة عن المدنيين بل مسؤولين في "حزب بهاراتيا جاناتا"، لذا يتحمل مودي وحزبه الحاكم مباشرةً مسؤولية تصاعد مظاهر الإسلاموفوبيا في الهند.

بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، تواجه الهند أزمة موارد وتتعامل مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وزيادة كلفة استيراد النفط، وانكماش سعر صرف العملات. كذلك، أصبح وضع الشتات الهندي الواسع في الخليج محط جدل، فقد عبّر المغتربون عن خوفهم من مواجهة العدائية والمقاطعة بسبب تلك التعليقات المسيئة. تشعر الهند أيضاً بالقلق من تنامي النفوذ الصيني في ذلك الجزء من الشرق الأوسط، فقد استثمرت الصين هناك في عدد كبير من مشاريع البنى التحتية المحلية. من المستبعد أن يكون إصرار حكومة مودي على التزامها بالعلمانية كافياً لتهدئة الغضب السائد في أنحاء العالم الإسلامي عموماً ووسط المسلمين في الشرق الأوسط خصوصاً. ركّزت جهود مودي الدبلوماسية في الشرق الأوسط على تحقيق المصالح الاقتصادية والأمنية المشتركة سابقاً وحاولت الاستخفاف بالأحداث المحلية، لكن توحي الظروف الراهنة بأن هذه المقاربة قد تصل إلى نهايتها.


MISS 3